على مقربة من مرور عام على سقوط الجماعة الإخوانية الإرهابية بإرادة شعبية مصرية أصيلة، انشغل خلاله الكثير من الكتاب والمفكرين على تأكيد نهاية المشروع الإخواني فكرة وجماعة وتنظيما، وأن العمليات الارهابية الخسيسة التي لم يخل منها يوم خلال العام ما هي مؤشرات حقيقة على ما يذهبون إليه، لكن ذلك قد لا يؤيده البعض وله في ذلك أسبابه ودوافعه، من هنا كان هذا التحقيق حول نهاية الجماعة الإخوانية ومشروعها، هل انتهت الجماعة؟ هل انتهى مشروعها؟ ومتى تنتهي وينتهي مشروعها إذا لم تكن انتهت أو انتهى مشروعها؟.
على الرغم من أن البعض قد يرى أن التساؤل حول نهاية المشروع الإخواني ومن ثم الجماعة والتنظيم سابق لأوانه، فقد جاء هذا التحقيق وطرح هذه الأسئلة على الكتاب والمثقفين محاولة أخرى للتعرف على رؤيتهم لوضع الجماعة الإخوانية الراهن والمستقبلي خاصة وأن هناك توافق وتحالف بين الدول ذات التأثير عربيا وإقليميا وعالميا اعتبرت الجماعة تنظيما إرهابيا، فمصر ليس وحدها التي تعمل على مكافحة إرهاب الجماعة وتدرجها كجماعة إرهابية.
على أية حال نحن في هذا التحقيق نرسم رؤية مغايرة لرؤية السياسيين والاسلاميين، يضعها مثقفون وكتاب من مختلف الأجيال والتيارات، لذا سوف تختلف الرؤية في كثير وتتفق في قليل، على مدار جزئين.

ضربة في عمودها الفقري
بداية يرى الكاتب الروائي صبحي موسى أن جماعة الإخوان المسلمين تكونت وعملت في الشارع المصري على مدار ثمانين عاماً، واستطاعت أن تطور نفسها لتصبح تنظيماً دولياً، يتقاطع كثيراً مع التنظيم المحلي لكنه في كل الأحوال تنظيم مستقل ومترابط مع حكومات وأنظمة خارجية كثيرة، بعضها يؤمن بأفكاره وبعضها يؤمن بترابط المصالح بينها وبينه. ويؤكد أن هذه الحالة المعقدة تقول إنه من الصعوبة الحديث ثقافياً عن نهاية الإخوان بهذه السرعة، فالجماعة التي تقوم على استحضار المشاهد التاريخية وتجعل من شخوص باهتة أنبياء لها كحسن البنا وسيد قطب وغيرهما سوف تجعل من مرسي نبي الديمقراطية، وسوف تتباكي عليه كما يتباكي الشيعة على الحسين، وهي فكرة رومانسية ستجذب الكثيرين في عمر الشباب، لكن ذلك لا يعني أنها تلقت أكبر ضربة في عمودها الفقري، وأن الدولة المصرية بكل ثقلها أصبحت في عداء واضح معها، لكن على الدولة المصرية أن تكمل على عدة محاور كي تنهي هذا الشبح من الوجود، أولها تتبع رؤوس أموالهم ومصادرتها، فلديهم العديد من الرجال غير المعروفين الذين يتاجرون لهم، عليها أن تسعى للخلاص من رموز التنظيم الدولي في الخارج لإرباك حساباته، عليها أن تقيم اتفاقات قوية مع العديد من البلدان الغربية والعربية لملاحقة هذا التنيظم وتجفيف منابع تمويله، في النهاية سياسياً لا أعتقد أن الإخوان أو حتى السلفيين سيكون لهم حضور سياسي، لأن الدستور ينص على عدم وجود أحزاب لها خلفية دينية، لكن ذلك لن يمنع من تسرب بعض الأشخاص ذوي الانتماءات الروحية للإخوان إلى بعض الحكومات المتعاقبة، لكنه لن يستطع أن يعلن عن انتمائه وربما سيضر للعمل ضد هذا الانتماء لتأكيد نقائه وانتمائه للدولة الجديدة.

