دخلت منطقة الشرق الأوسط حالة إنذار وقلق من نشوء حرب بين إيران وإسرائيل على أثر الهجوم الذي شنته الطائرات الإسرائيلية على الملحقية الإيرانية في دمشق ومقتل سبع شخصيات قيادية إيرانية بضمنهم الجنرال محمد رضا زاهدي مسؤول الحرس الثوري الإيراني في سوريا ولبنان، وقد عد المراقبون هذه الضربة بالأقسى والأكثر تأثيراً بعد اغتيال قاسم سليماني في مطار بغداد مطلع عام 2020.

ما يزال العالم يترقب حدوث ردة الفعل الإيرانية وقد اجتهد العديد من المحللين بالنفي أو الإثبات لحصول الرد الإيراني وطبيعته وأماكن حدوثه، وقد ذهب البعض بالاعتقاد لتوسع الحرب ودخول دول عربية وأطراف دولية وقد تجر إلى حرب عالمية بحكم امتداد أذرع إيران وقدرتها على منع مرور البترول عبر الخليج العربي والبحر الأحمر وقطع إمدادات التجارة العالمية، وقد اتَّسَع أفق فضاء الإعلام العربي والعالمي عبر الفضائيات لتأويلات وتحليلات تتجه أغلبها إلى عدم تأخر الرد الإيراني لأن في ذلك هزيمة نفسية لإيران وحلفائها في المنطقة، وهي التي ما انفكت تهدد بتدمير تل أبيب ومسح إسرائيل من الخريطة إذا تجاوزت الخطوط الحمراء وارتكبت عدوانا مباشراً ضد إيران، وها هي إسرائيل تحقق رقماً قياسياً بالاعتداءات على إيران دون رد.

إنَّ المتابع لسلسة التوترات والمناوشات والتهديدات بين البلدين وطبيعة العلاقة العدائية بينهما خلال السنوات الخمس الأخيرة، يدرك تماماً أن لا حرب بين إيران وإسرائيل مهما تمادت الأخيرة في اعتداءاتها على إيران، سواء بالمباشر داخل الأراضي الإيرانية مثل قصف مفاعل "نطنز" واغتيال كبير خبراء المشروع النووي، أو غير المباشر مثل قصف مواقعها ومستودعاتها وقتل ضباطها وجنودها في سوريا ولبنان!؟

إقرأ أيضاً: الديمقراطية العراقية: الإله الذي فشل!

لن تقع حرب مباشرة بين إيران وإسرائيل بالرغم من الرغبة الجامحة التي تندفع بها إسرائيل لسحب إيران إلى حرب مباشرة، لكن إيران تدرك، رغم البروبكندا الإعلامية والتهويل بقدراتها العسكرية وقوتها الصاروخية والبالستية، تدرك المخاطر المهلكة من الحرب المباشرة، بل هي شديدة الحذر من وقوعها في كماشة الأسلحة الإسرائيلية والأميركية القادرة على إيقاع الشلل التام بالقدرات الإيرانية وجعلها فريسة عاجزة أمام جيل جديد من الأسلحة الأميركية الإسرائيلية التي سوف تدخل الخدمة لأول مرة، ولا نتحدث عن طائرات الشبح b2 وb21 وال F35 وغيرها من أسلحة لم تعرفها الحروب السابقة.

الحذر الإيراني يرفع مظلة "الصبر الاستراتيجي" لكي يتخطى موقف التصادم مع إسرائيل أو أميركا مباشرة لأنها تعرف عواقب ذلك، لكنها سوف ترد عبر وسائل تستخدم فيها الساحات العربية من خلال تحريك الفصائل المسلحة التابعة لها والمنتشرة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، كما وظفت وسائل جديدة في الضغط والابتزاز عبر تحريك الاحتجاجات في الدول العربية من خلال تنظيمات الإخوان المسلمين التي صارت تتحرك وفق توجيهات قادة حماس والجهاد خالد مشعل وغسان هنية وزياد نخاله وغيرهم. إيران استخدمت هؤلاء من أجل تكريس جماهير الإخوان خصوصاً في الأردن ومصر، وجعلهم أدوات ضغط إضافية بيدها، وقد وجدت هذه الجماهير الإخوانية متنفساً لها في التحرك وتحدي النظامين الأردني والمصري تحت شعار الدفاع عن غزة، والهدف من ذلك تمزيق هذه المجتمعات طائفياً وتعميم الفوضى في أوساطها السياسية والاجتماعية ومحاولة إسقاطها وتسليم سلطاتها لقيادات إسلاموية تابعة لإيران، توجه حركي جديد وسلاح لا يكلف إيران كثيراً، لكنه فعال في الضغط على إسرائيل ومحاربتها عبر هذه الوسائل الدفاعية - الهجومية ، أي حرب تخوضها أطراف عربية بالإنابة عن إيران، وإذا كانت بعض الساحات الشيعية المتطرفة تخضع للقرار الإيراني، فإنها اليوم تسيطر على بعض الساحات السّنية الإخوانية المتطرفة في مشروع تخادم يجمع بين مصالح إيران وقيادات الأخوان، بعد أن أصبحت منبوذة فلسطينياً وعربياً وليس محط اعتراف دولياً.

إقرأ أيضاً: العرب والحلم النووي

إيران لن تخوض حرب عسكرية بعد التجربة المريرة التي خاضتها في حربها ضد العراق وتسببت بتحطيم قدراتها، فكيف الآن بعد جملة من الأزمات الداخلية العميقة التي تعصف بها مثل الأزمة الاقتصادية والصراعات الداخلية وتنامي أنشطة المعارضة البلوشية والكردية وغيرها من أزمات.

نعم سوف تنطلق صواريخ إيرانية الصنع من الحدود العراقية السورية أو من لبنان أو اليمن لتغرق سفينة تجارية، لكن ما تتحدث به أوساط سياسية وإعلامية إيرانية عن ردود تدميرية لإسرائيل وإنَّ الأخيرة طلبت من إيران عدم قصف الداخل الإسرائيلي، تغطية لما يتعذر على إيران فعله في حرب أصبحت أشبه بالمستحيلة.