كادت النساء المغربيات إلى وقت قريب، ان يفقدن الأمل في الوصول إلى حقوقهن، بعد أن خاضوا نضالات طويلة دشنتها الحركة النسائية منذ استقلال المغرب عام 1956، واذا كانت النساء حققن جزءا من المطالب الحيوية في التعليم والعمل، فقد ظلت حقوقهن قيد الصراع بين فئات مجتمعية وعقليات صعبة،التي أرادت تغييب حضور النساء وتطورهن واسهامهن في مختلف مجالات الحياة.

ويحسب للمغربيات روح الوعي المتقد بوجودهن وكينونتهن والنضال الذي توج في نهاية عقد التسعينات من القرن الماضي بارادة الملك محمد السادس، الذي مافتىء يؤكد على ضرورة ادماج المرأة المغربية في تنمية بلدها ،ولعل عهده الذي يحتفي هذه الايام بمرور ربع قرن على توليه مقاليد الحكم، يعد من أزهى عهود الدولة العلوية الشريفة في التعامل والإنصات لصوت المرأة المغربية.
كان العاهل المغربي باستمرار يعطي إشارات قوية تبين مدى فخره بدور النساء، ويتذكر الجميع الخطوة الكبرى التي دشنها بتقديم عقيلته الأميرة للاسلمى للعالم وتمتيعها بالظهور العلني من خلال اشراكها في عدة أنشطة اجتماعية وإنسانية، وكذا اتاحة المجال أمام شقيقاته الأميرات للامريم وللا حسناء وللا أسماء للمشاركة في التحسيس والتوعية بعدد من القضايا الاجتماعية والبيئية، كما ان عهده عرف تعيينات لعدد مهم من النساء في الحكومة و مناصب عليا.

ولعل الثورة الناعمة المثيرة بداية الالفية التي دشنها الملك محمد السادس هي تلك التي قدم فيها النساء في مجلسه الديني الرمضاني (الدروس الحسنية) ،حيث بدا واضحا أن الملك يعطي إشارات قوية للعقليات المحافظة بشأن دور المرأة ومكانتها العلمية الرفيعة التي لاتقل عن زملائها الرجال وتحسب للملك محمد السادس هذه الخطوة الجبارة لتمكين النساء ،حيث دعا الدكتورة رجاء مكاوي الناجي آنذاك وهي أستاذة التعليم العالي باحثة في العلوم القانونية لإلقاء درس في حضرة العلماء والوزراء والسفراء، تلتها أسماء أخرى مثل الدكتورة القاضية سعدية بلمير والدكتورة الجامعية العالية ماء العينين وأخريات.

وبالرغم من حساسية الموضوع وقداسة الصفة التي يحملها الملك كأمير للمؤمنين كسر القواعد وأبان عن انخراطه القوي كانسان أولا يقدر النساء ولا يقصيهن من أي مجال.

واكب الملك محمد السادس نضالات النساء، وراقب عبر حكومته واقترب من نبض مجتمعه على مدى سنوات حكمه ورأيناه كيف وشح صدور مغربيات سطعن داخل المغرب وخارجه حيث لم يحل أي احتفال بعيد الشباب او العرش باستقبال عدد مهم من نساء المغرب اللواتي اجتهدن ومثلن بلدهن خير تمثييل.

وجاء الخطاب الملكي الحاسم في أكتوبر 2003 ليقول كلمته ويؤسس لقانون جديد للأسرة المغربية تحت مسمى "مدونة الأسرة "التي كانت اللبنة الأولى لقانون وضعي ينظم حياة الاسرة ويعلن رسميا ان المرأة والرجل مسؤولان معا عنها، وفصل في عدد من البنود والفصول القانونية التي تتعلق بسن الزواج وتأطير الطلاق الذي لم يصبح مطلقا في يد الرجل، وحد بذلك من عدد هائل من حالات معلقة عانت الويلات ،وبذلك أصبح العاشر من أكتوبر يوم عيد المرأة المغربية الذي تبنته الحكومة أنذاك احتفالا بالنساء.

