أرى أنه يترتب عليّ أن أوضح نقطتين وردتا في مقالة المسيحية والنصرانية واليهودية (1/2) والتي أثارت حفيظة بعض المعلقين.
النقطة الأولى وهي النصرانية:
1- لقد رفض بعض المعلقين وجود فرق كانت تدعى (نصرانية)عاشت في الجزيرة العربية قرونا عديدة، بحجة أن الإنجيل ذكر المسيحيين، ولم يذكر فرقا باسم النصارى، وبالتالي- كما زعموا- لا وجود لهذه الفرق في التاريخ.
إننا نقول لهؤلاء أن الإنجيل ليس كتاب تاريخ، بل هو كتاب هداية وإرشاد. ولأنه ليس كتاب تاريخ، فلا يمكننا أن نطلب منه الإحاطة بكل الأحداث التي تمّتْ، والفرق التي نشأت- وإن ذكر بعضها-. ولأنه ليس كتاب تاريخ فإننا لا نرى فيه شيئا عن الحركة الإصلاحية اللوثرية (بروتستانت، إنجيليون، معمدانيون، فرق أخرى متفرعة) التي نشأت في القرن الخامس عشر. فهل نقول أن هذه الحركة، وهذه الفرق لا وجود لها، ولم توجد، لأن الإنجيل لم يذكرها؟ وكذلك الأمر بالنسبة للفرق المتهودة، التي تسمي نفسها مسيحية، والتي نشأت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ولها اليوم وزن لا بأس به في أمريكا. فالإنجيل أيضا لم يذكرها. فهل نقول كذلك، أنها غير موجودة، ولم توجد أصلا؟ لأن الإنجيل لم يذكرها؟ وبالتالي هل يتوجب على الكنيسة المسيحية أن تكتب سنويا ملاحق تاريخية بالأحداث والفرق التي تنشأ، وتضم هذه الملاحق إلى الإنجيل، كي تثبت صحة الأحداث التاريخية، وصحة وجود الفرق التي لن تتوقف عن النشوء والتوالد؟
2- لا أظن أن أحدا بحاجة لمرجع يقنعه بوجود فرق في سابق الزمان سميت نصرانية، وتمسكت بالشريعة اليهودية، وعاشت في الجزيرة العربية، وأقامت دولا في اليمن والحبشة. فقد أصبحت هذه المعلومات، معلومات عامة ومعروفة ومتداولة. ومع ذلك فإن المؤرخ الرسمي للكرسي الإنطاكي، الدكتور أسد رستم، في كتابه (كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمى) الذي دون به تاريخ المسيحية، وتاريخ كنسية إنطاكية منذ نشأتها، حتى تاريخ (13/11/1958). تحدث كثيرا عن النصرانية (المتهودة) وفرقها. وتحت عنوان (النصارى المتهودون) كتب ما يلي:... وهكذا فإن الرسل والتلاميذ عانوا مشقة شديدة في مكافحة هذه البدع... ولكن المشقة الكبرى جاءت من بعض فرق الـنصـارى المتهودين... ثم دخل في النصرانية المتهودة يهود آخرون فأدخلوا آراء غريبة تمتُّ بصلة قوية إلى المذاهب اليهودية الرائجة آنئذ، وإلى الفلسفة الغنوسية اليونانية.
كما أن الأب (رتبة كهنوتية لدى المسيحيين) الأب لويس شيخو، العلامة في اللغة العربية وآدابها. كتب كتابين عن شعراء وآداب النصارى والنصرانية. الأول بعنوان شعراء النصرانية في الجاهلية، و(صدر الإسلام). والثاني بعنوان: آداب النصرانية. يذكر فيه فيما يذكر فن الخطابة، و(قس بن ساعدة) ويقول عنه بأنه أول من قال: (أما بعد).
