عزيزي القارىء العربي.. والفلسطيني.. كنت قد كتبت هذه المقالة قبل حوالي عشرة أيام.. ولكني ترددت في إرسالها للنشر لقناعتي المطلقة بحق الفلسطيني في دولته المستقلة.. ولكن وفي ظل الإقتتال الفلسطيني الدائر.. وفشل الجميع في تأمين الأمن ناهيك عن الخبز للإنسان الفلسطيني فإني أنشرها.. وأنا أعلم أن مصر أقفلت حدودها أمام الفلسطينيون خوفا من النزوح.. ولا أعرف ما إذا فعلت الأردن الشيء نفسه.. ولكني أطمح بالصدق من جميع الأطراف لإيجاد حل للمعاناة الفلسطينية في ظل التعنت الإسرائيلي والتبرير الذي لا ينتهي.. والذي ستتوجه إسرائيل الآن بكيف ستستطيع العيش او التعايش مع برابرة يقتلون بعضهم البعض..
مقالتي هذه تجمع بين سطورها تحليل العلاقة الأردنية ndash;الفلسطينية.. نتيجة بحث مستفيض بين مجموعة من المقالات ومجموعة من الآراء التي بدأت خلال الأسابيع الماضية تطرح فكرة عودة الأردن عن قرار فك الإرتباط.. تحمل تساؤلات ليس من حقي الإجابة عليها بل أترك الإجابة عليها إلى الفلسطينين أنفسهم.. والأردنيين الأشقاء....
مرت العلاقة الأردنية ndash;الفلسطينية بمرحلة مد وجزر ما بين وحدة فيدرالية بين الضفتين ما بين 1950 إلى 1967 بعد الإحتلال الإسرائيلي..بعدها سعى الأردن إلى طرح مشروع المملكة المتحدة عام 1972 وهو ما رفضته منظمة التحرير.. وإسرائيل آنذاك بعده تم توقيع إتفاقيه كونفيدارالية بين الملك الأردني وعرفات.. الذي تخلى عنها لاحقا (عام 1985) مما أنتج قناعة أردنية تامة بأنه لا مجال لأي شكل من أشكال الوحدة بين الضفتين..مما دعى الملك الراحل الحسين بن طلال إلى إتخاذ قرار فك الإرتباط القانوني بين الأردن والضفة الغربية عام 1988.. وبعد طلب مباشر من منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة عرفات بذلك وإعتراف بقية الدول العربية بالمنظمة كممثل شرعي وحيد للفلسطينين في الضفة الغربية وفي القطاع.. حفاظا على الهوية الفلسطينية وعلى أمل إنشاء دولة مستقلة ذات سيادة تعيش حنبا إلى جنب مع إسرائيل. وإسترجاع الكرامة المفقودة والحلم بالسلام.
خلال تلك السنوات وبعد إتفاقية أوسلو أخذ الأردن قرارا يتماشى مع مصالحه وبالذات لمصلحة بقائه على الخريطة السياسية.. ولكي يقطع الطريق على إسرائيل بالتحديد التي كانت ولا تزال تطرح فكرة الأردن كوطن بديل..قام الأردن بالتوقيع على إتفاقية سلام مع إسرائيل وبموجبها تم تأجير منطقة وادي عربة لإسرائيل.. ولكن وبرغم الرفض الشعبي إلا أن الإتفاقية لا تزال سارية المفعول وإن كانت تتأرجح بين الرفض الشعبي.. والإلتزام القانوني.. والذي تعزز في قرارات الحكومة الأردنية برفض أي شكل من أشكال المقاومة يخرج من أراضيها حفاظا على بقائها وتجاوبا مع القانون الدولي الذي يحمي إتفاقية وادي عربة.. وتعزز رفضها لأي شكل من أشكال العنف في مطالبتها من مواطنيها من الأصول الفلسطينية بالفصل التام بين المواطنة الأردنية وحق النضال ضد الإحتلال برغم أن البعض يجادل بأنه حق مشروع لنازحين حملوا الجنسية الأردنية..ولكن وبرغم كل التشدقات بالنضال نجح الأردن في خلق أرضية صلبة من التطور المعيشي والإزدهار الإقتصادي وطفرة ثقافية مقارنة بالوضع الإقتصادي البائس التي تعيشه الضفة وتدهور الوضع الأخلاقي والحضاري في تعامل الفصائل مع بعضها البعض.... إلى درجة أن أحدى الناشطات الفلسطينيات أسرت لي قبل بضع سنوات أنها تشعر بالغيرة كلما زارت الأردن لإحساسها بتخلف الضفة الغربية... وأن شعورها بالأمن والحياة الطبيعية والإستقرار النفسي يجعلها تفكر كثيرا وتتساءل لماذا لم نعود إلى الأردن بعد النكسة مباشرة ونوفر على انفسنا مذلة الإحتلال ؟؟؟
خلال كل تلك السنوات عملت إسرائيل بكل الطرق لتقليص الحلم الفلسطيني , بل عملت على سياسة مبرمجة لزيادة المعاناة الفلسطينية على أمل الهجرة الطوعية سواء إلىالأردن أو أي مكان آخر.. ولا أحد يستطيع إنكار أن الأردن قام بدور أخلاقي تجاه الفلسطينيين في محاولة تسهيل معاملات دخولهم للزيارة سواء إلى الأردن أو إلى الأقطار العربية الأخرى التي ترفض منحهم تأشيرة زيارة.. ولكنه أيضا عمل بكل ما يستطيع على ضمان عودتهم إلى الأرض المحتلة.. خوفا من إقامة دائمة وزيادة أعبائه تجاه هذه الإقامة. وإن كان رحب بمكوث العديد ممن يحملون رأسمال معقول لإستثماره حتى لا يكونوا عبئا على الخدمات المحدودة والمثقلة في الأردن وهي سياسة معمول بها في معظم أقطار العالم..
