من مفكرة سفير عربي في اليابان
مع بزوغ شمس الألفية الثالثة، ومع بداء انتهاء مرحلة الاستعمار العسكري والاقتصادي وهيمنة الدول العظمى، ومع تحول العالم بفضل تكنولوجية الاتصالات والمواصلات لقرية عالمية صغيرة، ومع تطور تكنولوجية الفضاء وبحث الإنسان لمستعمرات فضائية جديدة، تحتاج مجتمعاتنا العربية لأن تفعل ديمقراطية المواطنة المسئولة وتربطها بمفاهيم الكفاءة والولاء لتستقر وتشارك في إبداعات العولمة. والسؤال لعزيزي القارئ كيف ستفعل مجتمعات الدول الآخذة في التطور ديمقراطيتها، وتستفيد من التجارب العالمية لتقي مجتمعاتها من التطرف الفكري وإرهاب ثوراته، لتتفرغ لتنميتها الاجتماعية والاقتصادية، ولتشارك في بناء حضارة الألفية الثالثة؟
تقدر الإسقاطات الإحصائية بتضاعف سكان العالم ليصل لاثني عشرة مليار مع نهاية القرن، وبانخفاض سكان الغرب لأقل من 10% من سكان العالم، لتمثل الدول الآخذة في التطور النسبة الباقية. ومن واجب هذه الدول المشاركة في بناء حضارة الألفية الثالثة للارتفاع المستمر لاستهلاكها الغذائي واستفادتها المتزايدة للتكنولوجية العالمية. وقد تحتاج هذه الدول لتفعيل ديمقراطيتها لتحقق استقرارها السياسي وتنميتها الاقتصادية وذلك بزيادة الكفاءة المجتمعية وإبداعاتها التكنولوجية وارتفاع نسب إنتاجيتها. ويتساءل البعض هل تحتاج هذه الدول لثورات تغير فجائية أم لإصلاحات تدريجية تتطور معها ثقافتها الديمقراطية لتقي مجتمعاتها من التطرف الفكري وإرهاب العنف، ولتزيد الكفاءة المجتمعية والتنمية الاقتصادية، والتي يعبر عنها عادة في اللغة الانجليزية بالافليوشن.
وقد ناقشت مجلة الشؤون الخارجية في عدد مارس لعام 2008 تحديات الديمقراطية في العالم وأهمية التعامل مع هذه التحديات، والتي حددتها بالتطرف الفكري وإرهاب العنف والصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومستقبل الحكومات التقليدية. ونبهت المجلة بضرورة تجنب المواجهة بين الحكومات التقليدية والمعارضة في الدول الآخذة في التطور، واقترحت صيغة متوازنة للمحافظة على السلطة وتطويرها في نظام ملكي أو رئاسي دستوري وديمقراطي، لتحقيق الأمن والاستقرار وللوقاية من ثورات الصراع على السلطة، لكي تؤدي هذه الدول دورها في بناء حضارة الألفية الثالثة. وقد ناقش لاري دياموند المعضلات التي تواجهها الديمقراطية اليوم، وانتعاش ما سماها بالدول المفترسة. فقد تمت إصلاحات ديمقراطية في تسعين دولة منذ عام 1974، لتصبح 60% من الدول المستقلة ديمقراطية مع نهاية القرن المنصرم. ويتصور الكاتب بأن الاحتفال بالإصلاح الديمقراطي سابق لأوانه لتعرض هذه الإصلاحات وخلال سنوات قليلة لتراجع مقلق، بل استبدلت بعضها بالتطرف الفكري وإرهاب عنف مخيف. ولكي تنتشر الديمقراطية في باقي دول العالم، تحتاج لتفرع جذورها في الثقافة الوطنية لهذه الدول التي بدأ نبت زرعها، كما عليها أن تثبت لشعوبها بأنها تستطيع أن تتعامل مع تحديات السلطة وتحقق لمواطنيها الحرية والعدالة والرخاء في مجتمعات آمنة وسعيدة. وإذا لم تنجح هذه الدول في السيطرة على الجريمة والفساد، ولم تحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المرجوة، ولم توفر الحرية والعدالة بتطبيق القانون، ستفقد الجماهير الثقة فيها، وقد تتوجه للتطرف والعنف لتحقيق طموحاتها. ويناشد الكاتب دول الغرب مساعدة هذه الدول لمنع تحول ديمقراطيتها لانتخابات سطحية مخادعة وصراعات برلمانية مدمرة.
