أطلق عليها الرعيان في التوراة، اسم حواء، واشتقوا اسمها من نافثة السم، ورمز الشر، الأفعى- الحية- حواء، برغم ما قيل للتمويه أنها دُعيت حواء لأنها أم كل حي. لأنه لو كان الأمر كذلك، لكانت الأفعى- الحية أيضا، أم كل حي. واتهموها بعصيان الإله، وخداع آدم وإغوائه، وإخراجه من جنات النعيم. وحملوها وزر الخطيئة الأصلية، فاضطهدوها، واحتقروها، وشوهوا صورتها، واعتبروها مثيرة الفتن، ومفتاح الشر والفساد، وحكموا على جنسها بآلام متزايدة للحمل، ووجع الولادة، والاشتياق الأبدي للرجل، الذي جعلوه سيدها، وفرضوا عليها الانقياد التام والدائم له، بعد أن خلقوها من أحد أضلاعه، دون أن يهتموا بتسمية ذلك الضلع، استهانة بها، واحتقارا لها. بالرغم من أنهم يعلمون أن رجلهم هذا، بل البشرية بكاملها، بمن فيهم الأنبياء والرسل والعظماء والعلماء والقادة، قد تكوّنوا واكتملوا نموا في رحمها الصغير، ومنه ولدوا، وخرجوا إلى النور والحياة.

خلق آدم وحواء
وجبل الإله آدم من الأرض، ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار آدم نفسا حية (تكوين 2/7).
فأوقع الإله سباتا على آدم فنام، فأخذ واحدة من أضلاعه، وملأ مكانها لحما، وبنى الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة، وأحضرها إلى آدم. ودعا آدم اسم امرأته حواء، لأنها أم كل حي. (تكوين 2/21و22و3/20).

صورة المرأة في التوراة
لا بد أن كل من قرأ التوراة، وخاصة سفر التكوين. قد لاحظ أن جميع النساء اللواتي عرضت التوراة صورتهن، هن نساء عاصيات، أو مخادعات، أو معاقات، أو مشوهات، إما أخلاقيا. وإما معاقات وظيفيا (لم تكتمل أنوثتهن). وهذا إن دل على شيء، فإنه يدل على موقف من المرأة. وسنرى ذلك من خلال استعراض سيرة كل امرأة ورد اسمها في التوراة، كما ذكرت أوصافها التوراة.

حواء
امرأة عاصية لأوامر ربها، تنقاد للأفعى الحية، فتخدع الرجل آدم، وتغريه بأكل الثمرة، وعصيان أوامر ربه، فيعصاه (تكوين 3/1-6).

سارة
عجوز، عقيم، عاقر منذ صباها، غيورة، ظالمة، تضطهد جاريتها هاجر. (فقال أبرام لساراي: هو ذا جاريتك في يدك، أفعلي بها ما يحسن في عينيك، فأذلتها ساراي، فهربت من وجهها- تكوين 16/6). وتمنع ابن ضرتها إسماعيل، بكر أبيه، من ميراثه من أبيه.(فقالت لإبراهيم: اطرد هذه الجارية وابنها، لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحق- تكوين 21/10).
ولا تمانع أن تضاجع فرعون وهي زوجة لإبراهيم. (قولي إنك أختي، ليكون لي خير بسببك، وتحيا نفسي من أجلك- تكوين 12/13).(فحدث لما دخل أبرام إلى مصر أن المصريين رأوا المرأة أنها حسنة جدا، ورآها رؤساء فرعون ومدحوها لدى فرعون. فأُخذت المرأة إلى بيت فرعون. فصنع إلى أبرام خيرا بسببها. وصار له غنم وبقر وحمير وعبيد وإماء وأتن وجمال. فضرب يهوه فرعون وبيته بسبب ساراي امرأة أبرام. فاستدعى فرعون أبرام وقال له:... لماذا قلت هي أختي، حتى أخذتها لتكون لي امرأة- تكوين 12/14-19). وكذلك فعل إبراهيم مع ملك جرار وقبلت سارة. (تكوين 20/2) وحقيقة الأمر أن إبراهيم لم يكذب عندما قال أن سارة أخته. لأن حقا أخته من أبيه. وهي زوجته بالوقت نفسه (وفي الحقيقة هي أختي ابنة أبي، لكنها ليست ابنة أمي، فصارت لي زوجة- تكوين 20/12).