كانت فرحة المغربيات كبرى اذ حدث انفراج جميل في أوساط الحركة النسائية التي تجندت منذ عقد الستينات من القرن الماضي للدفاع عن حقوق النساء. كما كان للملك الفضل في تفعيل قانون الجنسية للمغربيات المتزوجات من أجانب ،لم يبخل الملك يوما بتعاطفه على النساء وقضاياهن ولم يتردد في مساندة مطالب مشروعة شكلت أزمة كبرى في زمن مضى حين تم الاعتراف قانونيا بحق النساء السلاليات اللائي اصبح لهن اليوم حق الميراث من نصيب الأراضي السلالية (الجماعية) التي كانت تظل حكرا على الرجال بشكل تعسفي مارسته التقاليد والأعراف القبلية.

وبدا جليا منذ اعتلاءه العرش أنه يولي أهمية قصوى للموضوع، كما لا ننسى أنه في عهده عينت أعداد مهمة من النساء كسفيرات وأيضا في مناصب عليا وعلى رأسها المجلس الأعلى للحسابات الذي مازالت تترأسه امراة ومجلس حقوق الانسان وصندوق المقاصة و الهيئة العليا لمجلس المسموع والمرئي الى جانب نساء في مناصب السلطة برتب رفيعة. ووقفنا في فترة الجائحة مدى انخراط القائدات في تدبير مهامهن الترابية في العديد من المدن والقرى، دون ان ننسى الحدث البارز خلال 2018 حيث سمح القانون للنساء بممارسة مهنة العدول في خطوة جريئة واستباقية. كما نستحضر نساء من مختلف الاعمار اللائي بصمن عالم المال والأعمال دون اغفال المكانة المتميزة لنساء التعاونيات الفلاحية واشعاع انشطتهن التي طورت وضع القرويات ومنحت لمنتوجاتهن صيتا عالميا.
لايمكن أن يجادل احد في المكانة التي يوليها الملك محمد السادس لنساء بلده وعنايته الراقية بهن، وقد كان العالم بأسره شاهدا على استقبال بهي يفيض بالحنو والأبوة والمحبة ،حين استقبل لاعبي كرة القدم المتألقين في مونديال قطر وأمهاتهن، وكان الحدث استثنائيا يسجل قربا إنسانيا لافتا من ملك عطوف على أمهات مكافحات، لايمكن أبدا أن تمحو الذاكرة المغربية الجماعية تلك اللوحة الراقية التي جمعت الملك بالأمهات حين استند الملك على كتف أم احد اللاعبين المرموقين ليلتقط صورة تاريخية تحبل بالمعاني الإنسانية والمحبة ،ومازالت العناية الملكية مستمرة مع ماشهدناه اخيرا من نقاش مجتمعي واسع عن ضرورة تغيير جديد في المدونة لمواكبة تطور المغربيات اللائي تفوقن أحيانا كثيرة على الرجال وهذا ماتبينه إحصاءات ودراسات عن مستوى النجاح في مختلف التخصصات العلمية آخرها نتائج الباكالوريا (الثانوية العامة) لهذه السنة التي كانت فيها الفتيات الأكثر تفوقا في كل جهات المغرب.

ومازال الملك محمد السادس يستقبل كل الاقتراحات بصدر رحب وينصت لنبض النساء في المجتمع، حين اصدر أوامره للحكومة بفتح النقاش والتشاور مع كل مكونات المجتمع وتشكيل لجان رفيعة المستوى للتباحث حول تغييرات جديدة في مدونة الأسرة لتمكين النساء أكثر، وهو الأمر الذي وصل اليوم الى نهايته تقريبا، بعد أن امر برفع كل الآراء والتعديلات لمجلس العلماء.
ثمة اجماع تام على عناية الملك محمد السادس وحساسيته فيما يخص شؤون النساء والأسر، ولولاه لما تقدم ملف مدونة الأسرة الذي عرف عدة تجاذبات بين مختلف الاطياف السياسية والمجتمعية.

لقد جازف الملك محمد السادس، أحيانا بمكانته الدينية الثقيلة كأمير للمؤمنين في سبيل قضايا النساء،وهن بدورهن يعترفن دوما بحضوره الأساسي في انصافهن واصراره على أن يكن دوما حاضرات وبقوة في كل مناحي الحياة اليومية ليساهمن في تنمية مغرب الغد. إنه الملك الذي لم يرد يوما طلبا للنساء ،لأنه يقدر عطاءاتهن وكفائتهن التي يبرهن عليها كل يوم، لذلك فهن باستمرار ممتنات لملكهن، يهتفن باسمه عند كل ضيق أو خيبة أمل، يعرفن جيدا أنه الملاذ الأخير، وأن بابه مفتوح لهن دائما ليكون السند والحكم.