من مفكرة سفير عربي في اليابان
حولت تكنولوجية الاتصالات والمواصلات وقوانين التجارة الحرة العالم لقرية تجارية صغيرة تستفيد دولها من بعضها البعض في الطفرات الاقتصادية وتعاني مع كسادها. وقد أدى الإرهاب والخلافات الدولية لتخوف بعض الدول من الاعتماد على طاقة دول الشرق الأوسط، كما شجعت التغيرات المناخية وارتفاع أسعار النفط لخفض استهلاك الطاقة الملوثة وإيجاد مصادر أخرى للطاقة كالرياح والأمواج وأشعة الشمس والكحول النباتي. وقد شجعت الولايات المتحدة بدعمها المالي لزراعة الذرة لتحويل 25% من هذه المادة الغذائية لإنتاج الطاقة، كما ترافقت التغيرات المناخية لنقص زراعة وإنتاج الحبوب الغذائية، ليؤدي كل ذلك لأزمة غذائية عالمية.
ومن المتوقع أن يزداد سكان العالم للضعف ليصل لاثني عشر مليار مع نهاية هذا القرن. وسيترافق ذلك بنقص عدد السكان في دول الغرب، مع تزايد السكان في دول العالم الثالث. ومع التقدم التكنولوجي والتطور الاقتصادي في الصين والهند سيزداد استهلاك مختلف المواد الغذائية وسترتفع الأسعار. ومن حسن الحظ بأن الصين تنتج حتى الآن أكثر من 90% من حاجتها من الحبوب الغذائية، ولديها مخزون يزيد عن المائة والخمسين مليون طن، كما تنتج الدول الأسيوية الأخرى معظم احتياجاتها من الحبوب. وقد صرح رئيس البنك الدولي بأنه من المحتمل أن تزداد نسب المجاعة في العالم ليضاف مائة مليون جائع جديد، وسيحتاج البنك لسبعمائة مليون دولار لدعم برامجه الغذائية. وقد وافق مجلس الوزراء الياباني في شهر أبريل الماضي بدعم جهود الأمم المتحدة الغذائية بما قدره المائة مليون دولار.
وقد ارتفعت أسعار الحبوب الغذائية للضعف هذا العام، ومن المتوقع أن تستمر في الصعود، بالرغم من ارتفاع الإنتاج العالمي للحبوب في العام الماضي بنسبة 2.6% ليرتفع لحوالي 2.16 مليار طن. وستعاني 37 دولة نامية من أزمة غذائية حادة، تترافق بارتفاع نسب الفقر وانتشار الأمراض، كما ستخلق بيئة مناسبة لزيادة التطرف الفكري وإرهاب العنف. والسؤال لعزيزي القارئ هل تعتبر هذه المعضلة مشكلة آنية أم هي تحدي مستقبلي مستمر؟ وهل تحتاج معالجتها لشراكة متناغمة بين المواطن ومؤسسات المجتمع المدني والبرلمان والحكومة؟
.لقد استغلت الولايات المتحدة ثمان مليون هكتار من أرضيها لإنتاج كحول الطاقة البيواثينول من حبوب الذرة المستخدمة عادة لتغذية البشر والمواشي. وتبعتها في ذلك دول كالأرجنتين والبرازيل وكندا ودول أوروبا الشرقية. وقد حولت هذه الدول ما يقدر بستين مليون طن من الحبوب الغذائية للطاقة خلال السنتين الماضيتين والتي كان من الممكن أن يغذي بها العالم مائتين وخمسين مليون شخص. كما أدى ارتفاع أسعار النفط للارتفاع الحاد في تكلفة إنتاج الأسمدة الكيماوية ونقلها، لترتفع أسعار باقي الحبوب الغذائية، ولكي تؤدي لارتفاع أسعار اللحوم والألبان ومشتقاتها للحاجة لهذه الحبوب لتغذية الماشية. وارتفعت أسعار الأغذية البحرية بسبب الحاجة للطاقة النفطية لسفن الصيد. وترافق كل ذلك بقلق استمرار ارتفاع أسعار الأغذية مما فتح المجال لزيادة الطلب عليها بشكل غير مسبوق، مما أدى لمضاربات سوق الأغذية واستغلال بعض التجار الفرصة لزيادة رفع الأسعار.
