دمشق: انشأ خط سكة حديد الحجاز قبل 100 عام لنقل الحجيج من اسطنبول الى المدينة المنورة، لكن لورنس العرب نسفه خلال الحرب العالمية الاولى. ومازالت تسير عليه لحد اليوم قطارات ركاب وسلع، ومازالت عليها مظاهر ازمنة ولت. وبدأت علاقتي مع خط سكة حديد الحجاز في سحابة من الدخان تفوح منها رائحة الشحم الساخن، في محطة كاظم بدمشق، تنبعث من قاطرة بخارية صنعت في 1914، وهي تجر وراءها عربات السلع الى الحدود الاردنية.

ومن مقصورة السائق يخرج وجهان مسودان لرؤية الخط الحديد امامهما. وكان شعوري كما لو خطوت 100 عام الى الخلف.

واشار المهندس المكلف بورشة الاصلاح التي تبلغ قرنا من العمر الى اقدم قاطرة من بين الـ11 الموجودة، وكان الالمان قد صنعوها في 1898. وقال بفخر انهم يستخدمونها لما تتعطل قاطرات الدييزل quot;التي لا يتعدى عمرها 60 عاما.quot;

عربات مصفحة

تمشيت في ما يشابه مقبرة ميكانيكية، حيث تؤول فيها العربات الى التفكك بينما تنبت حولها الاعشاب والحشائش. والحقيقة ان هذه العربات هي التي اخذت الحجاج على متن اول رحلة في 22 أغسطس آب 1908. وكانت واحدة منها مصفحة.

وبجوانب هذه العربة نوافذ صغيرة خاصة بحرس القطار، يستطيعون اطلاق النار منها في حال هجوم قبائل البدو على الحجاج في رحلتهم التي تدوم اربعة ايام.

لكن في جنوب الاردن، يظهر اختلاف كبير في خط الحجاز، فلم يبق ما يميزه عن بقية الارض الا ارتفاعه النسبي، مجردا من السكة الحديدية نفسها وكل ما يدعمها.

ويمتد الخط المرتفع نسبيا كما لو كان طريقا الى ان ينقطع فجأة عند حفرة عميقة تحطم الجسر الذي كان يتخطاها، بسبب احد الفيضانات على ما يبدو.

اما على الجزء السعودي من الخط، فتجد محركات بخارية هجرت هناك بعد نهاية الحرب العالمية الاولى، وكان احد المحركات في محطة مداين صالح، وهو مازال ينتظر اصلاحات كانت مقررة قبل 80 او 90 سنة، وقد جردها البدو من كل قطعة يمكن نزعها.

سكان

ومن خلف الاعمدة المقابلة لنوافذ بيع التذاكر، يطل علي ثمانية اطفال، سبعة بنات وولد حدثني مكان والده الغائب. واخبرني انه وعائلته سكنوا المحطة لمدة عشرة سنوات، وان القليل جدا من الناس يتوقفون ليسألوا على السكة الحديدية.

كان العثمانيون قد انضموا الى الالمان في الحرب العالمية، فقطعت عليهم امدادات الفحم البريطاني عالي الجودة والذي كان يجيء من مناجم ويلز. وفي مرحلة معينة، اصبح من الندرة بحيث اصبح وقود القاطرات اثاثا والواحا مختلفة المصادر.