في كل يوم جمعة، نجد ان الفضائيات العربية تعج بالشيوخ الذين يحتكرون القنوات لساعات طويلة في حديث ديني، وليس خطأ ان يحتكر الدين الفضائيات ان كان لنشر المحبة والانسانية وروح الاخاء بين البشر، او كان من اجل تسليط الضوء على المثل والقيم النبيلة كالصدق والامانة ولهفة الملهوف ومحبة بقية الشعوب والتأكيد على دور الأم واحترام حقوقها ودورها، ولكن الدين الذي ينشر اليوم بمفهوم الشيوخ الذيم يملأون الاعلام هو دعما للارهاب واثارة الحقد والكره بين البشر واحتقار المرأة ونبذ كل اسلوب حياة حضاري، مفهوم الدين المطروح في الاعلام هو المفهوم البدوي المليء بالاستفزاز والغضب والكراهية واثارة النعرات بين التجمعات البشرية المتعايشة على هذه الارض .
ففي يوم الجمعة الماضي عجبت من شيخ في احدى الفضائيات العربية التابعة لدولة بعينها، تحدث عن احاديث صحيحة كما يقول، وهذه الاحاديث كلها خوف من ان يدخل الشيطان عبر المرأة واستشهد بأحد الصحابة القائل : quot; اكثر ما اخافه المراة، المرأة بها يدخل الشيطان فحذار من المرأة. ثم صار يتحدث عن خلق الله وضرورة عدم تغييره وقال: وها أنتم ترون ماذا يحصل في الصالونات النسائية من تغيير خلق الله يوميا، ويستمر بذات الأسلوب التحذيري ليقول نصيحتي لكم ان تدركوا انفسكم فالحياة قصيرة واستثمروها قبل الممات لتحصلوا على مكان في الجنةquot;...
ذهلت من كلام هذا الشيخ، واستغربت كيف تسمح الحكومات العربية التي تعاني من الارهاب ومصائبه ان يقال هذا الكلام في اغلب فضائياتها، انه خطاب ارهابي مائة بالمائة، فعندما يطرح الشيخ من ان ما يجري بالصالونات هو تغيير لخلقة الله وهو معصية، من يكفل لنا ان الشباب الذين استمعوا له لم يتاثروا به وينظموا تفجير اقرب صالون يستطيعون الوصول اليه بمتفجراتهم، التي تنتشر في المجتمعات العربية بفضل العصابات الارهابية التي تتلقف الشباب لاعبة بعقولهم موجهة اياهم الى موت الناس وخراب الحضارة ؟
إن المحرض على الجريمة اخطر من الفاعل في المفهوم الحقوقي والذي أخذ به الكثير من المشرعين في القوانين الجزائية في العالم العربي ، بأعتبار ان المحرض هو من أوجد فكرة الجريمة وأخرجها الى حيز الوجود، و قبل حدوثها، لذلك شددت بعض القوانين على عقوبة المحرض على الجريمة- خصوصا في مجال التحريض على الانتحار- كالقانون السوري واللبناني، فمثلا ينص قانون العقوبات اللبناني في احدى مواده على ما يلي:
المادة 24- كل من حرض على ارتكاب جرم بالنشر والاعلان في المطبوعة الصحفية وغيرها يُعاقب وفقا لأحكام المادة 218 من قانون العقوبات. ويعتبر تحريضا كل كتابة يُقصد فيها الدعوة للإجرام او التشويق اليه.
وهل اكثر مما نراه ونسمعه في الفضائيات من تحريض على العمل الانتحاري وتشويق للجنّة يقال للشباب الذي يؤمن ان هؤلاء الشيوخ مثلا يقتدى به؟
هل فكر هذا السيد ماهو تاثير كلامه على المراهقين وهو يقول لهم استعجلوا بكسب رضا الله بمحاربة المعاصي؟ والمعاصي عنده اولها المرأة ولباس المرأة وصوت المرأة وشعر المرأة وكل مايتعلق بها، والمعاصي صالونات الحلاقة، والموسيقى، والزينة وكل ماانتجته الحضارة خدمة للانسان، كما ان التخويف من المرأة هذا يجعل المراهقين والشباب لايرون في النساء سوى شياطين لابد من محاربتها ..
الا يحق للمتضررين من الارهاب بشكل مباشر كاهالي الضحايا بالعمليات الانتحارية واصحاب الممتلكات المدمرة ان يرفعوا دعاوى على الفضائيات العربية وعلى كل شيوخها وبرامجهم ليعاقبوا على اقوالهم المحرضة حينما ينتحر الفاعل بموت الاخرين ولا يوجد من يرفعون دعاواهم ضده؟
لصالح من يبقى هؤلاء الشيوخ يربون جيلا معقدا ومتخلفا ومربكا بين الحلال و الحرام ولا يعرف كيف يعيش، ضائعا بين اقوال الشيوخ المتناقضة فيما بينهم والمتناقضة ايضا مع اغلب افعالهم؟
كيف يحارب العرب الإرهاب وهم يغرسونه في نفوس الشباب؟ هذا اضافة الى الخدمات التي تقدمها بعض القنوات بنشر رسائل الارهابيين امثال بن لادن ومجرميه، ويعتبرون نشر هذه الرسائل الصوتية التي تبث الخراب وترسل الشفرات للارهابيين للقيام بجرائمهم سبقا صحفيا، بينما يتم التعتيم على كل فكر حر خاصة من النساء المدافعات عن المساواة والناشطين بحقوق الانسان - إلا لرفع العتب احيانا - وللشيوخ وسمومهم حصة الاسد من الوقت، وكأن هدف الفضائيات هو نشر الوهم والكراهية بين الناس عن طريق التعصب الديني البغيض، او نشر الفنون الهابطة والخليعة وفضائيات الجنس العربي التي تعتبر هي الاخرى داعما للمحرضين اذ يثبت امام الشباب خراب العالم الذي يريدون تدميره في المحصلة النهائية، وتشجعهم على المضي بتحريضاتهم وتقدم لهم ادلة وسندا لاقوالهم امام الشباب المحروم او المغوي والمربك بين ما يراه ومايحرم عليه ويدفعه نحو الإنتحار وتدمير كل شيء والركض الى الجنة الموعودة..
الا من منقذ للشباب من الاعلام العربي الذي يحارب الفكر العقلاني والمنفتح والمتسامح ، ويهمش حاملي هذا الفكر بعدم تسليط الضوء على نشاطاتهم، وبعكس ذلك ينشر الفكر السلفي الذي يؤسس للارهاب، لهذا لا نعجب من انتشار الارهابيين في مجتمعاتنا العربية كالنار في الهشيم، ولا نعجب انهم يدمرون اليوم كل بناء وحضارة وقيم بنيت عبر عقود من التضحيات والعمل والتربية، ولا نعجب من قتل وذبح للاديان الاخرى في مجتمعاتنا ومايحصل في العراق من قتل للمسيحيين والايزيديين والصابئة المندائية فهو نتاج ما نسمع ونرى وما يرعاه الاعلام العربي منذ امد بعيد، وان ما يحصل في العراق من ابادة مرعبة للبشر لم يكن نتاجا عراقيا فقط، انما نتاجا عربيا اصيلا، فهل من تفكر وحكمة في ما يفعله الاعلام؟....
- آخر تحديث :
التعليقات