تكدست الإشكاليات التي يعاني منها المواطن الأيزيدي بحيث لم يعد يستطيع إن يشخص الأهم من المهم, فقد تكاثرت الهموم دون إن يجد الأيزيدي حلولا انسانية تساعده على اللحاق بالتطور والمساهمة بشكل يليق بإنسانيته في الزمن الجديد , أو حلا يساهم في دفع معاناته, وبما يضمنه له الدستور العراقي من حقوق, بعد إن اعتاد أن يؤدي الواجبات فقط, وبعد إن اعتاد على الغبن الفاحش الذي نظمته الدساتير الفائتة من رفض لأسم الأيزيدية تعبيرا عن عدم الاعتراف بهم بالرغم من واقع حالهم الذي يؤكد حقيقة كونهم شريحة من شرائح المجتمع العراقي الفاعلة دوما.
وبعيدا عن التمنيات لابد من المصارحة التي قد لايتقبلها بعض , فأن المواطن الأيزيدي كان على الدوام الورقة التي يجب إن تحترق, وكبش الفداء الذي ينتظره اليوم الموعود, وبالرغم من كل التضحيات والمساهمات الوطنية التي أداها الأيزيدية في العهود الغابرة, فقد تمت مكافئتهم في الزمن الجديد بأن صدرت الفتاوى التي تستبيح دماؤهم وتحلل قتلهم, كما صدرت التعليمات التي تخل بمواطنتهم وتحجب عنهم المراكز الرسمية المهمة في العراق بالرغم من وجود الطاقات والكفاءات, بزعم ديانتهم التي لم يتعرف عليها العديد من المسؤولين في الزمن العراقي الجديد والتي لم تخف كراهيتهم لها, بالأضافة الى المحاولات التي تريد تغيير هويتهم القومية أو حتى ديانتهم.
وبالرغم من أن الدستور العراقي وبعد معاناة كابدها المهتمين بكتابة فصل الحقوق, تخللها ممانعة وصدود من شخصيات كلفت بكتابة مشروع الدستور, حتى تم اخيرا الأقرار بكامل الحقوق الدينية للايزيدية كما يقول النص الدستوري, بأعتبار إن العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب, وبتلك الجملة القصيرة تحقق للأيزيدية العراقيين ولأول مرة في التاريخ الحديث أعترافا دستوريا بوجودهم وأقرارا رسميا بحقيقتهم, الا إن ذلك الأمر لم يتم ترجمته الا سطحيا, فليس المهم إن تكون هناك دائرة أوقاف للأيزيدية حتى يعتبر ذلك مكسبا يخص الإنسان الأيزيدي, وليس فقط أن تضم قائمة التحالف الكوردستاني شخصيات تمثل الحزبين الرئيسيين , أذ أن الأهم هو الإنسان الأيزيدي القابع في أزقة الشيخان وبحزاني وسنجار وغيرها من مدن الأيزيدية التي تعيش خارج التاريخ, ينتظر الأمل في أن يستعيد كرامته وحقه في الحياة العراقية, حاله كحال كل العراقيين من باقي الأديان والقوميات, وبقيت القصبات والمدن التي يقطنها الأيزيدية في حال من التردي والإهمال مالا يمكن وصفه في هذا الزمن, وبقيت تلك المدن التي همشت وتعمدت الأنظمة السابقة إن تتردى وتبقى على حالها لاتليق بالبشر بسبب ديانة اهلها من المتمسكين بديانتهم الأيزيدية.
لم نتلمس ترجمة أنسانية حقيقية في اعتبار الأيزيدية من المواطنين الذين يتساوون مع غيرهم من ابناء الديانات والقوميات الأخرى في العراق, ولم نتلمس أيضا اهتمام حقيقي من لدن السلطة والبرلمان, وأمام هجمات لاتلبث إن تنفكي ثم تستعر بين فترة وأخرى, يجد الأيزيدي نفسه مذبوحا ومشروعا دائما للذبح في وطن أقل ما يمكن اعتباره انه وطنه منذ القدم, وهذه الهجمات تسببها النظرة المتخلفة والتكفيرية التي تغذيها بعض الضمائر الميتة, وبعض الممتلئة قلوبهم بكراهية الإنسان, والاحتقان ألأجرامي المتورم في العقول.