هاجر
خادمة، متمردة، لا تحفظ ولاء لسيدتها. (فدخل على هاجر فحبلت، ولما رأت أنها حبلت، صغرت سيدتها في عينيها- تكوين 16/4).

بنات لوط
صورة ابنتي لوط هي صورة البنات الفاجرات الشاذات اللتين يُسكران أبيهما ويضاجعنه الواحدة تلو الأخرى، فيحملان منه (سفاح القربى)، ويضعان مولوديهما. (فقالت الكبرى للصغرى: إن أبانا قد شاخ، وليس في الأرض رجل يدخل علينا، على عادة الأرض كلها. تعالي نسقي أبانا خمرا، ونضاجعه، ونقيم من أبينا نسلا. فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة، ودخلت الكبرى فضاجعت أباها، ولم يعلم بنومها معه، ولا بقيامها (تكوين 19/31-33). وكذلك فعلت البنت الصغرى، فأسكرت أبيها وضاجعته (تكوين- 19/34-35). فحبلت ابنتا لوط من أبيهما (تكوين 19/36).

امرأة لوط
وامرأة لوط عاصية هي الأخرى لأوامر الإله (قالا انج بنفسك لا تلتفت وراءك... لئلا تهلك (تكوين 19/17) (وأمطر الإله على سدوم وعمورة كبريتا ونارا من السماء.....فالتفتت امرأة لوط إلى ورائها فصارت عمود ملح- تكوين 19/24-26).

رفقة زوجة إسحق
وكانت رفقة معاقة أيضا لم تكتمل أنوثتها. فهي عقيم، عاقر. لكنها تحبل بأمر يهوه (وصلى إسحق إلى يهوه لأجل امرأته لأنها كانت عاقرا، فاستجاب له يهوه، فحبلت رفقة امرأته- تكوين 25/21).
وهي كذلك مخادعة ماكرة، تتآمر مع ابنها يعقوب ضد ابنها عيسو. وتخدع زوجها إسحق الذي كان يرغب أن يبارك ابنه البكر عيسو، لكن المؤامرة التي حاكتها رفقة زوجة إسحق، جعلته يبارك يعقوب، وفي ظنه أنه يبارك عيسو. وتقبل رفقة أن تكون اللعنة عليها في سبيل تحقيق غايتها ( فكلمت رفقة ابنها يعقوب قائلة: إني قد سمعت أباك يكلم عيسو أخاك قائلا: آتني بصيد، واعدد لي أطعمة طيبة آكل منها، وأباركك أمام الرب قبل موتي. والآن يا بني اسمع لقولي فيما أمرك به......فقالت له أمه: لعنتك عليّ يا بني. اسمع لقولي فقط. فذهب وأحضر... فصنعت أمه أطعمة كما كان أبوه يحب، وأخذت رفقة ثياب عيسو ابنها الأكبر التي كانت عندها بالبيت وألبست يعقوب ابنها الأصغر، وكست يديه وعنقه بجلد الماعز...فقال له إسحق تقدم وقبلني يا بني. فتقدم وقبله، فشم رائحة ثيابه وباركه- تكوين 27/6+).
كما أن رفقة تعيد سيرة سارة، وتقبل أن تدعي أنها أخت إسحق( وسأله أهل المكان عن امرأته فقال هي أختي، لأنه خاف أن يقول هي امرأتي، قائلا في نفسه لئلا يقتلني أهل المكان من أجل رفقة لأنها كانت جميلة المنظر- تكوين 26/7). (فقال أبيمالك ما هذا الذي صنعت بنا؟ لولا قليل لضاجع أحد من الشعب امرأتك، فجلبت علينا ذنبا- تكوين 26/10).

زوجتا عيسو
كانتا مرارة نفس لإسحق ورفقة. وعيسو ابن اسحق ورفقة. وزوجتاه كنّتيهما (ولما صار عيسو ابن أربعين سنة، اتخذ يهوديت وبسمة امرأتين له، فكانتا مرارة نفس لإسحق ورفقة- تكوين 26/34).

