خلايا الأجنة الجذعية قد تشفي من تقرحات السكري

خلايا جذعية في السائل الامنيوسي للجنين بديل واعد للخلايا الجنينة

حظر الخلايا الجذعية يثير جدلا بسيدني

خلق خلايا جذعية دون أجنة يثير ردود فعل واسعة

مجلس الشيوخ الأميركي يقر تشريع الخلايا الجذعية

علاج للعمى بالخلايا الجذعية

واشنطن: أصدر الرئيس الأميركي باراك أوباما قرارًا تنفيذيًّا Executive Order في التاسع من مارس (2009) برفع القيود عن تمويل أبحاث الخلايا الجذعية Stem Cell Research، والتي كان سلفه جورج بوش الابن قد فرضها منذ عام 2001. وقد أثارت أبحاث الخلايا الجذعية معضلة العلاقة بين العلم والقيم الأخلاقية منذ بدايتها في منتصف الستينيات. فالخلايا الجذعية تمثل أملاً في الشفاء من عديد من الأمراض مثل السكر والزهايمر والشلل، وذلك بالنظر لقدرتها على الانقسام داخل جسم الإنسان والتطور حتى تصبح خلايا قادرة على أن تحل محل الخلايا المريضة.

وتأتي المعضلة الأخلاقية من أن أحد أساليب اشتقاق هذه الخلايا يأتي عن طريق خلايا جنينية بشرية، تكون غالبًا موجودة بشكل زائد في بنوك التلقيح الاصطناعي، وهو ما يؤدي إلى تدميرها. ومن هنا يذهب اتجاه إلى أن هذه الأبحاث تمثل نوعًا من القتل، بينما يذهب اتجاه آخر إلى أن تخفيف آلام المرضى يعد مبررًا أخلاقيًّا مناسبًا لهذه الأبحاث. وقد حرص الرئيس أوباما في خطاب توقيعه على القرار التنفيذي أن يؤكد على عدم التعارض بين العلم والأخلاق، وأنه يعترض على أية محاولة لاستنساخ البشر.

محاور الخلاف

يعود الخلاف حول أبحاث الخلايا الجذعية إلى انقسام أكثر محورية في المجتمع الأميركي بين المؤيدين للحق في الحياة pro-life (المعارضون للإجهاض) والمؤيدين للحق في الاختيار pro-choice (المؤيدون لحق المرأة في الإجهاض بشكل قانوني). والخلاف بين الفريقين جوهري ويقف خلفه تاريخ من الصدام والعنف بين المحافظين والليبراليين.

وفي هذا الخصوص يُعد قرار المحكمة الدستورية العليا في قضية رو ضد وايد Roe v. Wade عام 1973 أحد النقاط الفاصلة في هذا الخلاف، حيث قررت المحكمة في هذه القضية أن قوانين الولايات والقوانين الفيدرالية التي تفرض قيودًا على حق المرأة في الاجهاض تُعد مخالفة للحق الدستوري في الخصوصية وإجراءات العدالة التي أقرها التعديل الرابع عشر للدستور. وقد أقر الحكم حق المرأة في الإجهاض لأي سبب حتى المرحلة التي يكون فيها الجنين مكتملاً viable، وعرفت الاكتمال بأنه القدرة على الحياة خارج رحم الأم بطريقة اصطناعية، وهو ما يعد واردًا بعد الأسبوع الثامن والعشرين من الحمل أو الثلث الثاني Second Trimester، وإن كان من الوارد حدوثه بعد الأسبوع الرابع والعشرين. ثم في حكمها في قضية دو ضد بولتون Doe v. Bolton، أقرت المحكمة حق المرأة في الإجهاض في أي وقت لأسباب صحية.

ورغم محورية قضية رو ضد وايد Roe v. Wade إلا أنها تركت المجتمع منقسمًا حولها، وشملت أحداث العنف التي تلته حرق عيادات طبية والاعتداء على أطباء لممارسة الإجهاض. وصارت القضية أحد القضايا المحورية في الانتخابات الأميركية كافة سواء على المستوى الفيدرالي أو ما دون ذلك. وأصبح كل من الفريقين يشكل جبهة معارضة للآخر فيما يتعلق بأبحاث الخلايا الجذعية وما إذا كانت الخلية المخصبة بها روح ولها الحق في الحياة.

