شائكةٌ هي قضية دارفور، معقدّة هي مشاكل العرب، فالمسارات التي تتناول الأزمات العربية تحمل أنماط من التناقض الكبير والصراع العنيف، فالبُنَى الاجتماعية والسياسية التي تؤسس العلاقات توضح حجم الآليات التي تنظم العلاقات بين quot;السلطة quot; الحاكمة ونظامها القائم وبين quot;المعارضات quot; بكافة أشكالها التي غالبًا ماتوصف بالخروج على القانون وquot;التمردquot;.
هكذا تعوّد المواطن العربي في حواره مع طبائع الاستبداد في بلاده، والسودان على فوّهة بركانٍ يعكس سخونة الحراك السياسي المتفاعل والمتصارع، الامر الذي دفع بالعلاقات السياسية بين الأطياف الى حافة العنف المسلح والصراع الدموي، عاشها السودان ربما منذ عقود، غير ان الأزمة أخذت بعدًا دراماتيكيًّا في السنوات الخمس الأخيرة وتحولت الى قضية تخصّ المجتمع الدولي بأسره، مما دفع بالكثيرين الى الاعتقاد بأن هذه الدولة ولجت مرحلة جديدة في ظل المعادلات الإقليمية والدولية وجعلتها على جدول أعمال الدول النافذة.
وإذ نحيّنا جانبًا ما يتعلق بالتجربة quot;الإسلامية الفاشلة quot; في السودان ووقفنا عند المشتركات العامة لكل الحركات السياسية والفصائل السودانية، فإننا نسبر بوضوح أن القانون المتحكم في العمل السياسي والحزبي في السودان، لا يعدو عن مشروع يجعل من السياسي لاهوتا متحكما ومرجعية عليا لا تُراجع، ومعظم الفصائل والحركات عبارة عن نسخ متكررة تشكل الأحزاب فيها شركات مقاولات الكل فيها يعاني فخ السياسات العارية عن مشاريع!
ولا يمكن للمرء أن يعي أبعاد أزمة دارفور ما لم يعش في هذا الإقليم quot;المنكوب quot; فهو مترامي الأطراف شاسع المساحة وتعيش فيه قبائل كثيرة لها خصوصياتها الإثنية والاجتماعية والانتربولوجية ولكل قبيلة نمط عيش ومورد رزق ومهنة تحترفها وطقوس تمارسها وطريقة صوفية تتبعها!
هموم الانسان العادي quot;بسيطة جدًا ومتواضعة quot; لا تتجاوز سقف ضروريات العيش الآدمي، حيث ان دارفور كلّها تعيش مرحلة البدائية الحضارية؛ و بطبيعة الحال فالانسان الدارفوري لم يختبر تعقيدات quot;العمل المؤسساتيquot; والاداري لانه ببساطة لا يلجأ الا لقبيلته لمواجهة صعوبات الحياة، علاوة على ان quot;المؤسساتquot;غير موجودة أصلا! كما أنه بطبيعته الفطرية لا يكترث كثيرا بنزاعات الدول الكبرى واستراتيجياتها واهدافها، فما يهمه بالدرجة الاولى هو ان يكون آمنًا في مكانه معافى في جسده عنده قوت يومه !!
العرب نحو دارفور... لإنقاذ من؟؟
عجيبٌ هو وضع العرب! لا تأتي مبادراتهم إلا بعد فوات الأوان!
اخيرا قرر وزراء خارجيتنا الأكارم! من أسبوع فقط قرروا! وخرجوا من مصر quot;جارة السودان وشقيقتهquot; ليعلنوا عن تشكيل لجنة وزارية من ستة أعضاء برئاسة قطرية لرعاية مفاوضات سلام و تستضيفها الدوحة، بالتعاون مع الوسيط الدولي المشترك للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة بهدف تنسيق الموقف العربي والدولي لتحسين الأوضاع بالإقليم المنكوب.
