القراءة السريعة لتصريحات بعض موظفي الجامعة العربية، صارت محل تندر وسخرية. أخر ما سمعناه من نوادر الجامعة العتيدة، هو تقديرها بأن (الموقف في هذه المرحلة خطير، الأمر الذي يقتضي من الجميع التلاحم والتضامن والتشاور حول ما يمكن فعله لحل مختلف القضايا العربية)... ثم انتقل الحديث الى كارثة العرب المركزية، فقالت الجامعة أنها quot;تعتقدquot; (بأن الدول العربية لا يمكن أن تقدم على خطوة من شأنها تأييد طرف على حساب الطرف الآخر بعيدا عن الثوابت الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني).. وفيما يخص المأساة العراقية، نقرأ (أن الجامعة العربية تعمل على تحقيق المصالحة بين العراقيين على أسس واضحة ووفق قرارات الجامعة الخاصة بالوضع العراقي)..
واقع الحال هو أن الجامعة العربية، جهاز مصاب بأمراض عضال، وتحتاج الى تدخل عاجل يعيد اليها بعض الوقار الذي افتقدته لكثرة ما أطلقه موظفوها من تصريحات، وصاغوه من بيانات لا تمثل شيئا على أرض الواقع. وعجز الجامعة العربية الفاضح، هو في واقع الحال، انعكاس لما تعانيه الأقطار العربية، من أمراض مزمنة، أعيت من يداويها.. وحبذا لو أن الجهاز الإداري للجامعة العربية، ركز جهوده على القضايا التي تمس حياة المواطنين العرب المباشرة.
التعليم، على سبيل المثال لا الحصر، معضلة عربية لم يتطرق لها أي من موظفي الجامعة.. حقا، سمعنا أن قمة عربية تناولت المسألة.. ولأن التعليم مسألة لا علاقة لها بمكافحة الإرهاب، ولا تؤثر على استقرار الأوضاع الداخلية المباشرة لأي قطر، فقد تم تأجيل البحث الى قمة أخرى.
التنقل بين الأقطار العربية، هو مثال آخر، للقصور عن ملامسة القضايا التي تهم المواطنين في حياتهم اليومية. فهل يعقل أن يكون من حق حامل الجواز الأمريكي أو الأوربي، الحصول على تأشيرة صالحة لعشر سنوات، بينما quot;الأشقاءquot; من مواطني الدول العربية quot;الشقيقةquot; يقفون كالبنيان المرصوص أمام ابواب السفارات العربية للحصول على تأشيرة لزيارة مؤقتة!!.
بعض الدول العربية تصرخ، عبر أجهزة الإعلام، عن ترحيبها بالأشقاء العرب، وأنها تمد لهم يد العون والمساعدة، ولكن أبناء الجاليات المقيمين في عواصم بعض هذه الدول، محرومون من الالتحاق بالمدارس والجامعات، ويعاملون معاملة الأجانب quot;غير المسلمينquot;، إن لم يكن أقل من ذلك كثيرا!. حتى الخدمات الطبية الأولية لا يمكنهم الاستفادة منها..
العجيب في كل هذه الأمثلة، أننا نتشدق على الغرب quot;الكافرquot;، بأنه يضطهد المسلمين الذين يتمتعون فيه بحقوق لا يتمتعون بها في أوطانهم!. فالتعليم مجاني، والعلاج مجاني، ولا حاجة لكفيل، ولا تأشيرات خروج وحالات من الطرد الجماعي.
هل نتوقع من الجامعة العربية أن تتناول هذه القضايا التي هي أقل تعقيدا من القضية المركزية، والوضع في العراق.! لا يجب أن نوجه اللوم والعتاب للجامعة العربية وموظفيها.. لكننا نتحدث عن وجوب الوضوح فيما يطرحونه على الناس، دون مجاملات أو تنميق لمفردات اللغة العربية الغزيرة الألفاظ. فما معنى أن quot;المرحلة خطيرةquot;.. هل لنا أن نتكهن، ونفسر ونمعن التأويل؟!. لماذا لا يضعون الحقائق أمام الشعوب التي يستلمون رواتبهم، اقتطاعا من قوتها!. ولماذا لا تؤيد الجامعة العربية طرفا ضد آخر، في غزة والضفة الغربية، بينما الحاصل أن أغلب الأقطار العربية حددت موقفها من الحرب التي اشتعلت بين حماس وفتح!. ألا يجب أن تعلن الجامعة العربية، أو أحد موظفيها، بأن قتالا دار وأن شقيقا نحر شقيقه، وأن هناك ضحايا ذهبت دماؤهم على يد مليشيات وطنية دون رادع من دين أو ضمير!.
أما دور الجامعة العربية بخصوص الوضع في العراق، فهو متواضع للغاية!.. فلا نسمع كلمة عن الحشود التركية التي تهدد القطر الذي نكبه الأشقاء قبل الأعداء!. وذلك انطلاقا من كون العراق بلد محتل، وأن الولايات المتحدة مسئولة عن تأمينه!.. وطالما الأمر كذلك، فليتوقف الحديث العربي عن العراق، ويُترك الأمر لأبنائه وحدهم.. ولا ضير من تدخل إيراني، وتركي، وربما إسرائيلي.. فهم اصحاب قوة وأولو بأس شديد.
حديث الجامعة العربية عن دور في المصالحة بين أبناء العراق، لا وجود له، ولا تأثير. فالجامعة تركت العراقيين وحيدين في محنتهم، قبل سقوط صدام وبعد سقوطه، فكيف يمكن لها اليوم، أن تتجرأ بالحديث عن توفيق بين أبناء الرافدين!. وكيف يمكن للعراقيين أن يضعوا ثقتهم في جهاز فاقد للمناعة.
مشكلة الجامعة العربية، أنها تقف دائما على الحياد في كل قضايانا المصيرية، ولا أتذكر أنها اتخذت موقفا محددا من مسألة عربية.. لكن لماذا نلوم الجامعة وحدها؟!. أليس ذلك هو ما يجعل موظفيها باقين في مواقعهم.. ويجعل الحكومات راضية عنهم، لأنهم لا يعبرون عن موقف جاد تجاه أي قضية!.
عند الحديث عن دور الجامعة، نتذكر ما فعلته في دارفور والصومال، وقبلها مشكلة جنوب السودان، وبعدها حروب بين الأشقاء وداخل الوطن الواحد.
جردة الحساب تشير الى أن الجامعة العربية جسد منهك وغير قادر، ولربما يتجرأ أحد العاملين بها بالحديث، يوما ما، عن حقيقة هذا الكيان، وأسباب بقائه، والهدف المرجو منه.