وبالطبع فإن معظمهم من الفئة التي إستفادت بشكل ما من وضع الفلسطيني الراهن.. وأقصد هنا القيادات الفلسطينية من كلا الطرفان.. الذين يمتلك كلا منهم منزل مريح آخر في عمان.....
خلال الأشهر السابقة زاد الجدل في الصحف الأردنية والعربية في قرار العاهل الأردني بإعادة النظر بموضوع فك الإرتباط بعد أن صرّح بإمكانية إنتفاء حل الدولتين (الفلسطينية الى جانب الاسرائيلية) بحلول النصف الأول من عام 2007.. أعقبه بقرار الحكومة الأردنية تشكيل لجنة قانونية مهمتها إعادة النظر في تعلميات فك الإرتباط..
الأحداث الأخيرة والإقتتال الفلسطيني الدائر.. وصواريخ القسام.. تزيد من مخاوف الأردن وحقه في إستباق الأمور وحماية نفسه من تورط محتمل وأعباء سياسية وأمنية فوق طاقته في حال نزوح فلسطيني كبير ومحتمل..
هو ما حث الأردن إلى الدخول في هذا الحوار الساخن تحضيرا للشعبين الأردني.. والفلسطيني من النتائج المحتملة من جراء إنهيار السلطه الفلسطينية.. وما سيتبعها من إنتقال للفوضى إلى الأردن... وأيضا كيف من الممكن إستغلالها وإستعمالها كورقة رابحة وكمخرج إنساني للمعاناة الفلسطينية في الإدارة الأميركية ودول العالم المانحة بما فيها الدول العربية التي ترحب بأي وسيلة للخلاص من هذا الحمل الثقيل.. وإستعماله كورقة رابحة للحصول على أكبر قسط من المعونات لمساعدتة على توسيع البنية التحتية حتى تستطيع إستيعاب هذا العبء الجديد.. خاصة وهو يعاني من نزوح 750 الف عراقي.. ووجود اكثر من مليوني فلسطيني. ولما يملكة من قدرة على التأقلم والعلاقات الجيدة مع إسرائيل وخاصة ما ظهر منها في مؤتمره الأخير في البتراء بوجود إيهودا أولمرت... كأفق جديد للحوار مع إسرائيل التي تأمن للأردن الذي يشكل ضمانة حقيقية لعدم إطلاق أي صواريخ.. وأنه بمؤسساته يستطيع إعادة تاهيل العقلية الفلسطينية لثقافة السلام والتعايش..
في محاضرة لجون ألترمان من المركز الأميركي للدراسات الإستراتيجية الدولية. في معهد الدراسات الملكية البريطانية ndash;لندن قبل عدة أسابيع.. أكد المحاضر بأن الإنسان الأميركي العادي لا يهتم بالشئون الدولية ولا يفكر بها قدر إهتمامه بشئونه الخاصة.. وأنه لن يكون هناك أي تغيير في السياسة الأميركية تجاه إسرائيل وحقها في الوجود, وأن فشل كل المحاولات والخيارات التي قدمت للطرفين.. وإنعدام أي أفق للمطالب الفلسطينية وأي أمل في تجاوب الفلسطينيين أو إتفاقهم على رؤية واحده تخدم مصالحهم بوعي وعقلانية. تجعل الكونغرس الأميركي متفق تماما مع إسرائيل وليس هناك من أمل للتغيير في السياسة الأميركية في هذا الإتجاه على الأقل للسنتين القادمتين.. إلا إذا طرح الفلسطينينون سياسة مغايرة لما نسمعه الآن من حماس.. أو قبلوا بوصاية عليهم...