وقد انتقل الخلاف حول تمويل أبحاث الخلايا الجذعية إلى الساحة التشريعية. ففي إطار قانون تنشيط المعهد الوطني للصحة National Institute of Health Revitalization Act عام 1993 حصل المعهد لأول مرة على سلطة تمويل أبحاث الخلايا الجذعية. إلا أن تعديلاً عرف بتعديل ديكي ـ ويكر Dickey-Wicker ألحق بقانون للمخصصات المالية Appropriations Bill عام 1995 منع تمويل الحكومة الفيدرالية أبحاثًا على خلايا جذعية يتم خلالها إنتاج أو تدمير خلايا جنينية بشرية.

وفي أغسطس 2001 أصدر الرئيس بوش قرارًا تنفيذيًّا يمنع استخدام تمويل من جهات فيدرالية في أبحاث الخلايا االجذعية التي تستخدم خلايا جنينية بشرية باستثناءات محدودة. وقد وافق الكونجرس على مشروعي قرار برفع هذه القيود عامي 2006 و2007 استخدم ضدهما الرئيس بوش حق الفيتو مما حال دون إقرارهما.

مغزى القرار

يأتي هذا القرار في وقت تطورت فيه تطبيقات استخراج خلايا جذعية من خلايا البالغين دون الحاجة لخلايا جنينية، ومن ثم يرى البعض أنه ربما جاء متأخرًا. ولكن هذا لم يمنع القرار من أن يمثل مصدر ارتياح لعديد من الباحثين في هذا الحقل بالنظر لأنه يرفع عنهم عديدًا من القيود القانونية التي كانت تعيق عملهم. فعلى سبيل المثال، كان على أي باحث أن يفصل فصلاً كاملاً بين أبحاثه الممولة فيدراليًّا، والتي لا تشتمل على استخدام خلايا جنينية بطبيعة الحال، وأبحاثه التي يقوم فيها بإنتاج خلايا جذعية من أجنة بشرية، وهو ما يتطلب تكاليف إضافية باهظة ينبغي تدبيرها من مصادر خاصة.

ولا يقل أهمية عن التمويل المعني الرمزي لهذا القرار. وقد كان رفع القيود عن أبحاث الخلايا الجذعية أحد الوعود الانتخابية للرئيس أوباما في إطار تأكيده على أن العلم ينبغي أن يظل بمعزل عن الإيديولوجية السياسية، وهو اتجاه يتوقع البعض أن يشمل قضايا أخرى مثل تغيير المناخ والصحة. وهو في هذا يصحح مسارًا كان موضع انتقاد في ظل إدارة الرئيس السابق بوش، حين ارتبطت نتائج البحث العلمي باعتبارات سياسية وإيديولوجية. وعلى سبيل المثال أصرت إدارة الرئيس على أنه لا يوجد اتفاق في نتائج البحث العلمي حول ظاهرة تغير المناخ، وكان هذا أحد أسباب رفض التصديق على اتفاقية كيوتو، وذلك رغم وجود شبه إجماع في الدوائر العلمية حول ارتفاع درجة حرارة الأرض. وأرجعت عديدٌ من التحليلات هذا الإصرار إلى أن عددًا من جماعات الضغط الصناعية قد رأت في اتفاقية كيوتو تهديدًا لمصالحها.

كما تدخلت الرغبة في استمالة قوى اليمين الديني في الجدل الذي ثار خلال إدارة بوش حول تدريس نظرية التدخل العقلاني Intelligent Design التي ترى أن تطور الحياة على وجه الأرض جاء كنتيجة لتدخل خارجي وليس على أساس الانتخاب الطبيعي فقط كما جاء في نظرية داروين. ورغم اعتراض القضاء الفيدرالي على تدريس هذه النظرية على أساس أنها تخلط بين العلم والدين، واتجاهات الرأي العام التي ذهبت للاقتناع بنظرية داروين مع عدم النظر إليها على أنها تتعارض بالضرورة مع الدين، إلا أن إدارة بوش أثارت جدلاً حول تدريس نظرية التدخل العقلاني في المدارس إلى جانب نظرية النشوء والارتقاء، رغم عدم وجود دليل علمي عليها.

و من هنا يمكن اعتبار هذا القرار التنفيذي خطوة جديدة يخرج بها أوباما عن سياسات سلفه بوش، كما فعل سابقًا في قراره التنفيذي بإغلاق معتقل جوانتانامو وخطواته لإنهاء الحرب في العراق والحوار المباشر مع سوريا وحتى مع طالبان. وقد صحب القرار التنفيذي بخصوص أبحاث الخلايا الجذعية مذكرة توجه رئيس مكتب البيت الأبيض لسياسة العلم والتكنولوجيا White House Office for Science and Technology لوضع استراتيجية لاستعادة دور النزاهة العلمية Scientific Integrity في صنع القرار الحكومي.

