المبادئ لا تخضع للتعديلات
نداء من اجل مستقبل العراق والعراقيين

كانت الحكومة العراقية الحالية قد رضخت لإرادة كل الذين نادوا من اجل إيقاف تمرير قانون النفط والغاز في نسخته الأولية بعد أن كانت قد وافقت عليها.. ولقد أثارت تلك النسخة السابقة جملة هائلة من الانتقادات التي عبرّت عنها أفكار وآراء ومشاعر لا حصر لها.. وبعد أن أجريت تصليحات وتعديلات على النسخة القديمة لـ quot; القانون quot; بعد عدة اجتماعات وفرض تسرعات على تمرير القانون, وافقت الحكومة العراقية مؤخرا على النسخة ( المعدّلة ) ـ كما يسمونهاـ.. ولكننا لم نجد بأيدينا هذه quot; النسخة quot; التي أتمنى على كل العراقيين أن يدققونها ويعطوا رأيهم فيها.
كنت قد انتقدت قانون النفط والغاز في مسودته الأولى وبنسختيه العربية والانكليزية بدراستين اثنتين, فكان أن باركها الجميع باستثناء بعض الإخوة والأصدقاء العراقيين الذين كان رأيهم يندفع نحو الحطام أسرع من بنود القانون, بل ويريدون تشريعه مهما كانت الأثمان غالية, ومهما كانت النتائج ثقيلة ومن دون أن يفرقوا دوما بين المبادئ من عدمها ولا بين المصالح الآنية وبين المصير المنتظر.. ولا بين العاجل من النتائج ولا بين الآجل منها ولا بين ما نريده لوطن اسمه العراق, وما يريده الآخرون من بلد اسمه العراق لا يعرف إلا الاهتراءات, فهو منقسم على نفسه وهو مبعثر الثروات..
لابد أن أقول بأن هذا quot; النداء quot; لا يعّبر عن وجهة نظر أي تيار أو حزب يقف ضد القانون, أو يتبّنى رأي أي تكتل سياسي في العراق يعارض القانون, إذ أنني لا اتفق مع جميعها أبدا, لا في سياساتها ولا في طروحاتها .. انه نداء مستقل ينطلق من قناعتي الشخصية التي أدرك ان ملايين العراقيين يتفقون معها.. وانه نداء يعّبر عن إرادة وطنية نظيفة لم تلوثها السياسات ولا المصالح ولا لعبة الادوار..
أقول، انه منذ أسبوعين ونحن نراقب ردود الفعل الساخنة إزاء عملية تمرير قانون النفط والغاز ( المعّدل ) مهما كلّفت الأثمان.. ويبدو أن الإرادة الأمريكية لها سطوتها بضغوطاتها على الحكومة العراقية الحالية او أي حكومة بديلة لها.. من اجل الإسراع على استحصال موافقة البرلمان العراقي الذي يشهد اهتراءا وانقساما ليس لأسباب سياسية وخلافات أيديولوجية, بل لأسباب مبدئية ووطنية وطائفية بالدرجة الأولى..
وإذا كان البرلمان العراقي في مأزق وهو يحاول تبديل رئيسه, وإذا كانت الحكومة تعيش هي الأخرى مأزقا لا تحسد عليه نتيجة انسحابات وزراء واتهام آخرين واختفاء وزير متهم بجريمة قتل.. ولما كانت البلاد كلها تعيش جملة من الأزمات والمعضلات, فكيف يراد تمرير قانون النفط والغاز بالرغم من أنف الجميع؟ كيف تستعجل الحكومة الموافقة على هذا quot; القانون quot; الذي يهم كل أبناء العراق وكل أجيال العراق القادمة؟؟ من خّول الحكومة العراقية الحالية أن تستعجل بهذه الصورة الفوضوية الموافقة على إصدار قانون يخص ثروات كل العراقيين؟؟ ومن أعطى لمثل هذا البرلمان الحق في أن يتصّرف بمصير هذه الثروات تنفيذا لإرادة الآخرين؟
وعليه, نطالب أولا بنشر النسخة ( المعدلة ) من القانون بشكل رسمي, حتى يطّلع عليها كل أبناء الشعب العراقي ويدلوا برأيهم فيها.. كما ونطالب بتأجيل البت في هذا quot; القانون quot; إلى إشعار آخر, فالمسألة مبدئية تحتمل التأجيل وليست سياسية عابرة خاضعة للبدائل والتبديل.. ونطالب بطرح القانون بنسختيه العربية والانكليزية على كل العالم, وتوضيح ( التعديلات ) على النسختين, ليقرأهما كل العراقيين ويقولوا فيها رأيهم.. نعم, إن المسألة ليست سياسية حتى يبت فيها من قبل المسؤولين الذين أوصلتهم الأقدار إلى سدة الحكم نتيجة لعملية سياسية معروف كيف حبكت, ولكنها مسألة تاريخية تترتب عليها تداعيات مستقبلية, لا أريد أن يتندم بعدها العراقيون كل الندم. كيف؟