وقد عرضت مجلة الاكنوميست في افتتاحيتها بعنوان التسونامي الصامتة في التاسع عشر من ابريل من هذا العام، تأثيرات أزمة الأسعار الغذائية على المجتمعات الفقيرة. فقد أدى ارتفاع أسعار الأغذية لكي تقتطع الطبقة المتوسطة في الدول الفقيرة من مصاريف رعايتها الصحية وتتجنب أكل اللحوم لكي تستمر في توفير الوجبات الثلاث لعائلاتها. بينما بداء الفقراء الذين يصرفون دولارين على عائلاتهم يوميا منع أطفالهم من الذهاب للمدرسة، وقللوا من أكل الخضروات لكي يوفروا الرز لهم. وأما العائلات التي تعتمد على دولار واحد في اليوم، والتي تقدر عددها بحوالي المليار، فقد توقفوا عن أكل اللحوم والخضروات، وانخفضت وجباتهم لوجبة واحدة يوميا. وستعاني العائلات التي تعتمد على نصف دولار يوميا من المجاعة بل الموت إلا إذا توجهوا للسرقة والإجرام. وقد زاد الطين بله ترافق هذه المأساة بكساد الاقتصاد العالمي وانخفاض أسعار العقار وأزمة البنوك المالية وهبوط أسعار الأسهم.
وقد أدى سوء استهلاك موارد الطاقة النفطية لتلوث البيئة وتسارع التغيرات المناخية. فمثلا تصرف الولايات المتحدة ثلاث وحدات من الطاقة لتصنع وحدة إنتاجية واحدة بينما تصرف اليابان ثلث ما تصرفه الولايات المتحدة لتنتج نفس الوحدة الإنتاجية. كما زادت كمية استهلاك الطاقة الملوثة بشكل حاد في الصين والهند بسبب تطورها الصناعي وعمرانها المدني السريع. وتعاني الكثير من الدول من زيادة نسب البدانة بين شعوبها لتتراوح بين 30% وحتى 50%، وتترافق هذه البدانة بأمراض مزمنة كارتفاع نسبة السرطانات وداء السكري والضغط وجلطة القلب والسكتة الدماغية. وتحتاج هذه الأمراض لتشخيصات وعلاجات مكلفة، ترهق الميزانية وتخفض الإنتاجية، مما تؤدي لعدم إمكانية زيادة الدعم الحكومي اللازم للمواد الغذائية.
ولنتذكر عزيزي القارئ بأن احتياطي النفط والغاز سينتهي مع نهاية هذا القرن، وسيحتاج العالم لمصادر طاقة نظيفة لخفض التلوث البيئي والتغيرات المناخية المودية للجفاف والفيضانات والبرد القارص، والمسبب لانخفاض إنتاجية المحاصيل الزراعية. وستحتاج دول العالم الاعتماد على انتاج الطاقة النظيفة من الطاقة الشمسية والرياح والأمواج بالإضافة للموارد الزراعية. كما سيترافق نقص الطاقة النفطية المستمر بارتفاع أسعارها والذي سيؤدي لاستمرار ارتفاع أسعار الأسمدة ونقلها. وستستمر أزمة الغذاء إلا إذا شارك العالم مجتمعا لوضع صيغ للتعامل مع معضلاتها. وتبدو بأن بعض هذه المعضلات واضحة ويمكن التعامل مع تحدياتها كالتزايد الحاد للسكان، وزيادة البدانة، والبذخ في الاستهلاك الغذائي، وعدم الحكمة في استهلاك الطاقة، وقلة الاهتمام بالزراعة والأمن الغذائي. ويمكن أن يلعب المواطنين دورا هاما لخفض الحاجة لهذه المواد الغذائية وزيادة توفرها وذلك بتنظيم العائلة، وضبط العادات الغذائية، وتحسين العادات الاستهلاكية للاستفادة من الطاقة، وتشجيع الأبناء بالتخصص في المجالات الزراعية، ومشاركة التجار في المشاريع التجارية الزراعية، والعمل على المحافظة على البيئة الطبيعية للأرضي والبحار لحماية الموارد الغذائية الزراعية والبحرية. وسنحتاج لمنع استغلال الظروف لمضاربات السوق الغذائية، وتفعيل قوانين حماية المستهلك، ونشر مفاهيم المواطنة الصالحة، وخفض استهلا ك اللحوم المحتوية على كمية كبيرة من الشحوم المشبعة والتي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة الملوثة كما أنها تنتج كميات كبيرة من غاز الكربون. كما ستحتاج هذه الدول لتشريعات برلمانية فاعلة ومشاريع حكومية مدروسة، وتحسين اتفاقيات التجارة لرفع الحواجز الجمركية الغذائية، وتوفير تكنولوجية الطاقة النظيفة. والسؤال لعزيزي القارئ هل سيشارك المواطن العربي معالجة هذه الأزمة بالعمل للوقاية من تفاقمها؟ وهل ستشجع دول المنطقة الاستثمار في المشاريع الزراعية والغذائية، وهل ستضع خطط مستقبلية لتحقيق أمنها الغذائي؟
سفير مملكة البحرين في اليابان