نعم quot;مفاوضات سلام quot;! الكل يريد quot;السلام quot;! اي سلام؟! سلام للمواطن،ام سلامة الزعيم؟ وهل عند الجامعة العربية quot;خيل تهديها quot; قادرة على ضبط الفلتان الامني، أو quot;مالquot; ينهض بحال البؤس الانساني؟؟ أم انها ستكتفي quot;بإسعاد القولquot; ان لم يسعد الحال؟؟؟
وهل هذا تحرك عربي صرف؟ quot;عربي المنشأ والمآل؟؟ أم أن هناك قوى إقليمية ووضع استراتيجي جديد في المنطقة والعالم ككل أيقظ العرب فجأة بعد سبات خمس أعوام؟؟
ولنتجاوز عن هذه المسألة التي يعلم ربما الإجابة عنها كثير من الناس!
ماهي حقيقة التحرك العربي؟؟ هل هو لاحلال السلام الفعلي في اقليم عانى الويلات وقدم آلاف القتلى؟؟ أم هو لانقاذ رئيس عربي من ورطة المجتمع الدولي والمحكمة الدولية عقب صدور مذكرة مدعي محكمة الجنايات الدولية لويس مورينو أوكامبو حول تورط الرئيس السوداني عمر البشير بارتكاب جرائم ضد الانسانية واعمال التطهير العرقي في دارفور؟؟
أم أن شبح المحكمة الدولية خيّم على رأس كل زعيم عربي ؛ فخاف العرب على زعاماتهم فأسرعوا لانقاذ السوداني قبل ان يطال الدور quot;الباقين quot;؟؟
وهل مذكرة أوكامبو quot;سياسية quot; وشكل من أشكال هيمنة القوى الدولية وورقة ضغط على السودان للتنازل عن خيراته وموارده؟؟؟ أم أنها تستهدف العدالة لجُرح انساني نازف مارست السلطة السودانية خلاله جرائم حقيقية بحق القبائل ذات الاصول الزنجية وغير الزنجية التي تعاني نوعًا من العنصرية الموجهة ضدها وتتعرض لإبادة جماعية؟؟؟ وهل النظام السوداني يقف فعلا وراء دعم الجنجويد و يخطط لتدمير جزء كبير من المجموعات القبلية منهم الفور، والمساليت والزغاوة، لأسباب إثنية عرقية؟؟
أسئلة مشروعة و لا اجابات!
خوفٌ كبير وان لم يبح به أحد، فهل بعد العراق غير السودان! وهل العالم العربي مهدد بالسقوط دولة بعد دولة وشعبًا تلو آخر؟!
بدون شك فان quot;ثقافة العنفquot; التي اجتاحت عالمنا هي ردّة فعل لأنظمة احترفت الاستبداد، فهل تمتلك الجامعة العربية ndash; وهي وليدة هذه الانظمة- الجرأة لان تسمي الأسماء بمسمياتها و تدين العنف والاستبداد؟؟ ام انها ستمرر قضية السودان على طريقة العراق، ويترك الفأس الدولي ليقع في الرأس العربي؟
الجامعة العربية اليوم مطالبة واكثر من اي وقت مضى بالمضي قدمًا وسريعا لمعالجة محورين عاجلين مهمين في كل بلد عربي وهما:
اولا: العمل على وضع خطة تغيير عاجلة لبنية الانظمة السياسية في العالم العربي نحو ديموقراطية متكاملة تمأسس حول تطلعات الشعوب وطموحاتها،
ثانيًّا: مقاومة quot;ثقافة العنف quot; بعقلية براغماتية وليس بمجرد شعارات هنا وادانات هناك!
فهل ستمتلك الجامعة العربية الجرأة لان تضع quot;النظام السودانيquot; على سكة التغيير الديموقراطي وتمنح حركات التحرير السودانية حقوقها التمثيلية والقانونية؟؟
وهل ستمتلك الجامعة العربية الجرأة لان تدين quot; الجرائمquot; كائنا من كان مرتكبها وترفع الغطاء عنه؟؟
أم انها ستترك السودان يسقط كما سقط العراق؟؟؟
وماذا بعد، لقد استفاقت الجامعة العربية اليوم على وقع السودان! فمن سيوقظها على ايقاع الصومال النسي العربي المنسي ؟ وموريتانيا بلاد شنقيط؟
والحبل عالجرار!!