توجهات الرأي العام

تتجه غالبية الأميركيين لتأييد القرار التنفيذي الذي أصدره الرئيس أوباما بشأن أبحاث الخلايا الجذعية. وقد أشار استطلاع رأي أجراه مركز جالوب Gallup نشر في التاسع من مارس الجاري إلى أن 38% من الأميركيين يؤيدون تخفيف القيود التي فرضتها إدارة الرئيس بوش على هذا النوع من الأبحاث بينما فضل 14% إلغاء هذه القيود كلية. وعلى الجانب الآخر أيدت نسبة 22% إبقاء القيود الحالية بينما طالب 19% بزيادتها. وقد استقرت توجهات الرأي العام الأميركي منذ عام 2004 على تأييد تخفيف القيود المفروضة على هذه الأبحاث.

ولا شك أن الآراء حول تمويل الحكومة الفيدرالية لأبحاث الخلايا الجذعية تعد من القضايا التي تلعب فيها السياسة دورًا محوريًّا. ويبدو هذا واضحًا من خلال التمييز بين آراء الديمقراطيين والجمهوريين. فبينما أيد 64% من الديمقراطيين تخفيف القيود، أيد 57% من الجمهوريين إبقاء القيود التي وضعتها إدارة بوش. وتجدر الإشارة هنا إلى أن نسبة أقل أيدت أيًّا من الآراء المتطرفة زيادة القيود التي فرضتها إدارة بوش أو إلغاؤها.

كما يلعب الدين دورًا محوريًّا في هذا الصدد، حيث أشارت دراسة أعدها مركز بيو Pew ـ منتدى الدين والحياة العامة Pew Forum on Religion and Public Life ـ صدرت في يوليو 2008 إلى انقسام المواقف الرسمية للديانات المختلفة في الولايات المتحدة حول هذه القضية. فمجمع القساوسة الكاثوليك Conference of Catholic Bishops، واتساقًا مع موقفه الرافض للحق في الإجهاض، يرفض إجراء أبحاث تؤدي إلى تدمير أجنة من أجل استخراج خلايا جذعية، بينما تتجه غالبية الطوائف اليهودية إلى تأييد هذه الأبحاث بالنظر للقناعة بأن الخلية المخصبة حديثًا ليس لها روح حتي أربعين يومًا بعد الإخصاب، ومن ثم لا يعني تدميرها إزهاقًا للحياة، وتشاركها في هذا الرأي عديد من الطوائف البروتستانتية، بينما لم تتضح المواقف الرسمية للمسلمين والمرمون بشكل كامل بعد من هذه الأبحاث.

و اللافت للنظر أن هذه الدراسة أظهرت أن 59% من الكاثوليك البيض تعطي الأولوية للبحث العلمي على تدمير الأجنة، وهي نسبة تفوق قليلاً نسبة البروتستانت البيض غير الإنجيليين (58% منهم من يعطون الأولوية للبحث العلمي)، وهو ما يشير إلى وجود حدود لتأثير الموقف الديني الرسمي على التوجهات العامة.

و تشير دراستا كل من جالوب Gallup وبيو Pew إلى أن غالبية الأميركيين يؤيدون وضع قيود أو محاذير على هذا النوع من الأبحاث، ولا شك أن الاعتبارات الدينية تلعب دورًا في هذا التوجه. ومن هنا قال الرئيس أوباما في خطاب توقيعه على القرار: quot;أنا أرى كإنسان مؤمن أننا مطالبون أن نهتم ببعضنا بعضًا وأن نعمل لتخفيف آلام الناس، وأنا مقتنع بأن لدينا القدرة والإرادة على القيام بهذه الأبحاث، والإنسانية والضمير لكي نقوم بها بشكل مسئول.quot; وفي إطار مناخ من التأييد العام لأبحاث الخلايا الجذعية، سوف يتجه الأعضاء الديمقراطيون للاستناد إلى هذا القرار لطرح مشروع قانون يقر المبادئ التي وردت في القرار التنفيذي، وسيكون عليهم كذلك الالتزام بالاعتبارات الأخلاقية والدينية التي وضع الرئيس أوباما خطوطها العريضة، والتي تتفق مع التوجهات العامة للرأي العام الأميركي.