شيخة الغاوي منأبوظبي: يحتل موسم جني السدر مكانة اجتماعية واقتصادية متميزة في حياة العديد من الإماراتيين لاسيما من سكان المناطق الزراعية والريفية بالساحل الشرقي والوسط والشمال.

ويتحول هذا الموسم الذي انطلق منتصف الشهر الماضي ويتواصل في بعض المناطق حتى مارس المقبل إلى عرس تقليدي يشهد إحياء العديد من التقاليد والعادات الاجتماعية المألوفة والمتوارثة منذ مئات السنين إضافة إلى أهميته الاقتصادية كمصدر من أهم مصادر الرزق لعدد كبير من المزارعين.

ويشهد موسم النبج ثمار شجر السدر ذروته عادة خلال شهر فبراير ليجد الرجال والنساء المناسبة مواتيه لإحياء هذا العرس الزراعي والعودة بالذاكرة للماضي الجميل.
لم يعد موسم جني السدر كما كان يوما بالنسبة للمواطن راشد عبد الله عمران 65 عاما من إمارة دبي فقبل ثلاثين عاما كان موسم السدر بالنسبة له بسيطا ولا يوجد في منزله إلا نوعا واحدا من السدر وهو السدر المحلي.

وبقول: ترتبط شجرة السدر المباركة عند الإماراتيين والعرب عموما بالعطاء الواسع والنعمة والقداسة لذكرها في القرآن الكريم مرارا ويشكل جني السدر موسم فرح يزين حياة الإماراتيين مشيرا الى ان شجرة السدر تحتل مكانة عالية في وجدان المزارعين والأهالي عموما وتمثل إرثا حضاريا ومصدرا مهما للثروة وقيمة اجتماعية تراثية ارتبطت بالتاريخ والخير والبركة كما ان لها موقعا دينيا لما خصها الله عز وجل بقدسية في كتابه العزيز.

وأكد ان الإماراتيين أسوة بغيرهم من أهل الجزيرة العربية يعتبرون ثمار السدر مصدرا مهما لغذائهم وللطاقة /التدفئة/ وقد وصفه على حد تعبيره بأنه خضرة تسكن المكان فشجرة السدر تبقى حية على مدى العام.

وأضاف عمران منذ مئات السنين نمت أشجار السدر بكثرة في الإمارات بسبب ظروف مناخه وتربته المثالية ووفرة أشعة الشمس.
ووصف موسم السدر قديما قائلا: يبدأ الإماراتيون مطلع يناير من كل عام الاستعداد لجني محصول السدر الذي يعد أكثر المحاصيل الزراعية انتشارا فمن النادر ان يخلو منزل إماراتي من شجرة سدر واحدة على الأقل للتبارك بها.

وأشار إلى ان تطور زراعة السدر بدأت منذ قيام اتحاد دولة الإمارات بفضل جهود المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان /طيب الله ثراه/ إذ أمر الجهات والمؤسسات المعنية بتقديم المساعدات والدورات الإرشادية للمزارعين ومساعدتهم على زراعة الأصناف الجيدة الأمر الذي انعكس إيجابا على جودة الزراعة ومردودها المادي.
من جانبها تقول المواطنة روية بنت خليفة بن مطر /أم عبيد/ 70 عاما من مدينة الذيد: زرعنا السدر في الجبال والوديان وبعض الأهالي يزرعون الصلامة الحبوب الموجود داخل الثمار وتستوي تنمو/ السدرة داخل منازلهم للاستفادة منه للأكل وكحطب وكعلف للركاب /الإبل/ والحلال والبعض يستظل بظله بينما يتغذى النحل على أزهاره وينتج العسل.
مشيرة إلى ان عسل السدر معروف بحلاوة مذاقه وعلاج لكثير من الأمراض.
وتضيف: تلايا أواخر القيظ الصيف يزهر حتى منتصف الشتاء ويثمر في السنة مرة واحدة فقط وكنا ندق ورق السدر ثم نضعه في الماء ونغسل به المتوفى وكانت المرأة تستحم بالسدر المخلوط بالماء ويغسل به الشعر لعلاج الحساسية ويلمع الشعر ويخلط السدر مع الملح والكركم والحلبة ويطبخ ويوضع على الكسر في جسم الإنسان كجبيرة لمدة 40 يوما.