إن المسألة مبدئية ووطنية ـ أيضا ـ تخص ثروات كل العراقيين, وهي لا تقع ضمن دائرة العملية السياسية التي تخص أحزاب وجماعات معينة بحد ذاتها.. وإذا كان هناك من يروج لتمرير القانون بكل ما يتضمّنه من مواد يتخّيل أنها صالحة لكل العراق والعراقيين وستأخذ نحو أسباب التقدم والرخاء, فربما تكون في حقيقة الأمر مجحفة بحق العراق والعراقيين وبعدهم من اجيال القادمين.. وهنا على كل عراقي أن يسمع صوت من يعارض هذا quot; القانون quot; قليلا.. إنني واثق تمام الثقة أن quot; القانون quot; لو طرح على الرأي العام للتصويت, فان اغلب العراقيين سيعارضون القانون وان معارضتهم له ستكون مبنية على قناعات واضحة لما يتضمنه القانون من مواد ربما تكون فاضحة بحق العراق والعراقيين لأسباب تتعلق بفدرلة الثروات وخصخصتها وتكريس الاستثمارات الخارجية للشركات الكبرى واحتكار للاحتياطيات الهائلة وعدم وجود أي ذكر للصناعات النفطية الوطنية.. الخ
إن المسألة ـ أيضا ـ ليست تباينية بسبب مجرد معارضة سياسية لهذه الحكومة أو تلك, بل إنها خلافية كونها وطنية وتشريعية في الأساس, أي تخص كل العراقيين ولا تخص أي طرف أو حزب أو ائتلاف أو كتلة أو طائفة أو عرق معين.. إن quot; القانون quot; حتى وان صاغته لجنة معينة اختارها النظام السياسي الجديد, فالمطلوب أن تعرض quot; المسودة quot; بكل تعديلاتها على كل الفنيين العراقيين واستطلاع رأيهم قبل المباشرة بتشريع القانون وبمثل هذه السرعة التي لها عدة أسباب مكشوفة.
إن قانون النفط والغاز أمانة في أعناق كل المسؤولين العراقيين اليوم, واعتقد أن اغلبهم سيجازف بالموافقة على نسخته ( المعدلة ) وضميره غير مرتاح أبدا ما دام هناك بنود ستخدم مصالح شركات ودول طموحاتها قاتلة لتنفيذ مصالحها قبل المصالح العراقية الوطنية.. وإذا كان أي مسؤول عراقي ستنتابه مشاعر غاية في الأسى وتأنيب الضمير, فليعلن عن موقفه أمام العالم والتاريخ.. أما من لم يوافق على ( التعديل ) ويريد الذهاب بعيدا في كل ما تضمنته النسخة الأولى بكل أخطائها وخطاياها بالعربية والانكليزية, فان عليه أن يتأكد بأن مصالحه مرتبطة بالعراق والعراقيين قبل ارتباطها بأمريكا والأمريكيين .. ولا يظن بأن الفرصة اليوم مؤاتية لتحقيق اكبر المكاسب المجتزئة على حساب كل العراق والعراقيين.. فهمومنا ممتزجة ومصائرنا مشتركة وحياتنا واحدة..
وعليه, نتساءل ومن حقنا ذلك: هل أن مصير العراق وتجزئته سيكون مرتهنا بهذا القانون؟ وهل سيعمل هذا quot; القانون quot; بشكل جازم على تفكيك العراق ويرهن ثرواته واحتياطياته بأيدي الشركات الأجنبية ( والأمريكية خصوصا )؟؟ وهل أن أي موافقة من قبل البرلمانيين الذين جاء بهم الشعب ليمثلوه اصدق تمثيل, إنما هي خيانة وطنية بحق العراق والعراقيين؟؟ وهل من الخطأ أن العراقيين سيباركون أية خطوة وطنية عراقية صرفة تخص شؤونهم من دون أي تدخلات خارجية أو أي إرادة أمريكية؟؟ هل أن العراقيين اليوم أمام مفترق طرق صعب فأما أن يكون مع القانون أو أن يكون ضد هذا القانون؟
أسئلة يحق لنا أن نطرحها على كل العراقيين مسؤولين ومواطنين في مثل هذا الظرف الصعب الذي يمر به العراق وكل العراقيين.. ونتأمل أن تستقر الأحوال وتهدأ حياة العراق والعراقيين ليؤسسوا تشريعات حضارية ومستقبلية تحتمها الضرورات الوطنية لا الأجندة الخارجية .. أتمنى أن تراعي كل من الحكومة والبرلمان إرادة العراقيين كلهم من دون استثناء.. فلا يمكن إصدار أي تشريع لمستقبل العراق والعراق يعاني من مخاض سياسي ووطني صعب. وعلى كل العراقيين أن يفكروا بمصير الأجيال القادمة قبل أن يمّّرروا قانونا لا يدركون هل سيكون عونا للعراق والعراقيين أم سيكون لعنة عليهم إلى يوم يبعثون.. وسيزيدهم تفسخا وتطاحنا واحترابا لآجال طوال وصراع القادمين.. فهل فكّر العراقيون يوما في مستقبلهم قبل ما كانوا عليهم في ماضيهم اللعين؟؟

www.sayyaraljamil.com