إيلاف من عمان: من الغوص في المحلية، تنطلق المخرجة المغربية أسماء المدير إلى العالمية، بتجاربها السينمائية المختلفة التي رغم حداثة عمرها الفني إلا أنها تترك بصمة واضحة في صناعة السينما العربية وليس المغربية فحسب، باعتبارها من أبرز المخرجات.

اختيرت تجربة المدير الوثائقية الأخيرة «كذب أبيض» لتمثل المغرب في الأوسكار بعدما حصدت جائزتين في مهرجان كان السينمائي الدولي، لكن الفيلم الذي استمر العمل عليه نحو عقد كامل حمل تفاصيل عدة تتحدث عنها في الحوار التالي مع إيلاف.


*قدمتِ أفلام قصيرة ووثائقية قبل فيلم «كذب أبيض»، وهو مشروع 10 سنوات، كيف استطعتِ العمل عليه كل تلك المدة؟
- بدأت العمل في السينما بعمر 17 عامًا، دخلت أول معهد للسينما والسمع البصري بالرباط عام 2007 ودرست 3 سنوات. ووقتها كان مشروع التخرج فيلمًا قصيرًا شارك في عدة مهرجانات، وكان بالنسبة لي بوابة جعلتني أتعرف على الإخراج، وذلك لأننا كنا ندرس مجموعة من المهن فقد درست المونتاج وكتابة السيناريو ثم الإخراج. الإخراج لا يُدرس من المدة الأولى.
سافرت بالفيلم إلى فرنسا، وكان فيلمي الأول "ألوان الصمت" والفيلم الثاني "دوار السوليما"، وهي أعمال لم يشارك بها ممثلون محترفون لوجود لمسة الوثائقيات في التجارب التي أقدمها مع رغبتي في العمل مع أشخاص لم يروا الكاميرا ويقفوا أمامها من قبل، لأن هذه النماذج تجعلني أشعر بأنني صنعت الشخصيات التي يقدمونها.
أتذكر في عام 2012 عملت على فيلم "جمعة مباركة" الذي قدمته في أكبر معاهد السينما بفرنسا، فكان بمثابة فيلم قصير يمهد للفيلم الطويل، وفي "كذب أبيض" أخذت وقتًا طويلًا، على مدار 10 سنوات كنت أدرج الفيلم وأطور به، لأنني أثق أن الأفلام الطويلة تأخذ سنوات، ولم أندم لأن ما حققه الفيلم كان أكثر مما أتصور، وجزء من الوقت الذي استغرقه الفيلم يرجع لأنني لم أكن أجد الطريقة التي سأحكي بها الحكاية بدون حقائق ثابتة وبدون صور. الذاكرة التي أحكي عنها ممحية، ما وجدته كمادة خام من شخصياتي (أمي، أبي، جدتي).


*من الغريب أنه لا يوجد أرشيف للمظاهرة الكبرى حول انتفاضة الخبز عام 1981؟
- لا يوجد أرشيف، بحثت في باريس والمغرب، يوجد فقط بعض الصحف التي كتبت عن الأمر، يوجد صورة وحيدة موجودة على الإنترنت وتم نشرها في الفيلم. يمكنني القول إنها كانت فترة صعبة، وجرى محو أو نسيان أي شيء من الذاكرة. وهذا الأمر لم يرعبني كمخرجة، لأنني مؤمنة أن المخرج يمكن أن يجد حلاً للفيلم لحكاية ما تبقى لدى الأشخاص، فلا يهمني ما حدث، بقدر وجود طريقة لحكاية الذاكرة، عندما لا يكون هناك أي شيء ملموس لحكايتها.

*هل يمكن أن تقدمي أفلام وثائقية تحكي عن وقائع عربية حدثت قبل مئات السنين؟
- لما لا؟ فمثلًا الجزيرة الوثائقية تقدم وثائق عن معركة "بلاط الشهداء"، وقدمت سلسلة علماء المغرب. كمنتجة أنتجت العديد من الأشياء التاريخية، فأنا أعشق كل ما يعود بي إلى الماضي، لأنني أكتشف العديد من الأشياء.
عملت على الحرب المنسية "حرب إفني" في المغرب، وقابلت شخصيات مناضلة. أحب العمل على كل ما هو تاريخي، لكن تستهويني الطريقة. لا أجد نفسي في وثائقيات يجلس فيها إنسان على كرسي ويحكي الحقيقة، ولن أعمل على أفلام مثلها. هذا هو الفرق بين السينما والتقارير، فأنا لن أضع شخصياتي على كرسي ولن أطرح عليهم أسئلة مباشرة، لأنني لست صحفية فأنا مخرجة. وإن استدعى الموضوع الحصول على معلومات تاريخية وذات قيمة من شخصيات ثقافية وذات قيمة، سأحصل على تلك المادة وأوظفها بطريقة السينما.

