يعاني البدو في العراق من ندرة المسطحات المائية وطغيان التصحر خاصة بعد فشل ترييف المدن.
وسيم باسم من النجف: على طول الطريق بين بابل و النجف (مدن في وسط العراق تقع جنوب بغداد)، تنحسر المسطحات المائية التي كانت إلى وقت قريب تزدهر بمزارع quot;الشلبquot; والرز.
ويقودك الطريق الملتوي حول القرى الصغيرة الى بساتين تضم إعجاز نخل خاوية، وصور صحراوية تحل بديلا لبساتين ومزارع انحسرت مع غزو الجفاف الزاحف لحوالي 400 ألف دونم من الأراضي الزراعية.
وفي سعي فردي حفر أبو محمد وبعض أفراد عشيرته في مزارعهم الواقعة على تخوم الصحراء الممتدة بين النجف وكربلاء ثلاثة آبار، في محاولة لسقاية الأراضي التي يغزوها التصحر.
لكن أبو محمد ييأس إلى حد ما من انجازه، فقد حفرت الحكومة المحلية عددا كبيرا من الآبار في منطقتي مظلوم وبحر النجف وصحراء النجف - كربلاء (160كم جنوب غرب العاصمة العراقية بغداد )، لكن تأثيرها الايجابي محدود إلى الآن.
وبينما كان منتظرا من المشاريع الروائية ومشاريع التشجير في تلك المناطق التي شُرِع بتنفيذها منذ الثمانينيات، أٌنْ توطّن البدو الرحل وتوقف الصحراء، يحدث العكس، فقد تريفت المدن، وتمخضت الأراضي الخضراء عن صحراء.
وعلى رغم ان الأراضي الجافة، في تلك المنطقة تخزن تحتها مياه جوفية ضخمة، لكنها تحتاج الى الاستثمار الذي يخرجها من باطن الأرض.
وبحسب هاشم الكرعاوي رئيس اللجنة الزراعية في مجلس محافظة النجف فان الأمر لا يتعلق بحفر الآبار فحسب، لان عملية الحفر مستمرة، لكن هناك حاجة ماسة الى استخدام التقنيات الحديثة لتوظيف المياه الجوفية بشكل كفء واقتصادي.
ويرى المزارع ابو محمد ومجموعة من المزارعين من حوله ان المشكلة في منع المزارعين من زراعة النخيل وبناء البيوت في الصحراء، بسبب القانون رقم 35 الذي يسمح بتأجير الأراضي الجرداء لمن له القدرة على استصلاحها.
ويقول ابو محمد ان المعنى في هذا القانون فضفاض وغالبا ما يوظف بشكل يعيق الفلاح من استثمار الصحراء.
وعلى رغم ان الحكومة المحلية في النجف تشرع في نشر حزام اخضر حول المدينة لمكافحة زحف الصحراء الى ان المشروع يبدو قزما امام عملاق الصحراء المخيم على تلك المناطق.
وبحسب الخبير الزراعي حميد الكسائي فان هذه المشاريع الصغيرة والقصيرة العمر لن تجدي نفعا، بل على العكس، فانها تعد أموالا ضائعة في الرمال.
وبحسب الكسائي فان الحل يكمن في مشاريع إستراتيجية عملاقة تقوم بها شركات كبرى، على ان تكون هذه المشاريع مستمرة وعلى مدى فترة زمنية طويلة تمتد لسنوات، فليس يكفي زرع الأشجار على امتداد كيلومترات واو رائها، لبضعة اشهر ثم الانصراف عنها.
ان ظاهرة التصحر ليست جديدة على عراق اليوم فقد بدأت منذ السبعينيات، مع انخفاض مناسيب المياه وقلة الأمطار، وغياب المشاريع الإستراتيجية في استصلاح الأراضي.
والزائر لسواد العراق بين النجف و المشخاب باتجاه ناحية القادسية في محافظة النجف في الثمانينيات، سيفاجأ في زيارته الان عن الفرق الكبير في الصورة بين الأمس واليوم، فليس ثمة مزارع للشلب كما عهدها، وانخفضت مناسيب الأنهر الرئيسية كما جفت الانهر الثانوية. وتوشك آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية على الموت لقلة المياه وانعدام الأمطار وغزو الصحراء.
ويضطر ابو حاجم كما هو حال اغلب سكان المناطق المحاذية لصحراء النجف كربلاء جنوب مدينة الحلة، الى تأجير سيارات مياه مقابل ألف دينار لكل 20 لتر.
ويرى لفيف من مزارعين ومهندسين زراعيين ان الحل الواقعي والقابل للتطبيق اليوم هو في البدء بحملة شاملة لزراعة الصحارى عن طريق استغلال المياه الجوفية لكن بتقنيات حديثة وشركات متخصصة في هذا المجال عبر عقود تمتد لسنوات.
يقول المستثمر الزراعي ليث الحسيني، ان اغلب المشاريع التي تقوم بها الحكومات المحلية هي مشاريع صغيرة وليست إستراتيجية، ولهذا السبب لم تنتج ما يشار اليه بالبنان. فعبر السنوات الماضية سعت الحكومات المحلية والبلديات الى اقامة مشاريع حفر آبار وتشجير، وكلها بمثابة جهد مبعثر، ودليل ذلك ان الصحراء استمر في زحفها والزراعة الى انحسار.
ويضيف... الحكومة المحلية في كربلاء تشرع في حزام أخضر حول المدينة يبلغ طوله عشرات الكيلومترات، وفي النجف ايضا شجرت مداخل المدينة ومقتربات اطرافها على الصحراء، لكن هذا لن يجدي نفعا، وستؤول تلك المشاريع الصغيرة الى صحراء جديدة.
يقول الباحث عبد الحسين الخفاجي ان محاصرة الصحراء بالمدن والواحات عبر مشاريع عملاقة هو الحل الأمثل لقهر الجفاف وتأهيل الأراضي الجافة، فإقامة العمارة وتأهيل الطرق المبلطة تعد البؤرة التي ننطلق منها لتأهيل المناطق المحاورة لتلك المدن بالزراعة كما تفعل دول الخليج العربي وبينها السعودية.
وبحسب الخفاجي فان مدينة عين التمر (40 كم غربي مدينة كربلاء) مثال لمدينة الصحراء التي يمكن لعشرات المدن مثلها، ان تستغل المياه الجوفية لإقامة الزراعات الصحراوية الدائمة.
وعلى رغم ان مدينة عين التمر تقع في عمق الصحراء الى انها تضم عيون الماء الصالحة للشرب، كما ان ينابيع المياه فيها تتدفق من باطن الأرض، وتحيط بها البساتين.
- آخر تحديث :
التعليقات