ليئة زوجة يعقوب
امرأة مخادعة، تتآمر على أختها راحيل، وتخدع يعقوب وتتزوجه بادعائها أنها راحيل ( وعند المساء أخذ ليئة ابنته فزفها إلى يعقوب، فدخل عليها... فلما كان الصباح إذا هي ليئة- تكوين 29/23-25) إضافة لذلك فإن ليئة مكروهة (ورأى الإله أن ليئة مكروهة ففتح رحمها- تكوين 29/31).

راحيل زوجة يعقوب
وراحيل امرأة معاقة أيضا، فهي عاقر عقيم (وأما راحيل فكانت عاقرا- تكوين 29/31). وكذلك غيورة (ولما رأت راحيل أنها لم تلد ليعقوب غارت من أختها، وقالت ليعقوب هب لي بنين، وإلا فإني أموت. فغضب يعقوب على راحيل وقال: ألعلي مكان الإله الذي منع عنك ثمرة البطن؟ قالت: هذه خادمتي بلهة، أدخل عليها فتلد على ركبتي وأرزق أنا منها بنين. فأعطته خادمتها بلهة زوجة، فدخل عليها، فحملت بلهة وولدت ليعقوب ابنا. تكوين 30/1-5).
وراحيل سارقة ماكرة كذوبة.(وكان لابان قد مضى ليجز غنمه، فسرقت راحيل أصنام منزل أبيها- تكوين 31/19) وكانت راحيل قد وضعت الأصنام في رحل الجمل وجلست فوقها، وادعت أنها حائض لا تستطيع أن تقوم عن الرحل (تكوين 31/34-35).
ونلاحظ هنا من خلال أوصاف النساء كما أوحت بها التوراة، أنه لا مانع لدى الأختين أن يكونا زوجتين لرجل واحد، إن قبل هو. لولا أن الشريعة منعت ذلك فيما بعد، وأوصت الرجال بعدم الجمع بين الأختين.

دينة بنت ليئة ويعقوب
تُغتصب دينة، وتقوم بسببها مذابح، وتسيل دماء، إذ يقتل ابنا يعقوب شمعون ولاوي أخوي دينة، كل ذكر في مدينة شكيم الذي اغتصب دينة، ورغب بالزواج منها، ووافق على كل شروط أهلها، واختتن هو وأهل مدينته جميعا بناء على طلب أهل دينة الذين وافقوا على تزويجها له، لكن أبناه أخلا بالاتفاق وذبحوا كل ذكر في المدينة. راجع الفصل 34 من سفر التكوين (معنى اسم دينة هو كوخ أغصان).

بلهة خادمة راحيل وزوجة يعقوب
بلهة تضاجع ابن زوجها يعقوب ( ثم رحل إسرائيل quot;يعقوبquot; ونصب خيمته وراء مجدل عيدر. وحدث إذ كان إسرائيل ساكنا في تلك الأرض، أن رأوبين ذهب فضاجع بلهة سرية أبيه، فسمع بذلك إسرائيل- تكوين 35/21-22). وزلفة وبلهة زوجتي يعقوب أيضا (وابنا بلهة خادمة راحيل دان ونفتالي. وابنا زلفة خادمة ليئة جاد وأشير- تكوين 35/25-26).

تامار
وتامار امرأة عاهرة بغي. تضاجع حموها يهوذا. وهي زوجة ابنه البكر عير. وبعد وفاة عير، أصبحت زوجة أخيه أونان، الذي كان حين يضاجعها يستنمي على الأرض كي لا تحبل (تكوين 38/10). ومات أونان، وكان أخوه شيلة صغيرا، فأرسل يهوذا كنته تامار إلى بيت أهلها ريثما يكبر انه شيلة. ويبدو أنه لم يكن ينوي أن يزوجها شيلة خشية أن يموت كأخويه. وحدث أن ماتت زوجة يهوذا وأصبح أرملا. وعلمت تامار بالأمر. وملخص القصة: (وأُخبرت تامار وقيل لها: هو ذا حموك صاعد إلى تمنة ليجز غنمه، فخلعت ثياب إرمالها، وتغطت بالخمار، واحتجبت به، وجلست في مدخل العينين على طريق تمنة. فرآها يهوذا فحسبها بغيا، لأنها كانت مغطية وجهها، فمال إليها وقال هلم أدخل عليك، لأنه لم يكن يعلم أنها كنته. ودخل عليها فحبلت منه- تكوين 38/13-26).