وقد استطاعت الديمقراطية الغربية أن تحقق العدالة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية لشعوبها، وبذلك حافظت على سمعتها وثقتها في هذه الدول. فيقدر نسبة مواطني الغرب الراضين عن نظم بلادهم الديمقراطية لأكثر من 90%، ومع الأسف لم يترافق ذلك الرضا مع الثقة برجال البرلمان، فمثلا انخفض في الربع الأول من هذا العام نسب ثقة المواطن الأمريكي بالكونجرس لأقل من 18%. كما بينت الدراسات بأن مؤشر الحريات بدأ في التراجع في دول العالم ولأول مرة خلال السنتين الماضيتين، لكي تزيد عدد الدول التي تراجعت فيها الحريات عن الدول التي تطورت فيها الإصلاحات الديمقراطية. وقد بينت الاستطلاعات بأن 20% من الشعوب أمريكا اللاتينية تثق بأحزابها السياسية، و25% تثق ببرلماناتها، و33% تثق بمؤسساتها القضائية. وانخفضت نسبة الثقة بين مواطني الفلبين في الديمقراطية كأفضل وسيلة للحكم من 64% في عام 2001 إلى 51% في عام 2005، وهبطت نسبة رضا الشعب الفلبيني عن ديمقراطية بلاده من 54% إلى 39%. كما انخفضت نسبة ثقة الشعب النيجري في حكومته بسيطرتها على الفساد من 64% عام 2000 إلى 36% عام 2005.
ويقترح الكاتب بأن لا يتسرع البعض للاحتفال بفشل الإصلاحات الديمقراطية، بل على العكس عليهم أن يقلقوا، فقد يعانوا مما عانته كينيا، حينما تحولت دولة المثل الإفريقي لديمقراطية الأمن والسلام والتنمية الاقتصادية، لدولة فوضى العنف والدمار الاقتصادي والنزاع العرقي الاجتماعي. ويستغرب الكاتب عن سبب عدم استيعاب بعض الدول لدروس التاريخ، وأكد بأنه إذا لم تتحسن الإدارة الحكومية، ولم تتحقق التنمية الاجتماعية والاقتصادية المرجوة، ولم تتطور المؤسسات القضائية والسياسية للسيطرة على الفساد، وإذا لم تخلق منافسة تجارية حرة ونظيفة، ستختفي المنفعة الاقتصادية للموطنين، ويزداد التظلم والاستياء، وقد ينتهي الوضع بثورات عنف إرهابية جديدة. كما يعتقد علماء الاقتصاد بأن المعضلة هي أن الحكم السيئ ليست شذوذ مجتمعي يحتاج للعلاج، بل هي حالة طبيعية في التاريخ البشري. فقد كانت الميول الطبيعية للنخبة خلال الألفيات السابقة هي احتكار السلطة، مما أدى لحلقة من التبعية المرتبطة بالبلطجة والديماغوجية الانتخابية الموجهة نحو الافتخار بالصراعات العرقية والطائفية، ليعيش المسئولين على أموال الدولة والمتطفلين الأقوياء على المواطنين الضعفاء، ولتتحول مسئولية الحكومة من إنتاج السلع وبناء الشوارع والمدارس والمستشفيات، لتوفير السلع للمسئولين وعائلاتهم وخفرائهم.
ويناقش روبرت بوتمان في كتابه لنفعل الديمقراطية، ظاهرة تجميد بعض الأنظمة لإصلاحاتها الديمقراطية، لتعتبر الفساد سلوك طبيعي والسرقة ذكاء، ولتحرك المشاركة السياسية أيدي خفية، ولتصبح المشاركة المدنية ضامرة والتسوية العادلة نادرة، ويحس الجميع بأنهم معدومي القوة ومستغلين وغير سعيدين. فلم تستطع هذه الدول المحافظة على ديمقراطيتها لأنها لم تهيئ مؤسسات قوية تحترم القانون، ولم تطور مجتمعات تثرى بالنشاطات المنتجة والمتاجرة الشريفة، بل خلقت فئة طفيلية تزيد ثروتها باحتكار السلطة واستغلال الفرص ونهب الضعفاء وإضعاف القانون. ويعتقد الكاتب بأن على هذه الدول تفعيل ديمقراطيتها في مجتمعات مدنية نشطة، يثق المواطنون فيها بعضهم ببعض، ويتعاملون بعدالة ومساواة، وتكافأ المؤسسات القضائية والأمنية السلوك السوي وتعاقب استغلال السلطة. كما تحتاج لمجتمعات مدنية ومؤسسات مستقلة وإعلام مسئول، بالإضافة لشبكات مجتمعية تتبنى السلوك الأخلاقي وتدعو للمصلحة العامة وترفع ضمير المواطنة، وتضغط لانتخابات مؤسسات ديمقراطية تشمل الأحزاب السياسية والبرلمانات والحكومات المحلية، لتربط المواطنين بعضهم ببعض وبمؤسساتهم المدنية. والسؤال لعزيزي القارئ: هل ستعمل الدول الآخذة في التطور بوضع دساتير تبني جسور ثقة بين الشعوب وقياداتها، وتفعل الديمقراطية بحكمة واتزان لتقي مجتمعاتها من العنف والإرهاب، وتهيئها للإبداع والإنتاجية لتشارك في بناء حضارة الألفية الثالثة؟ ولنا لقاء.