وحينما سألته. بان هناك إشاعات عن إتجاه أردني نحو إعادة النظر في موضوع فك العلاقه القانونية بين الأردن والأرض المحتلة.. الذي أصدره الملك حسين عام 88.. وفيما إذا كان هذا الإتجاه سيلقى قبولا من واشنطن أو أنه يقع ضمن رؤيتها لشرق أوسط جديد وهل ستقع هذه الحدود ضمن القرار 242 أم سيكون هناك تعديلات. أجاب بأن واشنطن ستؤيد كل ما من شأنه تطوير العملية السلمية شرط حماية وجود ومصالح وحدود إسرائيل.. ولكن هذا الخيار متروك للفلسطينيين وحدهم.... ليقرروا ما فية مصلحتهم.. وقد يكون هو الحل الأمثل الذي ستؤيدة واشنطن بالتأكيد..
أضف إلى ذلك.. تصريحات بعض زعماء حماس في عدم إعتراف الحركة بقرار فك الإرتباط.. وهو ما سيشجع الأردن للرجوع عن قراراه.. ولكن بشرط أكيد هو أن لا تستعمل الأراضي الأردنية كمنطلقا جيدا للمقاومة أو للتحالف مع حركة الإخوان المسلمون في الأردن لزعزعة النظام أو إقامة دولة إسلامية.. والأردن محق في حماية مصلحته بالتاكيد...
السؤال هو.. هل سيسهل هذا الرجوع عن القرار مطالبة الأردن عمليا بإعادة الضفة الغربية بما يعني إنهاء المعاناة الفلسطينية..
هل سترضى إسرائيل بإعادة الضفة إلى الأردن وهي التي لا تزال تتأرجح بين أطماعها التوسعية وبين القبول بدولة أو دويلة فلسطينية.. ثم ما مدى المساحة الجغرافية التي ستعيدها إسرائيل إلىالأردن..
هل سيكون هذا بمثابة مكسب للفلسطينيين في إنهاء معاناتهم أم سيكون نقطة البداية لمقاومة جديدة من طراز آخر تنطلق من الأردن..
بالنسبة لكونه مكسب.. قبل أشهر كتب الأستاذ الكبير شاكر النابلسي عن الخيار الأردني وكتبت انا بعده بأن العودة إلى الأردن لن تحل مشاكل الفلسطينيين وحلمهم بالدولة كرمز للإعتراف بحقوقه المهدورة.. وأعود اليوم لأقول أنه وفي ظل تقلص فرصة نجاح حكومة الوحدة الفلسطينية.. وفي ظل شبح الحرب الأهلية التي تخيم على مدن الضفة وتقتل إقتصادها وعصب الحياة فيها...
لنسأل الأمهات الثكالى.. لو أعطيت الخيار بين فقدان ولدك أو العودة إلى الخيار الأردني ما هو خيارك..
لنسأل فلسطيني الضفه.. في ظل التنازع والتنافس على السلطة بين حماس وفتح.. وفي ظل المعاناة اليوميه من سلطات الإحتلال..في ظل الإقتتال الفلسطيني المستمر.. في ظل الإنفلات الأمني الذي يهدد أطفال كل الأمهات...
لو أعطيت الخيار ما بين الإستمرار في النضال والمقاومة.. أو العودة إلى ألأردن.. ما هو خيارك
أما بالنسبة لكونه نقطة بداية لمقاومة جديده من الأردن.. فهذا ما لن تقبله أي دولة وقعت على إتفاقية سلام..
وأتمنى أن لا يقبلة المواطن الإنسان الفلسطيني قبل الإنسان الأردني..
وفي ظل الأحداث الدامية التي تدور الآن ما بين فتح وحماس أضيف سؤالا واحدا.. هل أي من كلا الطرفان مؤهل لحماية المستقبل الفلسطيني..هل أثبت تفكير القياده الفلسطينية سابقا ولاحقا على قدرتها على إستقلالية قرارها وأن لا تكون لعبة في في أيادي خارجية همها إما الهروب والتمويه عن أفعالها الإرهابية في دول عربية شقيقة.. وأخرى تريد الوصول إلى نجومية عالمية لتحكم بإسم الدين...
الخيار ليس خياري فأنا في مأمن من الطلقات الطائشة.. ولكن يجب توعية الإنسان الفلسطيني والمواطن الأردني بكل الخيارات.. كل ما أقوله بأنه كفانا حروبا.. وكفانا كراهية للعالم... وكفانا تقديس غير المقدس... فلا مقدس غير حياة الطفل وإحترام الكرامة الإنسانية لكل البشر في كل مكان...

باحثة وناشطة في حقوق الإنسان - لندن