وضمن تلك المعادلات تتعرض بين فترة وأخرى تجمعات أيزيدية وشخصيات الى الاغتيال وجرت محاولات اجرامية في ايقاع الأذى بينهم, وتنوعت الطرق والأساليب, غير إن الهجمة التي امتدت أخيرا, والتي شملتهم مثلما شملت اخوتهم العراقيين من المسيحيين والمندائيين ضمن الهجمة الظلامية والمتوحشة التي تشنها عقول العصر الحجري , وتعرضت قرى قريبة من تخوم العرب الى كمائن وقتل الفقراء منهم بسبب أيزيديتهم, مثلما نادى والي الموصل ومن اطلق على نفسه لقب ( أمير المؤمنين ), و هو ليس سوى صعلوك هارب من القانون وأميرا للمجرمين ويتخذ من الجريمة ستارا لنوازعه المريضة, تنادى هؤلاء لقتل الأيزيدية, والتي لم تجد سوى من أقليم كوردستان ملاذا, والتي كان لقيادات الأقليم وللقاسم العراقي المشترك وقفة الى جانبهم, غير إن تلك الوقفات لاتصلح الحال ولاتعيد البسمة الى تلك العوائل المنكوبة, وتلك العيون التي تتطلع الى مواصلة تعليمها وتحصيلها العلمي, ولاتمكن المواطن الأيزيدي في بغداد وكركوك والموصل وبقية الجنوب العراقي إن يعمل ويعيش مثل غيره من ابناء العراق, ولاتحقق الأمل في مساواتهم مع اخوتهم.
وبيانات الأستنكار والتضامن مع الأيزيدية لاتغني ولاتسمن من جوع إمام هول المصيبة, وحجم الفجيعة التي حلت بهم, ولاتزيل احزانهم, وامام كل هذا فأن المصائب التي تكلست فوق صدورهم بسبب عدم تمكن المسؤولين عن القيادة الدينية للأيزيدية وضع الحلول للعديد من المشاكل والأشكاليات التي يعاني منها الشارع الأيزيدي وازاحتها, ولعل من بين المهم منها أحوالهم الشخصية وأفرازات الهجرة والتحريم بين الطبقات والحال الذي صار اليه الناس ووضعهم في العراق وفي أقليم كوردستان والأماكن المقدسة ودور الأمير في كل هذه الأمور.
التقيت قبل فترة خلال حضوري ومشاركتي في مؤتمر لجنة دعم الديمقراطية في العراق, والمنعقد بمدينة أربيل عاصمة الأقليم بالسيد الوزير الدكتور دخيل سعيد خضر وتناقشنا حول ضرورة عقد المؤتمر الذي يبحث في الشؤون الخاصة بالأيزيدية, واتفقنا على أن يكون هذا المؤتمر جامعا لامفرقا, ونتوخى منه التوصل الى قرارات والتزامات تفيد الناس وتخفف من محنتهم وتساهم في رفع الضيم عنهم, كما التقيت بالسيد المستشار الدكتور بير ممو عثمان وكذلك بالسيد بير خدر سليمان وكانا على نفس المشاعر والرغبة, وطالعت بعض الكتابات المخلصة التي تحث على عقد مثل هذا المؤتمر وتعرض وجهات نظرها , وشعرت معها بالرغبة الصادقة للجميع في إن يكون هذا المؤتمر نابعا من الضمير, وللناس الحق كل الحق في عدم انتظارهم كل الخير والحلول من المؤتمرات, ولكن مؤتمرا تسوده الصراحة والصدق والنية المسبقة في ايجاد السبل للتخفيف عن محنة الأيزيدية, ومؤتمرا تحضره تلك الشخصيات التي يهمها امر وشؤون الأيزيدية, وتحمل