تُعد قضية عودة المسيح (عليه السلام) من القضايا التي تشغل بال المؤمنين من مختلف الأديان، سواء في المسيحية أو الإسلام. ففي المسيحية، يُعتقد أن المسيح سيعود في نهاية الزمان ليقيم العدل والسلام، بينما يؤمن المسلمون بأن عيسى بن مريم (عليه السلام) سينزل في آخر الزمان ليحكم بالعدل ويوحد البشر تحت راية التوحيد.
ولكن، في ظل الواقع المرير الذي تعيشه منطقة الشرق الأوسط، وخاصة في فلسطين، يطرح سؤالٌ ملحّ: من سيستقبل المسيح إذا عاد اليوم؟ وهل سيجد الفلسطينيين الذين عاش بينهم ودافع عنهم؟
تهجير الفلسطينيين: محو الهوية والوجود
غزة، تلك القطعة الصغيرة من الأرض، والتي لا تتجاوز مساحتها 365 كيلومترًا مربعًا، أصبحت رمزًا للمقاومة والصمود في وجه الاحتلال. ولكنها أيضًا أصبحت رمزًا للمعاناة الإنسانية، حيث يعيش أكثر من مليوني فلسطيني تحت الحصار والتهجير القسري. وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، فإن أكثر من 70 بالمئة من سكان غزة هم من اللاجئين الذين هُجروا من ديارهم عام 1948، وما زالوا يحملون مفاتيح منازلهم كرمز لحق العودة.
إذا عاد المسيح اليوم، فهل سيجد هؤلاء الفلسطينيين الذين عاش بينهم ودافع عنهم؟ أم أن سياسات التهجير والاحتلال قد محت وجودهم، كما مُحيت مدنهم وقُراهم؟ الواقع يشير إلى أن الاحتلال الإسرائيلي، عبر عقود من الزمن، عمل على تغيير الديموغرافيا والجغرافيا في فلسطين، مما يثير تساؤلات حول مستقبل هذه الأرض المقدسة.
اليهود والمسيح: صراع تاريخي
في العقيدة المسيحية، يُعتقد أن اليهود هم من تآمروا على المسيح وصلبوه، وهو ما يتناقض مع العقيدة الإسلامية التي تؤمن بأن المسيح رُفع إلى السماء ولم يُصلب. ولكن، في كلا الديانتين، يُنظر إلى عودة المسيح كحدث عظيم سيُعيد العدل إلى الأرض.
فهل سيستقبل المتعصبون من اليهود، مثل نتنياهو وبيغن وبن غوريون، المسيح إذا عاد؟ أم أنهم سيستمرون في سياساتهم التي تتعارض مع رسالة السلام التي جاء بها المسيح؟
وفقًا للكتاب المقدس، فإنَّ عودة المسيح ستكون مصحوبة بتحولات كبرى في العالم، بما في ذلك اعتراف اليهود به كالمسيح المنتظر. ولكن، في ظل الواقع الحالي، حيث تُمارس سياسات التمييز العنصري والاحتلال، يصعب تخيل أن يستقبل هؤلاء القادة المسيح بترحاب.
مشاريع التهجير وإعادة الإعمار: من الأرض المقدسة إلى الريفيرا!
ومع مشاريع تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وأهل غزة من بيوتهم، تطرح تساؤلاتٌ أخرى أكثر إلحاحًا: هل ستتحول الأراضي المقدسة إلى ملاهي ودور قمار وشواطئ عراة، كما يتصور البعض؟ في تصريحات مثيرة للجدل، تحدث الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن إمكانية تحويل غزة إلى "ريفيرا جديدة"، في إشارة إلى تحويلها إلى منطقة سياحية فاخرة. ولكن، هل هذه هي الأرض التي سيُنزل فيها المسيح؟ هل ستكون الأرض المقدسة، التي شهدت ميلاده وحياته، مجرد مكان للترفيه واللهو؟
مستقبل فلسطين: بين العدل الإلهي والظلم البشري
في الإسلام، يُعتقد أن نزول المسيح سيكون في آخر الزمان، وسيحكم بالعدل ويقضي على الظلم. ولكن، في ظل الواقع الحالي، حيث تُهجر الشعوب وتُدمر المدن، يبقى السؤال: من سيستقبل المسيح؟
هل سيكون الفلسطينيون، الذين عانوا من الظلم والتهجير، هم من سيحظون بشرف استقباله؟
أم أن الظلم البشري قد بلغ مدًى يجعل من الصعب تخيل عودة العدل إلى هذه الأرض؟
وماذا لو تحولت الأراضي الفلسطينية إلى أماكن للترفيه والفساد، في ريفييرا جديدة، هل ستكون قادرة على استقبال المسيح؟ أم أن البشرية ستكون قد فقدت صلتهم الروحية بهذه الأرض المقدسة؟
في النهاية، تُعد قضية عودة المسيح قضية إيمانية تمس قلب كل مؤمن. ولكنها أيضًا قضية إنسانية تطرح تساؤلات حول مستقبل الشعوب التي تعاني من الظلم والتهجير. فإذا كان المسيح سيأتي ليقيم العدل، فهل سيجد أرضًا يستطيع أن يقيم عليها هذا العدل؟ أم أن الظلم البشري قد طغى إلى درجة تجعل من الصعب تحقيق هذا الحلم؟
1. القرآن الكريم، سورة الحج، الآية 5.
2. الكتاب المقدس، سفر التكوين، الإصحاح 3، الآية 19.
3. تقارير الأمم المتحدة حول اللاجئين الفلسطينيين.
4. الدراسات التاريخية حول الصراع العربي الإسرائيلي.
5. تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول إعادة إعمار غزة.
التعليقات