نهاية مشروع الإسلام السياسي كله
ويقرر الكاتب والشاعر مصطفى عبادة أن الجماعة انتهت مبدئيا كتنظيم حديدي وتم اختراق جميع قواعدها ومعرفة حتى الخلايا النائمة فى أعماق قرى الصعيد، ومشروع الاسلام السياسي انتهى للابد كحكم منتظر أو طوباوي بعد تجربة مرسى ورفاقه القتلة وظني ان صعود الإخوان بهذه السرعة كان مخططا له وليلة الأمس الاثنين كنت أراجع مفكرتى عن عام 2013 ووجدت فيها لقاء مع أحد الخبراء الأمنيين وكنا فى ندوة حول ما سيحدث يوم 30 يونيه، وقال لي بالحرف الواحد "صعود الأخوان مدبر وتم التخطيط لإنهائه مبكرا".
ويضيف عبادة "ليس معنى هذا أن الدولة كانت تتآمر عليهم بل كانت تراقب سلوكهم الوطنى ومدى إيمانهم بفكرة الدولة المصرية كحدود جغافية سياسية مستقرة وليست جزءا من أي شىء أكبر منها، لكنهم مع الأسف خذلوا أنفسهم وخذلوا دولتهم وخذلوا شعبهم، وأذكرك بمقولة الإخواني العتيد والذكي فى الوقت نفسه "راشد الغنوشى" حين قال لإخوان تونس "أنعى إليكم إخوان مصر" عندما رشحوا مرسي للرئاسة، هذا أولا، أما ثانيا فمسلك الإخوان في الشارع كشف العديد من عورات فكرهم السياسي وتعاليهم على الناس، حينما كانوا يقولون فى وجه معارضيهم: ماذا رأيتم من الإسلام حتى تكرهوه؟ أو قولهم "بدت البغضاء في أفواههم وما تبدي قلوبهم أعمق"، وهي آية قيلت فى سياق بداية الدعوة عن الكفار والمنافقين فكأنهم وضعوا المصريين جميعا فى خانة اللكفر .
ويؤكد عبادة أن التنظيم انتهى وبقى بعض الجهلاء، وينتهى المشروع عندما تصبح الدولة جادة في إشاعة الفكر وإتاحة الثقافة فى الأقاليم.

لا لم تنته الجماعة ولا المشروع
ويلفت الكاتب والصحفي سعيد شعيب إلى أن جماعة الإخوان لم تنته ولا حلفائها من بعض الفصائل الإسلامية. ويقول "طوال الوقت ينضم إلى هذا التنظيم السري في كل العهود، قبل الثورة وبعدها، اعداد تقدر بالآلاف من المصريين، هذا بالإضافة الى امتداد هذا التنظيم السري الدولي في الخارج. أضف علي ذلك آلاف المتعاطفين من المصريين وآلاف أو أكثر غيرهم في الخارج. ثم أنه من المستحيل انهاء فكرة أو ايديولوجيا بالعنف ولا باستخدام السلاح ولا بالعصف ولا بالسجن ولا بغيرها من ادوات القمع".
ويوضح شعيب أنه كانت هناك فرصة ذهبية لتنظم الإخوان بعد ثورة يناير لأن يندمج في المجتمع ويشارك في الحكم. لكنه لم يتخلى عن التنظيم السري المحلي والدولي ولم يتخل عن مشروعه غير الواقعي بتأسيس دولة دينية بطلاء ديمقراطي. وتكررت الفرصة مرة أخرى بعد مظاهرات 30 يونيو، حيث كان من الممكن عمل انتخابات رئاسية مبكرة مثل الدول الديمقراطية
&المحترمة. لكن تنظيم الإخوان رفض. والحقيقة ايضاً أن الطرف الثاني الذي تولى الحكم بعد الإطاحة بالإخوان "الجيش وحلفائه من النخبة السياسية" لم يكن يرغب في هذا الحل. وشد الطرفان "الإخوان وخصومهم" الحبل حتى نهايته ووصلنا الى ما نحن فيه الآن. إرهاب دموي مدعوم بشكل أو اخر من الإخوان وحلفائهم. وديكتاتورية تعصف بالحريات الفردية والعامة "سجن وتعذيب وقتل". ولا يمكنني التنبؤ بالمستقبل، لكنه على كل الأحوال أسود على المصريين.

انتهى التنظيم وبقيت الفكرة
ويتوافق الكاتب والشاعر جمال القصاص مع القول بعدم نهاية الفكرة ويتفق مع نهاية التنظيم الإخواني، ويقول "مازلنا نعيش فوضاها، وآثارها& الملتوية في& الشقوق، وهي كثيرة في جسد وطن يتساند على تراث منهك من الوطنية والثورة، وعلى دولة لم تقدم& حكوماتها المتعاقية خلال& أكثر من 3 سنوات على ثورة 25 يناير حلا واحدا& لواحدة من مشكلاته المتشعبة والمعقدة سياسا واجتماعيا وثقافيا. نعم انتهت الجماعة كتنظيم ، لكن كفكرة& لم تزل تراوح سياسة النفس الأخير، مستخدمة كل الطرق القذرة من الارهاب والترويع والتخريب والقتل والعمالة من أجل& إطالة& هذا النفس.
ويضيف القصاص "مشروع الاخوان هدفه الوصول إلى السلطة، لكنه اصطدم& بسلطة قوة الدولة خاصة في عهد عبد الناصر، ثم تنفس& بعض الهواء في عهد السادات، ثم أصبح لاعبا مدجنا من خلف الكواليس لاضفاء صبغة ديمقراطة زائفة على اللعبة الساسية في عهد مبارك، في كل هذه الفترات استفاد الاخوان من ثغرات& الدولة، وأدركوا لتحقيق حلمهم& أنهم& يجب أن يتخلصوا من& ازدواجية عقيدة الجماعة، والمتمثلة في الإسلام كما تراه الجماعة، والاسلام كما تعيشه تحت مظلة الدولة. ومن أجل ذلك& ظلوا يراوحون في منطقة وسط رمادية بين من هم مع ومن هم ضد الدولة. لكن هذا الإدراك المربك ظل& شكليا، ومحض قناع سياسي للتمويه على العقيدة كما يراها هم أولا وأخيرا".
ويؤكد أن جماعة الاخوان ستنتهي تنظيما وفكرا& حينما& تبدأ الدولة، وتتجسد في قوة القانون، وإشاعة مناخ الحرية والعدل والنقد كقيمة مضافة وخلاقة& في المجتمع.