معها معاناة ومظلومية الناس, وتحمل معها بصراحة التهميش الذي تتعرض له الأيزيدية, وكما تحمل معها بنفس الوقت شجاعتها في البوح عما يدور في الأروقة والمحافل الخاصة, وان يتم مناقشة قضايا مهمة وفاعلة راح ضحيتها العديد من بنات وأبناء الأيزيدية وهي قضية زواج الطبقات والمحرمات الدينية التي فرضها العرف والتقاليد العشائرية والأستقرار على حال , وان تتم مناقشة قضايا المهور, وان يكون الجميع مستعد إن ينزع عنه الأختلافات والخلافات السياسية والشخصية, وان يكون هذا المؤتمر واقعيا وبمستوى الطموح الذي يعالج بعقلانية واقع الأيزيدية داخل أو خارج العراق, وان يتم وضع نصب الأعين واقع المستقبل وما يمكن تخطيطه لسنوات قادمة, وان تكون الاماكن المقدسة من ضمن الأهتمام الذي يولية المؤتمر ويقرر بشأنها القرارات التي تليق بهذا الجانب, بما يتناسب مع تطور العصر والمفاهيم معا. وحيث نشعر ومعنا العديد من أصدقاء الأيزيدية ودعاة حقوق الإنسان حرص الأيزيدية على ابقاء الخلافات السياسية والشخصية فوق كل الاعتبارات, مما احدث ضررا وشرخا كبيرا في العلاقات بين الناس, وحين توحدت الإدارة الكوردستانية, توحدت كل التفرعات في حين حرصت بعض شخصيات الأيزيدية على إبقاء تلك الفرقة, ومع إن ما نتحدث عنه يقينا بين حيز محدود من الشخصيات , حيث إن الناس تعاني من هذا الشرخ و انعكاسه عليها بالرغم من عدم تقبلهم لهذا الخلاف , ولعل هؤلاء يتناسون أنهم يدينون بدين واحد, وتجمعهم مصيبة واحدة, والمصيبة إن الأعداء ينظرون اليهم متوحدين نظرة واحدة, ومع كل هذا فقد بقي الناس ينتظرونهم بفارغ الصبر إن يكونوا صوتا واحدا مرة واحدة.
الأيزيدية اليوم بحاجة ماسة الى إصلاح الذات وترميم ماتهدم من البيت الأيزيدي, وان يلتفتوا الى واقع الحال وأن يتشاوروا ويختلفوا غير أنهم سيتمكنوا من التوصل الى نتائج ايجابية باتفاقات تسهم قطعا في سلوك نهج جديد وممارسة سبل وطرق حديثة يسجلها التاريخ لهم خلال هذا المؤتمر.
لاتوجد أفكار أو رؤى لايحتاجها المؤتمر فهو بحاجة لجهد وافكار الجميع, وكلي ثقة من إن الأمير تحسين بك والبابا شيخ اول من سيساهم في قرارات هذا المؤتمر, بالنظر لما عليهما من ثقل المسؤولية وتحمل وزر ما يحل بالأيزيدية في هذا الزمن, وبما يفرضه عليهما مركزهما الديني والدنيوي, بالأضافة الى المجلس الروحاني الذي أصبح الحال في تفعيله وبث الحياة في شرايينه أكثر من ضرورة, كما إن حضور النخبة المثقفة والواعية من ابناء الأيزيدية وحضورها يحدوها تقديم الخدمة والموقف المنتظر منها الى أهلها وأبناء ديانتها, سيزيد هذا المؤتمر متانة وقوة وحرصا على النتائج , وحيث إن المشتركات كثيرة والإشكاليات ايضا عديدة, لذا فأن الناس تنظر بعين الأمل ما سيتمخض عنه هذا التجمع والمؤتمر.