*ما قدمتيه في الصناعة شيء لم يألفه صانع السينما العربي أو المشاهد العربي.. والبعض استغرب ما قدمتيه في حين كان هناك حفاوة أيضًا.. حدثينا عن هذا الإبداع؟
- الفنان عندما يأخذ «موزة» ويعلقها على الحائط، يدفع الناس للتساؤل ما هذا! كل شيء بالنسبة لي قائم على الفكرة، يمكن أن تضع الموزة على الحائط بشكل يشبه اللوحة. السينما بالنسبة لي تستفز المشاهد، وهذا ربما ما حدث مع «كذب أبيض»، أن استفز الطريقة العادية والمألوفة في صناعة الأفلام الوثائقية، وأقول للمتابع العربي هل يمكن أن تتبعني لمدة 90 دقيقة.. وإن لم يعجبك فلديك الوقت لتعود لما هو مألوف عليك.
أنا لا أضع الحبل على أحد! أنا فقط أقول هيا لنجرب. كنت في ورشة من قبل وقلت إنني لست معروفة فإن نجح الفيلم نجح وإن لم ينجح فهو في سلة المهملات، وأنتبه لشيء آخر، لأنني المنتجة ومن أمول العمل وأنا من سيخسر، لكن على الأقل حاولت. العلماء ممن قاموا بالتجارب، في بدايتهم تعرضوا لبعض مخاطر تلك التجربة، لذلك هناك أشياء لا بد وأن نصبر عليها.
عندما أقول إن هناك شبابًا في المغرب أشعر أنهم «جيفارا الشباب»، كأنني فتحت لهم الأبواب. يمكنك البدء من هذا البلد وليس في الخارج. أنا لا يستهويني مستقبلًا أن أضع المادة الخام في أفلامي، يجب العمل عليها لتصبح مادة سينمائية قابلة لمشاهدتها في السينما، فنحن نذهب للسينما للتسلية، كأنك تضع مسدسًا عندما لا يكون لا يعمل بالإخراج.


*من يملك الحقيقة في حكاية التاريخ؟
- قناعتي أنه ليس هناك حقائق، المنتصرون يكتبون التاريخ، وجربت ذلك عندما كنت أبحث وجاءني شخص يخبرني بأنه سيحكي لي ما حدث. أظن أن مقولة التاريخ يكتبه المنتصرون حقيقة، لذلك لا يوجد حقائق.

*حدثينا عن تجربتك الأخيرة في عضوية لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائي الدولي الذي شهد عرض الفيلم السعودي "نورة" في مسابقته الرسمية؟
- هذه أول تجربة في حياتي، وكنت سعيدة بمشاركة الفيلم السعودي «نورة» وأيضًا فيلم صومالي، وشعرت بالمسؤولية وأنا أدافع عن فيلم عربي، فكنت أدافع عن الفيلم نفسه وليس العروبة. ففي فيلم «نورة» كان الممثل يعقوب الفرحان عجيبًا ومستحيلًا أن يمر دوره مرور الكرام، وكانت أول مرة في حياتي أشاهد فيلمًا سعوديًا كلجنة تحكيم.

أنا لا أحب الحكم على الأفلام وفكرة المسابقات في الأصل، تتغير الجوائز بتغير لجنة التحكيم، فكل شخص في اللجنة له ذوق ورئيس اللجنة له ذوق، لذلك الجوائز تتغير بتغير لجان التحكيم. وجود السينما بتلك الطريقة في السعودية يفتح الباب أمام المغرب والجزائر وتونس والمنطقة العربية كلها، وعندما كنت أدافع عن فيلم "نورة" كنت أدافع عن فيلم يستحق.