المجتمع غير ناضج فكريا
ولا يظن الناقد والأديب محمد الدسوقي أن جماعة الاخوان انتهت ولو حتي بشكل جزئي - الاشكالية أنهم جزء من فكر المجتمع العربي، وليس الأمر بسيطا لدرجة أن عزلهم من حكم مصر مثلا - ليس سوي مجرد إبعاد عن السلطة، ومقاومتهم الأمنية الآن قد تخفت أصواتهم أو تفقدهم بعض طرق العنف التي يستخدمونها، ولكنها أبدا غير قادرة علي انهاء هذه الجماعة وحلفائها، لأن المجتمع بطبيعته غير ناضج فكريا، ونسبة الوعي حتي بين المثقفين لا تختلف عن عوام الناس، ولهذا لا تتعجب حين ينحاز البعض ممن ظنناهم أصحاب فكر أو ثقافة الي هؤلاء - ذلك أن الأمور أكبر بكثير من مجرد جماعة تريد الاستيلاء علي السلطة، ولهذا فاللعبة كبيرة جدا، حتي ممن سيتسلموا السلطة كبديل مناويء لهم - لن يتغير شيء، اللهم في الشكل، أما المضمون ، فيحتاج الي إعادة صياغة العقل العربي، في كل شيء. وهو ما يحتاج الي سنوات طويلة لاصلاح ما أفسده كل الحكام - بداية من عبد الناصر الي السيسي المتوقع قريبا، فهل يستطيع ونستطيع معه أن نسقط خيمات الأكاذيب والماكياج والملابس المستعارة، هل نستطيع إعادة الوعي عن طريق تغيير خطابات التعليم والدين والوطن.. هل نستطيع أن نتغير، ومن ثم نغيّر ما نحن فيه.

مرحلة الكمون
الكاتب والروائي حمدي البطران أيضا لا يعتقد في نهاية جماعة الإخوان المسلمين لمجرد إزاحتها عن الحكم، ويقول "إنهم لن ينتهوا، حيث تبقي أفكارهم التي تبنوها والممثلة في أدبياتهم في كتب أوائلهم، وهي أدبيات تخلط الدين بالسياسة والحكم، وعموما جماعات الإسلام السياسي كلها وليس الإخوان تتبنى فكرة الكمون، والنوم الطويل ثم معاودة الظهور".
&ويوضح "بعد اعتقالات 1965 ظلوا كامنين حتي قام السادات بتقريبهم طمأنتهم، وأعطي قياداتهم الأمان فعادوا، ومن عباءتهم خرجت جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية، وبعد السادات سمح لهم مبارك بالعمل على أن يظلوا كامنين ولا يظهروا كحزب أو جماعة، لكنهم تغلغلوا وأصبح لها تنظيما دوليا، وحين قامت ثورة 25 ركبوها واستولوا على الحكم".
ويعتقد البطران أن الإخوان الآن يحاولون في النزع الأخير بذل كافة جهودهم لتعطيل خارطة الطريق المصرية وإقناع محور الشر بعدالة قضيتهم، ولكن ستضغط عليهم الأجيال الشابة منهم، وسيلزم شيوخهم طور الكمون كما لزموه من قبل، وخلال تلك الفترة سيعلمون الأجيال الجديدة نظريتهم في خلط السياسة بالدين، وفقه شيوخ الفتنة ابن تيمية وسيد قطب وغيرهم. وستجد أيضا من يؤيدها ولكن بعد حين.

حكم الثورة الحقيقي
ويرى الكاتب والشاعر عبد الوهاب الشيخ أنه لا مستقبل للإخوان في مصر لأنهم فشلوا في الإجابة على الأسئلة الأساسية التي تهم الناس، تلك الخاصة بالعدل والحرية والكرامة طوال الفترة الماضية. يمكنهم فقط أن يعيشوا على أنقاض دولة مبارك المتهاوية وامتدداتها المستقبلية. أما إذا حكمت الثورة بمعناها الأعمق من تغير حقيقي في الفلسفة والرؤى والأفكار، فقطعا لن يكون لهم وجود حقيقي إلا باعتبارهم جزء من التاريخ غير المرغوب فيه للدولة المصرية.
&