وتتابع بنت خليفة: كنا نعتز بشجرة السدر ومتعارف بين الأولين ان شجرة السدر لا تقطع إلا إذا ماتت تلقاء نفسها وفي الماضي كنا لا نعرف إلا السدر المحلي وثمرته صغيرة حلوة المذاق تسقط تلقاء نفسها إذا بلغت /نضجت/ والبعض يهز الأغصان ويتجمع الأطفال تحت أشجار السدر يتسلقونه ويجمعون ثماره ويأكلونه ويبيع الأهالي القليل منه كفاكهة.
بدوره يقول المواطن محمد راشد محمد النعيمي من منطقة الحليو بإمارة عجمان: لشجرة السدر مكانة خاصة عند المواطنين إذ كانت تستخدم للعلاج والحطب مشيرا إلى ان شجر السدر كان قديما نوعا واحدا واليوم تطور وظهرت أنواع عديدة مثل التايلندي والهندي والباكستاني.

وأضاف: في أوائل السبعينيات دخل الدولة النوع الهندي ذو الثمار الكبيرة وزرعه الأهالي وعندما يبشر يتوافد الجيران وأهل المنطقة على المنزل الموجودة به السدر لرؤية ثماره وتذوقها كما ان صاحبها لا ينسى ان يرسل لمعارفه وجيرانه بشائر منها أما الأطفال انبهروا بهذا النوع لكبر حجم ثماره.

وتابع: في الوقت الحاضر ظهرت أنواع يختلف مذاقها عن مذاق السدر المحلي القديم وبدأت هذه الأنواع في الظهور في السبعينيات من القرن الماضي بعد قيام الاتحاد.
وقال: تحتوي مزرعتي على 190 شجرة سدر زرعتها كمصد للرياح والاستفادة منها ولا نبيع بل نهدي منها وعندي العربي والتايلندي والهندي والباكستاني والبنغالي وأفضل نوع هو الهندي مضيفا انه زرع البلدي /المحلي/ في بداية زراعتي لأن طلعته قوية ويتحمل العوامل الطبيعية ثم قمنا بتطعيم الجذر الأصلي للنوع المحلي وطلع الصنف المطلوب سواء كان تايلندي أو محلي ويبقى الأصل ثابت والنبتة تظهر بالنوع المرغوب.
وأكد ان للنبج مردود مادي جيد إذ يصل سعر الكيلو من 15 20 درهم.

هذا ويشهد سوق الجمعة الواقع على طريق الفجيرة إقبال عدد كبير من السياح على شراء النبج المعروض بالسوق المعروف بمذاقه الطيب ولوحظ التهافت من قبل المواطنين والمقيمين الذين تجمعوا لشرائه مؤكدين أنهم لا يحظون به سوى عند التواجد في المنطقة الشرقية التي تكثر بها المزارع وأشجار السدر واختلفت أسعاره من بائع لآخر.
واصطف عدد من البائعين على طول امتداد الطريق وكميات كبيرة من النبج معروضة أمامهم يلوحون بأيديهم للمارة للتوقف وشراء النبج وكل بضع ساعات يتم تزويدهم بكميات أخرى من النبج محملة في سيارات نقل يتم جلبها من مناطق عدة قريبة بالمنطقة.

ويؤكد البائع نور الدين ياسين ان عددا كبيرا من السياح الأجانب يستمتعون بأكل النبج الذي يلفت انتباههم الإقبال الهائل عليه من قبل مواطني المنطقة والمناطق الأخرى القريبة وشدة الطلب عليه تجعله في هذا الوقت من كل عام منافس قوي لأنواع الفواكه الأخرى التي نبيعها في السوق.
ويقول المهندس الزراعي هشام أسعد الحسن من رأس الخيمة ان النبج يسوق وله مردود مادي معقول فكل شجرة تطرح في المتوسط من 30 إلى 40 كيلو تقريبا.

مشيرا إلى ان وقت الازهار يكون في بداية شهر أكتوبر وينضج الثمر في شهري فبراير ومارس. وانتهى للقول ان زراعة السدر في الفترة الأخيرة عادت لتتصدر اهتمام الإماراتيين لفوائدها الاقتصادية والغذائية.