عام 2024 سيُسجَّل في ذاكرة التاريخ كعام الهزائم الثقيلة والمتتالية للنظام الإيراني.
المقاطعة الشعبية الواسعة لانتخابات مجلس الشورى ورئاسة الجمهورية تحدّت شرعية النظام. مقتل إبراهيم رئيسي، الرئيس الذي كان يمثل مرحلة التصلب والقمع المتزايد، وثمرة سنوات من سياسة "التصفية" التي انتهجها خامنئي، أدى إلى زعزعة بنية السلطة.
على المستوى الإقليمي، أدى سقوط بشار الأسد، الدكتاتور السوري، إلى قطع طريق نقل الأسلحة إلى الوكلاء، مما أسفر عن انهيار محور المقاومة. كما شكّل موت حسن نصر الله ونائبه ضربة قاسية للنظام في لبنان، في حين تراجعت قوة وكلاء النظام في مناطق أخرى.
والآن، بعد مرور 16 شهرًا على إشعال النظام للحرب في غزة، يرى العديد من المراقبين، لا سيما في الدول العربية، أن جذور سلسلة الهزائم التي يواجهها خامنئي تتفق تمامًا مع ما أشارت إليه المقاومة الإيرانية منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، عندما كشفت عن الخاسر الرئيسي في هذه الأحداث.
كتبت صحيفة "العرب" اللندنية في 30 كانون الأول (ديسمبر) 2024 حول هذا الموضوع: "سيُعرف عام 2024 بعام فشل مشروع التوسع الإيراني في المنطقة. السؤال الأساسي هو: كيف سيواجه النظام الإيراني هذه الهزيمة التي يبدو أنه غير قادر على استيعابها؟ إن جذور هذه الهزيمة تكمن في محاولة النظام ابتلاع لقمة أكبر مما يستطيع هضمها".
اللعب "داخل إيران"!
في العام الماضي، تغيّرت كل المعادلات لصالح معارضي النظام وضده. ما كان يخشاه خامنئي قد وقع على رأسه. أراد إشعال الحروب في غزة ولبنان وسوريا، ليبقي المعركة عند خطوط دفاعية إقليمية وبدماء شعوب المنطقة، لكنه الآن يواجه واقعًا جديدًا؛ إذ انتقلت ساحة المعركة إلى مكان آخر: إلى داخل إيران نفسها!
هذا الأمر كان هاجسًا دائمًا لخامنئي، وقد أشار إليه مرارًا في خطبه السابقة، مؤكدًا: "إذا لم نغلق الجبهة الأمامية مع العدو على شواطئ البحر المتوسط، فسنضطر للقتال في شوارع إيران!".
والآن، لم تعد لبنان "ساحة اللعبة"، ولم تعد سوريا "ساحة اللعبة". لقد انتهت اللعبة التي كان يديرها النظام الإيراني في لبنان وسوريا. والآن، تدور اللعبة في مكان مختلف؛ في داخل إيران. هذا التحول يفرض على النظام مواجهة الحقيقة المؤلمة بأن سقوط نظام الأسد في سوريا يؤثر مباشرة على الجمهورية الإسلامية ويعرّض مستقبلها للخطر.
وتطرح صحيفة "العرب" اللندنية السؤال الجوهري: "كيف يمكن لإيران أن تنقذ نفسها؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن يجيب عليه عام 2025".
"نظام دكتاتوري" باسم "الثورة"!
دفعت الهزائم الأخيرة التي مُني بها نظام ولاية الفقيه العديد من المحللين إلى تحليل أسس هذا النظام والكشف عن جذوره. فقد سلطوا الضوء على دور خميني في نشر التطرف الديني وفضحوا المفاهيم الأساسية للنظام مثل "تصدير الثورة" و"محور المقاومة" وغيرها، ووضعوها تحت المجهر.
جاء في تقرير نشرته الحرّة بتاريخ 24 كانون الأول (ديسمبر) 2024: "منذ بداية هذه الثورة، طرح خميني، القائد الأعلى للنظام، فكرة تصدير الثورة إلى الدول المجاورة وحتى الدول الغربية. ومع ذلك، تختلف هذه الثورة عن الثورات الأخرى، لأنها لم تأت بأفكار أو مفاهيم جديدة تسهم في تقدم البلاد في مجالات الديمقراطية والحريات. بل على العكس، تحولت إلى نظام ديكتاتوري استبدادي يقيد الحريات".