زوجة فوطيفار
وفوطيفار هو الرجل المصري الذي اشترى يوسف من الإسماعيليين، وأمنّه على بيته وأحسن معاملته، لكن زوجته حاولت إغوائه، ولما فشلت في مسعاها، اتهمته بمحاولة الاعتداء عليها، وأدخلته السجن (فأمسكت بثوبه قائلة ضاجعني. فترك ثوبه بيدها، وفر هاربا إلى الخارج- تكوين 39/11-15).

مريم أخت موسى وهارون
ورغم أن هذه المرأة هي أخت موسى وهارون (عدد 26/59). وبالرغم من أنها (نبيّة) أيضا (خروج 15/20). أي يفترض بها أن تتصرف كالأنبياء، وأن لا تتصرف بردود فعل وغضب، وألا تخلط القضايا ببعضها، إلا أنها فعلت، وأساءت التصرف. وتكلمت بالسوء على موسى. وقالت: هل بموسى وحده تكلم الرب؟ ألم يتكلم بنا أيضا؟ (عدد 12/2). فغضب عليها الرب وعاقبها وجعلها برصاء (عدد 12/9-10). وتعيد التوراة سبب كلام مريم بحق موسى إلى زواجه من امرأة حبشية أو كوشيّة (عدد 12/1)!. بعد أن صرف امرأته صفورة- وولديها- ابنة كاهن مديان (خروج 18/2-3). صفورة التي تزوجها في مصر (خروج 2/21).

الخلاصة
هذه هي صور المرأة كما أوردتها التوراة، وأخشى أن تثبت صور النساء هذه، في أذهاننا. خاصة وأن كل النساء المذكورين ما عدا (مريم) قد ذُكرن في سفر التكوين، وهو سفر الخلق وبداية وجود الإنسان، بمعنى أن كل النساء اللواتي ستلدهن هؤلاء النسوة سيحملن مورثات أمهاتهن، ولن يحملن صفات أفضل. وبالتالي أيضا هو توصيف لنساء شعب الله المختار. فكيف إذن ستكون صفات نساء الشعوب التي لم يختارها الله لتكون شعبه الخاص؟

خاتمة
وقبل أن يضطهدها الرعيان، ويطلقون عليها اسم حواء اشتقاقا من الأفعى، كان اسمها في ثقافات الشعوب الأخرى، وديانات الشرق القديم: الأم الكبرى، وإنانا، وعشتار، وعشتروت، وفينوس، وإيزيس أو الأم الإلهية، و ستناي*، و(اللات والعزى ومناة، أعلى آلهة العرب شأنا، وكان أسمهن يذكر عند الطواف حول الكعبة). وكانت تدعى سيدة الحكمة، وسيدة النواميس الإلهية، التي هي أساس الحضارة وعماد العمران، وكانت نور العالم، ونور السماء، ونجمة الصباح التي بظهورها تسطع الأنوار، وتتجدد الحياة، وبغيابها تغيب وتنطفئ، ويسود الظلام، كما كانت آلهة الخصب وسيدته، لأنها أول من بذر حبة القمح في التراب، بفضلها تفيض الغلال، وهي التي جاءت بشعلة النار الأولى إلى الأرض، بعد أن سرقتها من القمر، وهي أيضا سيدة الفطنة والذكاء والولادة، وآلهة الحب والجمال، وحامية الشباب الغض، إن عاشرها الوضيع صار ملكا، **
ستناي: أهم شخصيات أساطير النارتيين (الشراكسة) وهي بشر كامل، وليست إلها أو من أنصاف الآلهة.
** أساطير آرام ndash; الدكتور وديع بشور / لغز عشتار ndash; فراس السواح / الميثولوجيا ndash; اديث هاملتون

[email protected]