تقدر الإسقاطات الإحصائية بتضاعف سكان العالم ليصل لاثني عشرة مليار مع نهاية القرن، وبانخفاض سكان الغرب لأقل من 10% من سكان العالم، لتمثل الدول الآخذة في التطور النسبة الباقية. ومن واجب هذه الدول المشاركة في بناء حضارة الألفية الثالثة للارتفاع المستمر لاستهلاكها الغذائي واستفادتها المتزايدة للتكنولوجية العالمية. وقد تحتاج هذه الدول لتفعيل ديمقراطيتها لتحقق استقرارها السياسي وتنميتها الاقتصادية وذلك بزيادة الكفاءة المجتمعية وإبداعاتها التكنولوجية وارتفاع نسب إنتاجيتها. ويتساءل البعض هل تحتاج هذه الدول لثورات تغير فجائية أم لإصلاحات تدريجية تتطور معها ثقافتها الديمقراطية لتقي مجتمعاتها من التطرف الفكري وإرهاب العنف، ولتزيد الكفاءة المجتمعية والتنمية الاقتصادية، والتي يعبر عنها عادة في اللغة الانجليزية بالافليوشن.
وقد ناقشت مجلة الشؤون الخارجية في عدد مارس لعام 2008 تحديات الديمقراطية في العالم وأهمية التعامل مع هذه التحديات، والتي حددتها بالتطرف الفكري وإرهاب العنف والصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومستقبل الحكومات التقليدية. ونبهت المجلة بضرورة تجنب المواجهة بين الحكومات التقليدية والمعارضة في الدول الآخذة في التطور، واقترحت صيغة متوازنة للمحافظة على السلطة وتطويرها في نظام ملكي أو رئاسي دستوري وديمقراطي، لتحقيق الأمن والاستقرار وللوقاية من ثورات الصراع على السلطة، لكي تؤدي هذه الدول دورها في بناء حضارة الألفية الثالثة. وقد ناقش لاري دياموند المعضلات التي تواجهها الديمقراطية اليوم، وانتعاش ما سماها بالدول المفترسة. فقد تمت إصلاحات ديمقراطية في تسعين دولة منذ عام 1974، لتصبح 60% من الدول المستقلة ديمقراطية مع نهاية القرن المنصرم. ويتصور الكاتب بأن الاحتفال بالإصلاح الديمقراطي سابق لأوانه لتعرض هذه الإصلاحات وخلال سنوات قليلة لتراجع مقلق، بل استبدلت بعضها بالتطرف الفكري وإرهاب عنف مخيف. ولكي تنتشر الديمقراطية في باقي دول العالم، تحتاج لتفرع جذورها في الثقافة الوطنية لهذه الدول التي بدأ نبت زرعها، كما عليها أن تثبت لشعوبها بأنها تستطيع أن تتعامل مع تحديات السلطة وتحقق لمواطنيها الحرية والعدالة والرخاء في مجتمعات آمنة وسعيدة. وإذا لم تنجح هذه الدول في السيطرة على الجريمة والفساد، ولم تحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المرجوة، ولم توفر الحرية والعدالة بتطبيق القانون، ستفقد الجماهير الثقة فيها، وقد تتوجه للتطرف والعنف لتحقيق طموحاتها. ويناشد الكاتب دول الغرب مساعدة هذه الدول لمنع تحول ديمقراطيتها لانتخابات سطحية مخادعة وصراعات برلمانية مدمرة.
وقد استطاعت الديمقراطية الغربية أن تحقق العدالة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية لشعوبها، وبذلك حافظت على سمعتها وثقتها في هذه الدول. فيقدر نسبة مواطني الغرب الراضين عن نظم بلادهم الديمقراطية لأكثر من 90%، ومع الأسف لم يترافق ذلك الرضا مع الثقة برجال البرلمان، فمثلا انخفض في الربع الأول من هذا العام نسب ثقة المواطن الأمريكي بالكونجرس لأقل من 18%. كما بينت الدراسات بأن مؤشر الحريات بدأ في التراجع في دول العالم ولأول مرة خلال السنتين الماضيتين، لكي تزيد عدد الدول التي تراجعت فيها الحريات عن الدول التي تطورت فيها الإصلاحات الديمقراطية. وقد بينت الاستطلاعات بأن 20% من الشعوب أمريكا اللاتينية تثق بأحزابها السياسية، و25% تثق ببرلماناتها، و33% تثق بمؤسساتها القضائية. وانخفضت نسبة الثقة بين مواطني الفلبين في الديمقراطية كأفضل وسيلة للحكم من 64% في عام 2001 إلى 51% في عام 2005، وهبطت نسبة رضا الشعب الفلبيني عن ديمقراطية بلاده من 54% إلى 39%. كما انخفضت نسبة ثقة الشعب النيجري في حكومته بسيطرتها على الفساد من 64% عام 2000 إلى 36% عام 2005.
