ينتشر في ربوع الجزائر عدد كبيرمن النوافير التي جرى إنشاؤها لغايات بيئية وجمالية، ويعتبرها السكان المحليون ملاذات طبيعية حساسة يأوون إليها، فيما يعدّد مختصون تحدثوا لـquot;إيلافquot;، مزايا هذه النوافير ومساعدتها على تلطيف الجو وترطيبه، لا سيما في مواسم الحرّ ووسط سطوة التلوث والمناخات الجافة.


كامل الشيرازي من الجزائر: أينما حللت وارتحلت عبر المدن الجزائرية، تستوقف الزائر كما أبناء البلد، آلاف النوافير المتعددة الأشكال التي تتوسط كبريات المناطق، وحتى المناطق البعيدة، والأحياء الشعبية على منوال حي القصبة الأثري الشهير بأعالي العاصمة الجزائرية، الذي يستوعب لوحده أربع نوافير هي: عين زوج عيون ndash; عين بئر جبّاح ndash; عين سيدي عبد الله وعين بئر شيبانة.

كما تتوفر مدن سطيف، المدية، قسنطينة، وهران، غرداية وغيرها على نوافير لا تقلّ بهاءا، تشتهر منها quot;عين الفوّارةquot; التابعة لولاية سطيف (300 كلم شرق)، ورغم التوسع الحضري الذي شهدته الجزائر في العقود الأخيرة، إلاّ أنّ هذه النوافير التي تعود غالبيتها إلى مرحلة التواجد التركي، حافظت على وجودها، وجرى مضاعفتها مع ارتفاع عدد السكان وحاجتهم الماسة إلى قسط من التنفيس، وكذا الماء حيث يتم استخراج الأخير - بحسب شروحات الحاج بلقاسم - انطلاقا من منابع جوفية تزخر بها سائر الجهات.

ويقول quot;ربيع زميشquot; إنّ النوافير أضحت عاملا للتوازن البيئي في بلد تحوّل فيه اقتلاع الأشجار وابتلاع مآقي الطبيعة بمثابة quot;رياضة وطنيةquot; على حد تعبيره، بجانب ما ترتّب عن زحف الصحراء الهائل تُجاه شمال البلاد، ما أفرز وضعا بيئيا غير صحي، ويمكن أن تلعب النوافير دورا في تقويمه.

ويضيف زميش إنّ للنوافير وظائف تتعدى ما يعتبره البعض quot;رخاء ورفاهيةquot;، حيث تسهم بقسط وافر في تعديل الجو عبر ترطيبها الهواء وامتصاصها الحرارة وإهالة قدر من النسمات على محيطها برذاذ الماء المتطاير منها، تماما مثل الذي تفعله الفضاءات المائية كالبرك والأحواض وكذا المناطق الرطبة والمساحات الخضراء.

ويستوحي quot;علاوة لوناسيquot; عبق الزمن الأندلسي، حيث يلفت إلى أنّ أوائل من صمموا النوافير في عزّ تلك الحقبة، أشاروا إلى وقع مياه النوافير بموسيقاها العذبة، وتهيئتها المجال لاستزراع ألوان من النباتات المائية والزهور، خصوصا مع تباينات مياه النوافير تحت ضوء الشمس وتحت الظلّ.

ويركّز الطيب، رفيق والميلود وهم أبناء مدينة المدية (90 كلم غرب)، على المكانة الخاصة التي تحظى بها النوافير في العاصمة التاريخية لـquot;بايلك التيطريquot;، إذ غالبا ما تنجز هذه النوافير بالقرب من كروم العنب، ويتم اتخاذها كملاجئ خصوصا في فصل الصيف، بحثا عن الانتعاش من لدن سكان الأحواش والبلدات النائية وعموم المناطق التي تفتقد إلى أي امتداد ساحلي.

واستنادا إلى quot;سليمان ريّاحquot; فإنّ مدينة المدية التي تحصى بها أكثر من 1500 منبعا مائيا، تتوفر على كم هائل من النوافير العمومية والخاصة، بينها quot;عين تاقبوquot;، quot;عين لعرايسquot; وquot;تالا عيشquot; وهي نوافير قديمة يتردد عليها السكان منذ سنين للتزود بمياه باردة وطبيعية.

ولم يعد غريبا، أن تجد أطفالا وحتى شبان المناطق الداخلية التي تفتقر إلى مسطحات مائية، يرمون بكل ثقلهم في مياه النوافير، من خلال سباحتهم داخلها صيفا، رغم ما يترتب عن ذلك من استياء لدى من يقصدونها لأجل الهدوء والاستجمام، والغيورين على بقاء مياهها رقراقة منسابة ومغرية للناظرين.

ولا يقتصر الهوس بالنوافير لدى سكان القرى والأرياف، بل ينال منزلة محترمة لدى سكان الحواضر الكبرى (مليانة ndash; القليعة ndash; المدية ndash; مستغانم)، حيث تمتلك عديد العوائل هناك نوافير داخل بيوتها العتيقة، وعادة ما يلتف الضيوف والأقارب حول النوافير التي تتوسط أفنية المنازل، ويرتشفون القهوة والشاي في سهرات الصيف الطويلة، أو يحتفلون بالأعياد الدينية والتقليدية وحفلات الزفاف، كما قام هؤلاء بإنجاز عمليات ربط انطلاقا من نوافيرهم الشخصية لتمكين مواطنيهم من التزود بالمياه ليلا ونهارا.

من جانبها، تشكّل نافورة quot;الخامس تموزquot; التي تقع في عمق مدينة غرداية (650 كلم جنوب) منجاة لأهالي منطقة تتميّز بمناخ جاف وحرارة شديدة، ويؤكد عباس وهو شاب من حي الثنية المحاذي، أنّ هذه النافورة التي تدفع بالمياه الصافية إلى علو يقارب السبعة أمتار، تشكل المكان الوحيد للاحتماء من احترار الجو.