أحمد عباس:بيوت القصب والبردي المبنية فوق المسطحات المائية في جنوب العراق، والتي تكونت من ترسبات نهري دجلة والفرات منذ 5000 سنة قبل الميلاد، حيث شهدت ولادة وتطور الحضارة السومرية هي ليست طراز سكن فحسب، إنما اسلوب معايشة مع البيئة وتطورات المناخ. ويشهد مؤلف كتاب quot;عرب الاهوارquot; الذي عاصر سكان المنطقة حياتياً، يطلق عليهم quot;المعدانquot;، على وجود قنوات الري لغاية عهد الخمسينات من القرن العشرين مرصوفة بالواح خشبية، الأمر الذي يقود إلى إسلوب التعامل السومري مع البيئة وتدبير شؤون المياه في حالة إرتفاع منسوبها في نهري دجلة والفرات. إذ يساعد القصب الطيور في بناء أعشاشها بخلاف الأسمنت، وهكذا تكونت محميات طبيعية، من أشجار وطيور وأسماك، تعرضت إلى الفتك والتخريب، عندما قام نظام البعث بحرق الأهوار في نهاية الثمانينات. والآن تم تأهيل نصف مساحتها تقريباً. وقد حذرت منطمات البيئة الدولية والعراقية من التأهيل العشوائي لهذه المحميات الطبيعية، مطالبة استعمال المواد الطبيعية والناتجة من بيئة الأهوار، كالقصب والبردي، مشيرة إلى ضرر استعمال الطابوق أو الاسمنت في أعمال اعادة الترميم والتأهيل لهذه البيوت التي تعُد من التراث الانساني.

تُفضي مقارنة بيوت الأهوار القصبية مع البيوت التي أكتشفت في تخوم جبال الألب السويسرية قبل قرن ونصف، واعتبرتها منطمة الأونيسكو تراثاً انسانياً (وهي بيوت مصنوعة من الخشب والعظام والجلد ومرفوعة على أعمدة مربوطة إلى بعضها البعض بواسطة جسور وعبّارات خشبية)، إلى وجود قواسم مشتركة بين وسائل عيش الشعوب الريفية، قبل الميلاد في العصرين الحجري والبرونزي، ومدى اهتمامها بالبيئة التي تعاملت معها كنصير وكضامن بقاء.

إذ ان وجود البيوت الخشبية السويسرية تلك قريباً من البحيرات، جعلها في منأى من التخريب والعبث ولا زالت باقية إلى الوقت الراهن، لكنها مدفونة داخل الرمال أو وسط البحيرات. امّا بيوت البردي، فهي قائمة حيّة يسكنها عرب الاهوار. وافقت منظمة ألأونيسكو على إعتبار تلك البيوت الخشبية المعلقة تراثاً إنسانياً استجابة لطلب سويسرا ونيابة عن ست دول أوربية. حيث توجد هذه المواقع في: فرنسا، المانيا، ايطاليا، سلوفينيا، النمسا وسويسرا، وعددها 111 موقعاً منها 59 في سويسرا. توجد صلات وشواهد ثقافية وبيئية كثيرة بين تراث هذه المواقع الأوربية وبين منطقة الأهوار العراقية، منها اللقى الأثرية، الأواني الخشبية والخزفية، المنسوجات، المجوهرات، تربية المواشي، الزراعة في فترة يكتنفها الكثير من الغموض أمام البحث العلمي، اضافة الى الزوارق، وسيلة التنقل حينذاك، ولا تزال مستعملة في أهوار العراق وبأنواع كثيرة ومختلفة. فمتى، إذاً، تقدم الحكومة العراقية ومنظمات المجتمع المدني، طلبات إلى منظمة الأونيسكو، إعتبار بيوت الأهوار تراثاً أنسانيا مأهولاً وشاخصاً منذ الحضارة السومرية حتى الوقت الراهن، بينما البيوت الخشبية السويسرية تلك، مهجورة الآن كسكن، ومدفونة في قاع البحيرات.

بيوت القصب والبردي فيأهوار جنوب العراق