مع زيارة أمير قطر إلى سوريا ومباركته لقائد سوريا الجديد، الذي تم تعيينه رئيساً بعد انتصار الثورة وهروب بشار الأسد، تتجدد التساؤلات حول أبعاد هذه الزيارة ومعانيها على الصعيدين السياسي والشعبي. هذه الزيارة، التي انتظرها السوريون طويلاً بعد أكثر من أربعة عشر عاماً من القطيعة، ليست مجرد حدث بروتوكولي، بل تحمل رسائل سياسية عميقة وتداعيات مباشرة على مستقبل سوريا.

تمثل الزيارة اعترافاً سياسياً بشرعية الحكم الانتقالي الجديد، ورسالة واضحة بأن سوريا قد دخلت مرحلة مختلفة عن تلك التي حكمها آل الأسد لعقود. فبعد أكثر من ستين عاماً من الحكم العائلي، شهدت سوريا تحولاً كبيراً في قيادتها، وهو تحول لم يكن ليحدث لولا التضحيات التي قدمها الشعب السوري في سبيل الحرية والكرامة.

قطر، التي لعبت دوراً بارزاً في دعم المعارضة السورية خلال الثورة، تعود اليوم إلى الساحة السورية ليس فقط لدعم النظام الجديد، بل للمساهمة في إعادة الإعمار وإعادة توطيد العلاقات السياسية والاقتصادية بين سوريا والعالم العربي. كما أن هذه الزيارة تشير إلى استعداد الدول الإقليمية لإعادة دمج سوريا في المنظومة العربية بعد سنوات من العزلة الدولية.

بالنسبة إلى السوريين، فإنَّ هذه الزيارة تمثل لحظة فارقة. بعد سنوات من الحرب والدمار والتشريد، يعزز أي اعتراف دولي بالحكم الجديد آمالهم في استعادة بلادهم وبدء مرحلة جديدة من البناء والاستقرار. ومع ذلك، فإنَّ التحديات لا تزال قائمة، فإعادة بناء سوريا تحتاج إلى جهود جبارة، ليس فقط على المستوى الاقتصادي، بل أيضاً على مستوى المصالحة الوطنية وإعادة النسيج الاجتماعي الذي مزقته سنوات الحرب.

إنَّ حضور أمير قطر إلى سوريا قد يكون مؤشراً على بداية الدعم العربي والدولي لسوريا الجديدة، ما قد يساعد في تحسين الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، وجلب الاستثمارات، ودعم مشاريع البنية التحتية، وهي خطوات ضرورية لجعل البلاد بيئة صالحة للحياة مجدداً.

السوريون الذين عانوا من عقود من القمع والحروب يأملون أن تكون هذه الزيارة خطوة نحو تحقيق تطلعاتهم. فبعد سنوات من الإحباط، أصبحت هناك فرصة جديدة للحديث عن سوريا مختلفة، سوريا خالية من الاستبداد، يسودها العدل والقانون، وتُحكم بإرادة شعبها وليس بقبضة العسكر والمخابرات.

إقرأ أيضاً: الدستور الجديد هل يعيد الأمل للسوريين؟

بالرغم من كل ذلك، فإنَّ المخاوف لا تزال قائمة، فهل سيتمكن النظام الجديد من تجنب أخطاء الماضي؟ وهل ستسير البلاد نحو الديمقراطية الحقيقية أم ستبقى رهينة التجاذبات الإقليمية؟.

هذه أسئلة ستظل مطروحة حتى تبدأ الخطوات الفعلية على الأرض، سواء على مستوى الإصلاح السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي.

بقي أن نشير إلى أن زيارة أمير قطر إلى سوريا، تمثل نقطة تحول في المشهد السياسي السوري. هي خطوة أولى نحو إعادة الاعتراف بسوريا الجديدة، لكنها ليست كافية وحدها لتحقيق التغيير المنشود. لا تزال هناك تحديات ضخمة أمام القيادة الجديدة، وأمام الشعب السوري، الذي يتطلع إلى مستقبل مختلف عن الماضي القاتم.

إقرأ أيضاً: "التكويع".. وجدلية القمع والتغيير

إنَّ السوريين يدركون أن الثورة لم تكن مجرد إسقاط نظام، بل كانت بحثاً عن وطن جديد أكثر عدلاً وحرية. لذلك، فإنَّ السؤال الأهم اليوم ليس فقط عن معنى هذه الزيارة، بل عن الخطوات التالية: كيف ستُحكم سوريا؟ وما الضمانات لعدم تكرار أخطاء الماضي؟ وكيف ستتم إعادة بناء البلاد بطريقة تضمن حقوق جميع السوريين؟

الأيام القادمة وحدها ستكشف عن مدى جدية هذا التغيير، وعن إمكانية أن تتحقق أحلام السوريين التي انتظروها طويلاً.