يبدو أن فيلم "بركات"، أول فيلم على الإطلاق بلهجة أفريكابس، وهي مزيج من اللغة الأفريكانية ومفردات من لغات أخرى، حرك المياه الراكدة واستقطب تفاعلا كبيرا في جنوب أفريقيا.

يحاول الفيلم تغيير الصورة النمطية السلبية أحادية الجانب لمجتمع كيب تاون مختلط الأعراق.

صُّور فيلم Brakat، والمقصود بالاسم كلمة (بركات) في اللغة العربية، في منطقة كيب فلاتس، وهي منطقة خفيضة شاسعة، تقع إلى الجنوب الشرقي من وسط العاصمة كيب تاون، حيث أُجبر العديد من المحرومين من حقوقهم على الإقامة من قبل حكومة الفصل العنصري السابقة، في الخمسينيات من القرن الماضي.

تقول إيمي جيبثا، مخرجة الفيلم الحائزة على عدة جوائز، إنها شرعت في العمل على الفيلم لتظهر الوجه المشرق للمنطقة، بعيدا عن النمط السائد الذي يظهر الجوانب السلبية مثل انتشار الجريمة والعصابات والمخدرات.

يروي بركات، بلهجة مشبعة بنكهة كيب فلاتس الغنية، قصة أرملة وأم مسلمة تجد الحب مع رجل مسيحي وترغب في الزواج منه.

لكن بطلة الفيلم تجد صعوبة في الحصول على موافقة أبنائها الأربعة، الذين ما زالوا يحاولون تقبل واقع فقدان والدهم.

تقول جيبثا إن تجسيد التراث الغني للغة وثقافة المجتمعات المحلية، كان دافعا رئيسيا وراء تصوير الفيلم.

وتشرح المخرجة الشابة أن المسيحيين والمسلمين على حد سواء في المنطقة، يتكلمون بلهجة الأفريكابس، وتقول: "هناك قواسم مشتركة بين الثقافتين الإسلامية والمسيحية في كيب فلاتس، والمجتمعات مندمجة ومتجانسة للغاية".

وتمضي للقول "في تلك المجتمعات التي أعرفها جيدا، يشارك المسيحيون في عيد المسلمين السنوي تماما كما يشارك الأطفال المسلمون باحتفالات عيد الميلاد في كثير من الأحيان".

وباعتبار جيبثا ثمرة لزواج مختلط، فوالدها مسلم وأمها مسيحية، تعتقد أن لديها ميزة خاصة تمكنها من نقل تجربتها وما اختبرته من التعايش الطويل والمتناغم بين المجتمعين.

تقول: "أنا مزيج من الإسلام والمسيحية، حالي حال العديد من الأطفال في كيب فلاتس. كانت نشأتي تقاطعا بين ديانتين، لقد نشأت في منزل تمارس فيه شعائر الإسلام".

تعني كلمة بركات بلهجة الأفريكابس جلب هدية إلى المنزل، غالبا من الحلويات أو الطعام، والتي عادة ما تكون من بقايا احتفال أو وليمة.

لكن جبثا تقول إن بعض رجال الدين المسلمين في المنطقة أخبروها أن "البركات يمكن أن تأتي أيضا في صورة شخص متنكّر".

وتشرح: "تأتي البركات بأشكال مختلفة ويمكن أن تأتي بشكل غير متوقع".

وقد تعمدت جيبثا أن يكون الحوار في الفيلم بلهجة الأفريكابس بغية دعمها وتعزيزها.

تقول: "كان يطلق على لهجة أفريكابس اسم أفريكانز كومبيوس، والتي تعني لهجة المطبخ من اللغة الأفريكانية، ولكني أفضل عدم استخدام هذا المصطلح، لأنه يدل بصورة ما على أن اللهجة عبارة عن نسخة أقل شأنا من اللغة الأفريكانية، وهي بالتأكيد ليست كذلك".

وتضيف: "الأفريكابس شكل شرعي ونظامي للغة".

واللغة الأفريكانية هي واحدة من 11 لغة رسمية في جنوب إفريقيا. لها جذور من اللغة الهولندية، ولكنها تتضمن كلمات متنوعة من الملايو والبرتغالية والإندونيسية، بالإضافة إلى لغات السكان الأصليين في جنوب أفريقيا الخوي والسان.

وتتضمن لهجة الأفريكابس أيضا الكلمات الأفريكانية التي لها منطوق خاص لدى سكان منطقة كيب فلاتس، بالإضافة إلى كلمات مشتقة من الإنجليزية والملايو، والتي انقرضت في جنوب أفريقيا، ولكن تحدّثها العبيد الذين جلبهم الهولنديون إلى كيب تاون في القرنين السابع عشر والثامن عشر.

الدكتور كوينتين ويليامز، مدير مركز أبحاث التعددية اللغوية والتنوع في جامعة ويسترن كيب، متحمس بنفس القدر لتطور لهجة الأفريكابس ويأمل أن تُنتج المزيد من الأفلام مثل بركات.

يقول: "في معظم الحالات التي ينشأ فيها الأطفال في كيب فلاتس، يتواصلون في مجتمعاتهم باستخدام لهجة الأفريكابس، ولكن بمجرد ذهابهم إلى المدرسة، يحاول النظام استئصالها من خلال فرض اللغة الأفريكانية الرسمية".

ويمضي قائلا: "تدفع الأفلام من نمط بركات بالسردية نحو تحرير وتمكين المتحدثين بلهجة الأفريكابس، وغالبيتهم من الطبقة العاملة".

ويعزو الأكاديمي عودة ظهور وانتعاش هذه اللهجة إلى التحرك من قبل جيل الشباب الراغبين في تأكيد هويتهم.

"يدرك هذا الجيل أنهم باتوا بحاجة إلى وسائل وأصوت أفضل تمثلهم، حتى يتمكنوا من تقديم ثقافتهم والمكان الذي أتوا منه، كيب فلاتس، بصورة أكثر إيجابية".

ويؤكد ويليامز على ثقته بأن الاعتراف بالأفريكابسلغة رسمية في جنوب أفريقيا قادم لا محالة، ويرى "أن ذلك قد يتحقق في وقت أقرب مما يعتقده الناس".

كما أنه بصدد إعداد خطط تهدف إلى إنتاج قاموس للهجة الأفريكابس.

يقول: "ما أحاول فعله هو جمع هذه المفردات لضمان عدم فقدانها، وضمان أن تبقى اللهجة حية لا تموت".