إيلاف: ينهض فيلم "Beau Is Afraid" على ثيمة مركزية تتمثل في إحساس شاب أربعيني (بيو واسرمان) خواكيم فينيكس بعقدة أوديب، وذلك من خلال علاقته المعقدة مع والدته المتسلطة (منى) باتي لوبوني التي زرعت فيه الشعور الدائم والعميق بالخوف وعدم الكفاءة، والإحساس بأنه السبب في وفاة والده، إلى جانب الذنب الذي يسيطر عليه بشأن رغباته الجنسية، وما تعرض له من إساءة إبان طفولته، الأمر الذي عمّق في داخله مشاعر القلق والعار والاكتئاب. وهذا هو التشخيص النفسي الذي استخلصه معالجه النفسي ستيفن ماكينلي هندرسون والذي قاده إلى مناطق معتمة ومزعجة في دهاليز نفسه، لإعادة اكتشاف ذاته. من خلال رحلة طويلة وبطيئة فرضت إيقاعها على الفيلم الذي جاء مزيجًا كابوسيًا من الإثارة النفسية والرعب والكوميديا السوداء.

إنه فيلم تفاصيل، لا يرتبط بخيط سردي واضح المعالم، بالنظر إلى كونه حالة انثيال وتفجُّر لذاكرة محتقنة بالذكريات المؤلمة، أو هكذا أراده كاتبه ومخرجه آري أستر وذلك لخلق عالم نفسي مرعب، معتمدًا على المزاج والأسلوب البصري، وتقليب الإضاءة في اتجاهات مختلفة للتعبير عن الحالة الذهنية، وكذلك استخدام خاصية الألوان وإيحائية الظلال، وتدبير أكبر قدر ممكن من المشاهد السريالية، لتوليد شحنات من الرهبة والتأثير النفسي، وعلى هذا الأساس ظهر الفيلم بتلك القوة والكفاءة البصرية، بما قدمه من لقطات جارحة قادرة على المكوث في الذاكرة، تفطر القلب وتستدر العطف على (بيو) كما تصيب المشاهد بالذعر.

الفيلم ليس سهلًا ولا ممتعًا، كما أن حبكته على درجة من التعقيد والسوداوية واللا تماسك، بالنظر إلى أن أبعاده التضمينية أكثر من معطياته الصريحة. ولذلك يحتاج إلى صبر وتركيز. وإلى أن يضبط المشاهد إدراكه الحسّي وعلاقاته بالصور لفهم بنى الفيلم الدلالية. وهو -كتجربة سينمائية، مليء بالتحدي ومحفز على التفكير، حيث تختلط أحلام بيو المتكررة ذات الطابع الجنسي حول والدته مع واقعه، وتؤثر بشكل واضح ومربك على علاقته مع النساء فيما يبدو على شكل رهاب، كما تنتابه أحيانًا نوبات من جنون العظمة، في إطار مواجهته المجازية للحياة. وفي هذا المفصل يتحول الفيلم إلى شريط بصري فارط في الخيال، يعبر به المخرج عن الانكسارات في شخصية بيو الذي يعبر به رحلة طويلة، ليكشف عن طاقة هوسية نادرة لرجل لم يتذوق طعم الأمان، فظل يتأرجح ما بين الخوف والاستسلام.

بيو شخصية ممسوسة بالخوف والتشققات النفسية، ومحكوم عليها بالإرتداد العمودي في سرداب اللا وعي. فطوال رحلته باتجاه والدته يتعرض لأبشع أنواع السباب والشتائم كما يتعرض لخطر الموت. حيث يتنقل في أربعة فضاءات مرعبة: شقته الفوضوية الواقعة في حي إجرامي مخيف، والمنزل الأنيق الذي استضافه فيه الدكتور وزوجته بكل ما فيه من تناقضات مريبة ومثيرة للذعر، ثم الغابة التي أقيمت فيها مسرحية غرائبية وانتهت هي الأخرى برعب من نوع آخر، عندما وقف مذهولًا أمام اختلاط الواقعي بالذاتي، وأخيرًا منزل والدته الذي ارتطم فيه بشتى أنواع الخوف. لتنتهي قصته بمشهد ملتبس قد يُفهم كومضة أمل لإنسان عاجز وضعيف، كما قد يوحي بخلاص جزئي من طنين الخوف الذي يطارده.