المساعي المحمومة التي بذلها النظام الايراني منذ تأسيسه وحتى يومنا هذا من أجل إظهار حرصه المفرط بالقضية الفلسطينية ومن إنه الاکثر إهتماما بها ودعما وتإييدا لها، لم تعد بذلك التأثير السابق الذي کان لها خلال الاعوام الماضية، وحتى إن المناسبات التي يقيمها من أجل إبراز إهتمامه الخاص والکبير الذي يتجاوز إهتمام دول العالمين العربي والاسلامي بها، لم تعد هي الاخرى بذلك البريق واللمعان السابق، والذي يمکن أن يجعل القادة والمسٶولون في النظام الايراني يشعرون بالخيبة والاحباط من جراء ذلك، هو إن هذا ماقد جرى وبصورة أکثر وضوحا من أية فترة أخرى، خلال الحرب الدموية الدائرة في غزة والتي حاول النظام الايراني بأکثر من طريقة واسلوب توظيفها لصالحه وجعلها في خدمة مشروعه في المنطقة.
بسبب من أوضاعه الداخلية المتوترة وتراجع هيبته على صعيد المنطقة، فإن النظام الايراني وفي غمرة إستعجاله لتوظيف حرب غزة لصالحه، فقد قام بالسعي من أجل أن يخطو خطوات أکبر من تلك المسموح له على مستوى المنطقة الى الدرجة التي تدفع بالمنطقة الى شفير هاوية حرب لا يعلم نهايتها وماستؤول إليه من نتائج إلا الله تعالى. وهذا هو الذي دفع بلدان المنطقة والعالم للشعور بالتوجس والقلق من جراء ذلك خصوصا وإن في المنطقة ما يکفيها من مشاکل وأزمات وأوضاع مضطربة بحيث تجعلها في غنى کامل عن غيرها.
بمناسبة الهجوم الذي جرى على قنصلية النظام الايراني في دمشق، فإن الملاحظة المهمة جدا والتي نسعى من أجل تسليط الضوء عليها، هي إن قنصليات وسفارات النظام الايراني في بلدان العالم وبشکل خاص في المناطق المتوترة أو تلك التي تهم النظام لسبب أو آخر، قد أصبحت بمثابة أوکار مشبوهة يقوم النظام الايراني من خلالها بممارسة نشاطات مريبة تتجاوز بکثير الأعراف الدبلوماسية وحدود العلاقات السياسية، وقطعا فإن للنظام الايراني ماض عريق بهذا الصدد ولا سيما في سفاراته في بلدان بالمنطقة وأخرى في أوروبا والأميرکيتين وحتى أفريقيا.
ولئن کان النظام الايراني قد صدع رؤوس العالمين العربي والاسلامي بمزاعم کونه الاکثر حرصا على القضية الفلسطينية وإنه الاکثر دفاعا ودعما تإييدا لها، لکن حسابات الربح والخسارة تدعون وبإلحاح للبحث في هذا الادعاء وهل إن الفلسطينيون لم يعد لهم من حريص وداعم ومٶيد لهم سوى النظام الايراني؟ نتساءل؛ مالذي حققه النظام الايراني من مکاسب للشعب الفلسطيني على أرض الواقع بشکل خاص وعلى الصعيد الدولي بشکل عام؟ هل تمکن من تغيير البوصلة لصالحهم؟ هل جعلهم يتمتعون بأوضاع أفضل من السابق؟ هل قدم القضية الفلسطينية خطوات کبيرة غير مسبوقة الى الامام؟ قطعا إن أي شئ من ذلك لم يتحقق بل إن الذي جرى ويجري لحد الان هو إن هذا النظام بتدخلات المشبوهة في القضية الفلسطينية وحتى کونه قد أحدث أکبر إنقسام وإنشقاق بين أطرافها السياسية، قد جعلها تبدو أضعف من أي وقت آخر.
القضية الفلسطينية وبعد أن سعت أطراف إقليمية ودولية الى إيصالها الى مستوى حل الدولتين وحسمها بالطريقة والاسلوب الذي يضمن الامن والسلام في المنطقة، فإن النظام الايراني قد سعى ويسعى من أجل إبقائها متوترة وتغمرها حالة من الضبابية، وهو الامر الذي لايمکن أبدا أن يخدم مصالح الشعب الفلسطيني ويحقق مايرنو إليه من حرية وکرامة يمکن توفيرها من خلال حل الدولتين، وغير ذلك ليس سوى البقاء في دائرة الموت والدمار والحروب التي لانهاية لها!
التعليقات