العربي في نظر مفكّريه وقادته وصنّاع رأيه ليس أكثر من شخصيّة ناقصة، أو ملف أخضر فيه معاملة لم تكتمل بعد. وحتّى يكون الكلام متّكئ على مفاصل الواقع، ومعتمدًا على أوتاد الحقيقة فكّر - سيدي القارئ - بهذه الحالات:
فالعربي إذا كان سائرًا في الاتّجاه الفكري، فهو بحاجة في نظر الإسلاميّين الحركيّين إلى (صحوة)، أو في نظر القوميّين هو بحاجة إلى (بعث)، وفي نظر السّلفيّين يحتاج إلى (التّمسّك بالعقيدة)، وفي نظر العروبيّين هو بحاجة إلى (إحياء)، وفي نظر نُشّاط العمل الاجتماعي هو بحاجة إلى (إصلاح)، وفي نظر اللّيبراليّين هو بحاجة إلى (اللّحاق بركاب العصر)، وفي نظر العلمانيّين هو بحاجة إلى (نبذ القديم والبحث عن الجديد).
وفي الجانب الدّيني هو في نظر الأصوليّين بحاجة إلى (إتّباع السّلف)، وهو في نظر الوعّاظ بحاجة إلى (القرب من الله والابتعاد عن الشّيطان)، وهو في نظر أهل الفتوى بحاجة إلى (فتوى وحكم) للخروج من (مآزقه الذّنوبيّة). وهو في نظر (أهل الإمامة) بحاجة إلى (فقيه)، وفي نظر الثّوريّين بحاجة إلى (قائد)، وفي نظر أهل الجماعة بحاجة إلى (إمام)، وهو في نظر الدّعاة بحاجة إلى (تذكير)، وهو في نظر الملالي بحاجة إلى (مرشد).
وأما في الأدب فهو يحتاج إلى (عميد)، وفي الشِّعر يحتاج إلى (أمير)، وإن كتب فحاجته ماسّة إلى (مُصحّح)، وأن نشر فلابد من أن تُعرض (مكتوباته) على (رقيب).وإذا أراد ممارسة التّجارة فلابد له من (ترخيص)، وإذا أخرج التّرخيص فلابد أن يكون التّرخيص عليه (تصديق) و(توقيع)!!.وإذا أراد أن يمارس العمل فلابد له من (كفيل)، وإذا كان مواطنًا أصليا فلا يحتاج إلى كفيل بل يحتاج إلى سلسلة من الإجراءات تتمثّل بالتّالي:
إذا ذهب إلى المحكمة فهو بحاجة إلى (شاهد)، والشّاهد بدوره بحاجة إلى (مُزكّي)، وإذا أراد إنهاء إجراءاته الرّوتينيّة فلابد له من (مُعقّب)، أو (مُخلّص)، والمعقب والمخلص بدورهما يحتاجان إلى (رخصة عمل)!!.
إمّا إذا كان هذا المواطن العربي أنثى فهو خاضع إلى كل ما سبق، ثمّ تدخل الخصوصيّة هنا بكل معانيها الثّقيلة، فتتحمل الأنثى عبئًا جديدًا إضافة لما سبق، فهي إذا أرادت الخروج تحتاج إلى (إذن)، والإذن لابد له من (محرم)، وإذا توافرا وأرادت الزّواج فهي بحاجة إلى (موافقة وليّ الأمر). وإذا تنازع العربي مع العربي فهو بحاجة إلى (قاضي)، والقاضي يحتاج إلى (هيئة النّظر)، وإذا صدر الحكم فهو بحاجة إلى (تمييز)، وإذا ميّز فهو بحاجة إلى (المصادقة عليه)!.
وإذا مرض فهو بحاجة إلى (تقرير طبي)، والتّقرير بحاجة إلى (تصديق)، وإذا مات العربي فهو بحاجة إلى (شهادة وفاة) وأمر أو إذن بالدّفن!.
وإذا أراد العربي عملاً فهو بحاجة إلى (طلب)، والطّلب إلى (معروض)، والمعروض بدوره بحاجة إلى (ملف أخضر)، والملف الأخضر بحاجة إلى (ثمن)، والثّمن لا يأتي إلا من الرّاتب، والراتب بحاجة إلى عمل، والعمل بحاجة إلى طلب.. وهكذا تدور الدّائرة في فراغ المشاوير!!.
وإذا اشترى كتبًا فهو بحاجة المرور على الرّقابة، وإذا ألّف فهو بحاجة إلى (إذن)، وإذا طبع فهو بحاجة إلى (مسح)!!. وإذا أراد البناء فهو بحاجة إلى (رخصة بناء)، وبعد الرّخصة يحتاج إلى (مقاول)، والمقاول بحاجة إلى تصريح، والتّصريح بحاجة إلى إجراء، والإجراء بحاجة إلى (لوازم ومتطلّبات).. وهكذا!! بعد كلّ هذا الرّصد، هو المواطن quot;الغلبانquot; بحاجة إلى كلّ هذه الدّوائر! إنّ جلّها ليس أكثر من تدريبات على الصّبر وتعذيب الذّات المذنبة!.في النهاية ماذا بقي؟.
بقي القول بأنّ كلّ هذه الإجراءات والمطلوبات والمستلزمات والإحضارات لابد منها، ونحن- كما يُزعم- خير أمّة أخرجت للنّاس؟.
تُرى ماذا لو لم نكن نتمتّع بهذه الخيريّة؟ أغمضوا أعينكم وتخيّلوا معي حينها كيف سيكون شكل الرّوتين المطلوب؟ والله الهادي إلى سواء السّبيل. أحمد عبدالرحمن
العرفج[email protected]