3- عدا عن كل ذلك فإن المسيحيين في بلاد الشام، ومصر، لا زالوا حتى يومنا هذا يستخدمون لقب نصارى ونصرانية. وكلمة (تنصير) في وصف مغزى عملية تعميد الأطفال. وفي موقع الأقباط المتحدين يُستخدم لفظ (تنصير) للدلالة على اعتناق المسيحية من قبل بعض الأشخاص. فهل جاءت هذه التسمية اعتباطا ودون دراية، أم أنها بنت ساعتها، أم لعلها جاءت من فراغ؟
4- ما المانع إذا استشهدنا في المقالة إياها، بالإنجيل لتوثيق لقب المسيحية والمسيحيين، وأشياء أخرى. بالرغم من أن الإنجيل ليس كتاب تاريخ؟ أليس من حق الكاتب- أي كاتب- أن يستشهد بأي مرجع مهم، لإضاءة فكرته، وتثبيت رأيه؟
النقطة الثانية هي: وثنية!! بطرس
1- لقد حرّف السيد ميلاد عبد المسيح كلمات مقالتي، واتهمني ظلما بأنني أصف الفريق المسيحي بأنه فريق وثني. يقول السيد ميلاد عبد المسيح في رده على مقالتي الأولى. وأقتبس حرفيا من مقالته: (اما عن افتراءات الكاتب على العقيدة فمثلا كتب يقول ان هناك فريقان ( الوثني بقيادة بطرس، ويوحنا، وبرنابا، وتيموثاوس، وآخرين، وبولس). لاحظوا أن السيد ميلاد اتهمني ظلما أنني قلت أن هناك فريقان أحدهما وثني: إن هناك فريقان quot;الوثني بقيادة..quot; بينما النص الصحيح المنشور في إيلاف، هو كما يلي: (وبين من ضمت صفوفهم بعض ذوي الأصل الوثني، بقيادة بطرس، ويوحنا، وبرنابا، وتيموثاوس، وآخرين، وبولس). والفقرة التي تسبق هذا السطر في مقالتي: هي: (منذ السنوات الأولى للتبشير بالدين الجديد، اشتعل الخلاف بين أتباع المسيح. بين من هم من أصل يهودي،...) ثم (وبين من ضمت صفوفهم بعض- لاحظ بعض- ذوي الأصل الوثني، بقيادة... إلى آخر الفقرة). وواضح أن الفارق كبير، بين النص الأصلي، والنص الذي اجتزأه، وحرفه السيد ميلاد عبد المسيح. لأنه بعد عبارة quot;بعض ذوي الأصل الوثنيquot; توجد فاصلة. وهي علامة وقف. وكلمة quot;بقيادةquot; (الواردة بعد الفاصلة) تعود للجملة quot;من ضمت صفوفهم بعض...quot; وquot;منquot; أسم موصول بمعنى الذي أو الذين. وللتوضيح أكثر للذين فاتهم فهم المعنى quot;السهل الواضحquot; نقول: إن هذه الجماعة (المسيحيين) التي ضمت بين صفوفها quot;بعضquot; ذوي الأصل الوثني، كانت بقيادة بطرس، ويوحنا،...الخ. أي: الجماعة المسيحية كانت بقيادة... راجيا أن يكون قد اتضح المعنى. علما أنني قلت في المقالة ذاتها أن المسيح قال لبطرس: quot;على هذه الصخرة أبني كنيستيquot; فكيف يكون بطرس وثني وهو من تلاميذ المسيح؟
2- لا أظن أحدا يستطيع أن ينكر إن المسيحية قد انتصرت وانتشرت، بأبناء الأمم أي الوثنيين الذين تحولوا عن وثنيتهم، وآمنوا بالمسيح. ولم تنتصر- ولن تنتصر- باليهود الذين كادوا لها، وحاربوها، وما يزالون.
على كل حال هذه الأمور- الالتباسات في الفهم، تحصل، خاصة عندما نقرأ بسرعة، أو عندما نقرأ والذهن مشغول بشيء آخر. والمثل الشعبي المسيحي يقول (حتى الكاهن يمكن أن يُخطئ في الصلاة).
[email protected]
التعليقات