ولنا كل الأمل في إن ينظر المؤتمر بعين الجدية الى قانون الأحوال الشخصية الخاص بالأيزيدية وأن يساهم المؤتمر في إخراجه الى النور وإقراره من قبل السلطة المركزية وإقليم كوردستان, واعتبار تعيين قضاة شرعيين في قضايا الأحوال الشخصية من أبناء الأيزيدية مطلبا ضروريا في اقليم كوردستان ينسجم مع التوجه الحالي لسياسة الأقليم القانونية والدستورية, ونكرر بأن الأمل في إن يتم طرح الأمور التي تعاني منها الأيزيدية بصراحة الحريص على طرح المعاناة, وان يكون هذا المؤتمر نازعا عنه ثوب تحقيق الشعارات وبعيدا عن الانسجام مع الشعارات السياسية والكسب ألأعلامي, وان يكون غاية المؤتمر الإنسان بغض النظر عن التزاماته السياسية ومنطقة سكناه ومركزه الديني أو العشائري أو طبقته الدينية, وان تكون القرارات التي تصدر عن المؤتمر تساهم في رسم حلول المشاكل الإنسانية التي يعاني منها الفقراء والبسطاء ممن يتعرضون يوميا الى التهديد والطرد والمطاردة وترك الأعمال قسرا والبطالة ومن ثم الى الهجرة من المناطق التي تسكنها, وان تكون تلك الحلول حقا بحجم رغيف الخبز الذي ينبغي توفيره ضمن الحصة التموينية لتلك الشرائح, وان تكون الحماية بمستوى الخسارة التي يدفعها من هؤلاء البشر الذين لايحميهم وعوائلهم في بيوتهم القصية سوى الله , وان يتم بحث قضية المرأة الأيزيدية بمستوى الأجلال والأحترام الذي تكنه الديانة الأيزيدية لها, وليس وفقا للأعراف والمنطق المتخلف, وان تكون المرأة التي انجبت الرجال وحضنتهم وساهمت في تربيتهم ونشأتهم ودفعتهم للنضال والمثابرة والصبر، وشاركت الرجل مشاركة حقيقية, أن تكون حاضرة ومؤثرة بما يليق بها وبديانتها فعلا لاقولا وأيمانا لامجاملة, وان يتم العمل بأيمان وقبول صادق في رفض الأعراف التي تسيء لها ولمنزلتها ولكرامتها , ولايمكن لدين إن يهين المرأة أو يسعى لإذلالها بأي شكل من الأشكال, وعليه فأن ما صار عرفا ليس من الدين ولا يربطه بالقيم الدينية رابط.
وكصديق للأيزيدية أحلم مثل غيري بمؤتمر لايساهم في تسجيل رقم لمؤتمرات تعقد وتروح الى ذاكرة التاريخ, ولاتجمعا مؤقتا تتبخر قراراته بانتهاء انعقاده, حيث إن المشاركين والمساهمين مقتنعين قناعة كاملة ما تتعرض له الديانة الأيزيدية من محنة, وما تتعرض له الناس في سنوات غادرنا بها القرن العشرين, كما ارى مثل غيري ما يحدث من كارثة تدخل الدين في السياسة, وما تؤدي من نتائج غاية في السلبية والخسارة, وحيث سيمضي زمن حتى يعي الناس خطأ وخلل ذلك الدخول وسينقلبوا عليه لأعادة الحال الى مساره الصحيح في أن يبقى الدين بمكانته الرفيعة, فالدين روابط روحية وأيمان عميق بالخالق والخليقة, وعليه نرى من الأصوب إن تعي الأيزيدية هذه الحقيقة وان تتجنب الخسارة والخلل في الأداء والمواقف وأن يتم تجنيب الدين خطايا وأنحرافات السياسة ووزر اعمالها.
أن تعي تلك العقول النيرة التي تنادي بعقد المؤتمر بأن عقول مريضة تتربص بهم وتريد الأيقاع بهم, وعليهم ايضا إن يعوا ضرورة تحصين الناس بالثقافة الشعبية والخروج على الخرافات والأساطير, وان تتحمل المراكز الثقافية والجمعيات هذه المهمة في تفعيل دور الفرد الأيزيدي ضمن مجتمعه, وتعريف الناس بحقوقها الدستورية والقانونية, وان يتم نشر ثقافة حقوق الإنسان الذي يحميها ويؤكد حقها الأنساني في الدين والحياة.
وأخيرا فأن انظارنا تبقى معلقة على ما سيتمخض عنه المؤتمر وهو ينعقد تحت شعار الإنسان الأيزيدي وحقه في الحياة والتطور, مع تمنياتنا له بالنجاح والتوفيق.