يقول المفكّر اللّامع أمين معلوف: (كلّ الذين وُلدوا دون سيّارة ليموزين تحت شرفتهم، وكلّ الذين يرغبون بقلب النّظام القائم، وكلّ الذين يثورون ضدّ الفساد واستبداد الدّولة واللّامساواة والبطالة وغياب الأفق، وكلّ الذين يجدون مشقّة في إيجاد مكانتهم في عالم يتغيّر بسرعة، يغريهم المدّ الإسلامي. فمن خلاله يشبعون حاجتهم إلى الهُويّة، وحاجتهم إلى الانضواء في مجموعة، وحاجتهم الرُّوحيّة، وحاجتهم إلى حلّ سهل لحقائق شديدة التّعقيد، وحاجتهم إلى الفعل والتّمرّد.) راجع كتاب quot;الهُويّات القاتلة- قراءة في الانتماء والعولمةquot; لأمين معلوف. من هذا النّص يمكن تلمّس تفسير معقول quot;للمدّ الإسلاميquot; الذي يحمل الإسلام شكلاً وشعارًا، ويبتعد عنه سلوكًا وامتثالاً.. والدّليل على ذلك يعرفه كلّ من ألقى السّمع وهو شهيد في quot;خريطة البلاد الإسلاميّةquot;، فمن غير المقبول أنّ قومًا يتشبّثون بدين يحرّم السّرقة، وترتفع بينهم أعلى النّسب العالميّة لهذه الخصلة الذّميمة..، ومن المحال أن يرفع ذات القوم شعار دين يحرّم الفساد والإفساد، بينما تبيّن الممارسة على أرض الواقع آثار الفاسدين والمفسدين في أكبر صورها المعاصرة..، ومن غير اللّائق أن يختار قوم دينًا يدعو إلى النّظام والتّرتيب، في حين يكون المحصول منهم فوضى وخرابا!! عند هذا تبدو المصيبة أعظم، إذ كيف نتوقّع أن يدخل النّاس أفواجًا في دين يحثّ على العمل وعزّة النّفس، وأداء الأمانة، بينما صورة معتنقيه تعكس لنا وضعًا مغايرًا تمامًا لهذه المعاني السّامية إذ تتبدّل بفعلهم quot;بطالةquot; وquot;تسوّلاًquot; وquot;خيانةquot;!
وإذا كان الحال على ما أشرنا، فكيف نجمع إذًا بين الممارسات الواقعيّة على الأرض الإسلاميّة، وبين ظاهرة المدّ الإسلامي الكبير، وكيف نجد تفسيرًا مقنعًا لهذا المد؟!
يبدو أنّ المُفكّر أمين معلوف قد أجاب إجابة لا تقول أكثر من أنّ الإسلام أصبح quot;بضاعة المُهمّشينquot;، وquot;سُلّمًا يصعد عليه أهل الغايات والنّيات، وطُلّاب الأهداف، والواصلون إلى مختلف الحاجات والمحطّات!!
يا إلهي.. كيف يغيب عن القلم - لحظة الكتابة - وصيّة جاءت في كتب التّراث تقول فيها الأمّ لابنها quot;الشّاب الطّريquot;: (يا بنيّ.. عليك بالدّين، فإنّه يرفع الوضيع)!!
ولا زال الحبر يتذكّر بيتًا كان جدّي ndash; رحمه الله ndash; يردّده مرارًا: (من عجز عن درب quot;المرجلةquot; ينحر الدّين)، والمرجلة هي الرُّجولة، وينحر هنا تعني quot;يذهبquot;! إنّ القلم عند هذا المقام يقف شجاعًا ليفرّق بين الدّين، بوصفه سلوكًا وممارسة أمر بها الرّبّ جلّ وعزّ، وبين الدّين بوصفه طريقًا يُؤدّي إلى أهداف وغايات مُلوّنة.. فمرحبًا بالأولى، ولا طاعة للثّانية..
والسّؤال الذي يُطرح: هل ركوب الموجة الدّينيّة يعني آخر المطاف.. أم في برميل الأيّام ما يُخبر عن تفعيل خاصيّة quot;القوميّةquot; أو تحريك quot;المشاعر العرقيّةquot;؟! لقد قال شاعر عراقي كبير في أحوال هؤلاء المُهمّشين الذين تسلّقوا لبلوغ مصالحهم حبل quot;أحبولةquot; الدّين استغلالاً، ثمّ لما رثّت وبليت من تعاملهم وما عادت بذات نفع أو فائدة، جاءوا يركضون مُفعّلين هذه المرّة quot;أحبولةquot; الوطن، فوجد في quot;ملهاتهمquot; محفّزًا للقول كشفًا وتنبيهًا:
quot;أُحبولةquot; الدّين رثّت من تعاملهمفاستعملوا ndash; بعدها ndash; أحبولة الوطنِ!! وكلّ عام والمهمّشون في quot;أحبولةquot; جديدة!!
[email protected]