ويقترح الكاتب بأن لا يتسرع البعض للاحتفال بفشل الإصلاحات الديمقراطية، بل على العكس عليهم أن يقلقوا، فقد يعانوا مما عانته كينيا، حينما تحولت دولة المثل الإفريقي لديمقراطية الأمن والسلام والتنمية الاقتصادية، لدولة فوضى العنف والدمار الاقتصادي والنزاع العرقي الاجتماعي. ويستغرب الكاتب عن سبب عدم استيعاب بعض الدول لدروس التاريخ، وأكد بأنه إذا لم تتحسن الإدارة الحكومية، ولم تتحقق التنمية الاجتماعية والاقتصادية المرجوة، ولم تتطور المؤسسات القضائية والسياسية للسيطرة على الفساد، وإذا لم تخلق منافسة تجارية حرة ونظيفة، ستختفي المنفعة الاقتصادية للموطنين، ويزداد التظلم والاستياء، وقد ينتهي الوضع بثورات عنف إرهابية جديدة. كما يعتقد علماء الاقتصاد بأن المعضلة هي أن الحكم السيئ ليست شذوذ مجتمعي يحتاج للعلاج، بل هي حالة طبيعية في التاريخ البشري. فقد كانت الميول الطبيعية للنخبة خلال الألفيات السابقة هي احتكار السلطة، مما أدى لحلقة من التبعية المرتبطة بالبلطجة والديماغوجية الانتخابية الموجهة نحو الافتخار بالصراعات العرقية والطائفية، ليعيش المسئولين على أموال الدولة والمتطفلين الأقوياء على المواطنين الضعفاء، ولتتحول مسئولية الحكومة من إنتاج السلع وبناء الشوارع والمدارس والمستشفيات، لتوفير السلع للمسئولين وعائلاتهم وخفرائهم.
ويناقش روبرت بوتمان في كتابه لنفعل الديمقراطية، ظاهرة تجميد بعض الأنظمة لإصلاحاتها الديمقراطية، لتعتبر الفساد سلوك طبيعي والسرقة ذكاء، ولتحرك المشاركة السياسية أيدي خفية، ولتصبح المشاركة المدنية ضامرة والتسوية العادلة نادرة، ويحس الجميع بأنهم معدومي القوة ومستغلين وغير سعيدين. فلم تستطع هذه الدول المحافظة على ديمقراطيتها لأنها لم تهيئ مؤسسات قوية تحترم القانون، ولم تطور مجتمعات تثرى بالنشاطات المنتجة والمتاجرة الشريفة، بل خلقت فئة طفيلية تزيد ثروتها باحتكار السلطة واستغلال الفرص ونهب الضعفاء وإضعاف القانون. ويعتقد الكاتب بأن على هذه الدول تفعيل ديمقراطيتها في مجتمعات مدنية نشطة، يثق المواطنون فيها بعضهم ببعض، ويتعاملون بعدالة ومساواة، وتكافأ المؤسسات القضائية والأمنية السلوك السوي وتعاقب استغلال السلطة. كما تحتاج لمجتمعات مدنية ومؤسسات مستقلة وإعلام مسئول، بالإضافة لشبكات مجتمعية تتبنى السلوك الأخلاقي وتدعو للمصلحة العامة وترفع ضمير المواطنة، وتضغط لانتخابات مؤسسات ديمقراطية تشمل الأحزاب السياسية والبرلمانات والحكومات المحلية، لتربط المواطنين بعضهم ببعض وبمؤسساتهم المدنية. والسؤال لعزيزي القارئ: هل ستعمل الدول الآخذة في التطور بوضع دساتير تبني جسور ثقة بين الشعوب وقياداتها، وتفعل الديمقراطية بحكمة واتزان لتقي مجتمعاتها من العنف والإرهاب، وتهيئها للإبداع والإنتاجية لتشارك في بناء حضارة الألفية الثالثة؟ ولنا لقاء.
سفير مملكة البحرين في اليابان
التعليقات