أخطبوط بلا أذرع!
أعرب خبراء وباحثون إقليميون عن دهشتهم إزاء الوضع المتداعي والعاجز للنظام الإيراني، مشيرين إلى أنه أصبح أشبه بـ"أخطبوط فقد أهم أذرعه في خريطة الشرق الأوسط". ويبدو أن النظام بقيادة علي خامنئي قد أنهك بشدة، خاصة بعد الحروب التي أدت إلى تدمير أبرز الأذرع التي كان يعتمد عليها في التدريب والتسليح والتمويل. والسؤال المطروح هنا: ما الذي حلّ بـ"إمبراطورية الأذرع" التابعة لخامنئي؟
تضيف "إرم نيوز" في تقريرها بتاريخ 17 كانون الأول (ديسمبر) 2024: "اليوم، يقف النظام الإيراني في مواجهة شعبه في موقف حرج للغاية. ربما لهذا السبب، وعلى الرغم من حالته الصحية الصعبة، تدخل خامنئي بنفسه ليؤكد أن "إيران أصبحت أقوى"، في محاولة لرفع معنويات محور المقاومة. ومع ذلك، يدرك جزء كبير من الشعب الإيراني أن هذه المعركة كانت خاسرة منذ بدايتها".
استثمار فاشل!
تُقدّر تكلفة النظام الإيراني في سوريا ما بين 30 إلى 100 مليار دولار أو أكثر، ولكن كانت نتيجة هذا الاستثمار الهائل هزيمة كبرى. انهيار نظام الأسد وتغير المعادلات الإقليمية جعلا كل هذه التكاليف بلا جدوى:
ذكرت "ميدل إيست أونلاين" في تقريرها بتاريخ 29 كانون الأول (ديسمبر) 2024: "تمرّ الجمهورية الإسلامية بأزمة عميقة دفعت خامنئي إلى تجاهل التساؤلات حول مصير استثمار إيران في سوريا والمليارات التي أُنفقت هناك. هذه المليارات، التي تمّ سحبها من جيوب الشعب الإيراني، صُرفت على بقاء بشار الأسد في دمشق. كما استُخدمت هذه الأموال للحفاظ على الأراضي السورية كجسر لنقل الأسلحة إلى حزب الله في لبنان، وتهريب الأسلحة إلى الأردن، ونقل المخدرات عبر الأردن إلى دول الخليج.
إيران اليوم تحصد ما زرعته؛ فقد كان استثمارها في سوريا مفهومًا فقط من زاوية واحدة: مشروع التوسع الإيراني، الذي يعني قبل كل شيء تصدير أزمات إيران الداخلية إلى الخارج تحت شعار "تصدير الثورة"
حلمٌ تبخّر!
يعيش خامنئي، كحال دون كيخوته، في أوهام أحلامه السابقة. يحاول أن يُلهب حماس أتباعه بتخيلات عن عودة نظام الأسد المنهار إلى الحياة، وعودة المرتزقة المعروفين باسم "الشبيحة" تحت شعار المقاومة السورية، ليعيدوا جرائم التعذيب والقتل في سجن صيدنايا المرعب. ولكن كل العقلاء والمحللين الواقعيين يتفقون على أن إيران هي الخاسر الأكبر من سقوط نظام الأسد وإضعاف حزب الله.
ذكرت صحيفة "العربي الجديد" في تقريرها بتاريخ 30 كانون الأول (ديسمبر) 2024: "أنشأت إيران محورًا استراتيجياً وقامت بتقويته تدريجيًا يمتد من طهران إلى البحر الأبيض المتوسط، مرورًا بالعراق وسوريا (وهي دول كانت إيران تعتمد عليها لبقاء نظامها)، وصولاً إلى لبنان حيث كان حزب الله، الذي صنعته إيران وسلحته ومولته، يسيطر. ولكن وفقًا لنفس التحليلات، هذا المحور قد انهار الآن.
إيران تواجه صعوبات كبيرة في تسليح حزب الله، الذي تعرض للتراجع في لبنان. وفي النهاية، فإن حلم إيران بإنشاء محور شيعي يربطها بالبحر الأبيض المتوسط قد تبخر تمامًا".
التعليقات