كل يوم يموت نحو أربعة آلاف طفل بأمراض يحملها الماء. بكلمات أخرى فإن 166 طفلاً يموتون كل ساعة ونحو ثلاثة أطفال كل دقيقة. وفي أنحاء العالم فإن أكثر من مليار إنسان محرومون من الماء الصالح للشرب، وأكثر من 2.5 مليار إنسان بلا مرافق صحية وافية. ولهذه الأرقام قصة مؤداها تزايد الاهتمام أخيرًا بأزمة الماء المقبلة، ولكنها بالنسبة إلى كثيرين أزمة ليست مقبلة، بل قائمة بينهم.


أزمة شح المياه تهدد بمخاطر جدية

ترجمة عبدالإله مجيد: في بلدان العالم العربي وصلت أزمة الماء فعلاً. إذ لدى بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أقل حصة من إمدادات الماء المتجددة للفرد الواحد بين مناطق العالم، وتُعدّ من أشد المناطق تأثرًا بشحّ الماء في العالم. وفي حين أن العالم العربي يشكل نحو 5 في المئة من سكان العالم، فإن نصيبه من ماء العالم يقلّ عن 1 في المئة. وبالنسبة إلى منطقة غنية بالموارد الطبيعية الأخرى، فإن الماء ليس واحدًا من هذه الموارد.

وستكون لأزمة الماء المتفاقمة هذه في العالم العربي آثار متنوعة في بلدانه المختلفة، تمتد من احتمال نشوء أزمة إنسانية آنية في اليمن وبلدان شمال أفريقيا المتضررة بالجفاف إلى تباطؤ التنمية على المدى البعيد في بلدان مجلس التعاون الخليجي. وتعتمد بلدان المجلس اعتمادًا شديدًا على الآخرين في أمنها الغذائي مثلاً. وتبين ورقة بيضاء رسمية أعدّتها دولة الإمارات العربية لقمة مجموعة العشرين في كان في العام الماضي أن الإمارات تستورد 85 في المئة من احتياجاتها الغذائية. وبالتالي فإن أمنها الغذائي يرتبط بالأنماط المناخية ومعدلات سقوط الأمطار وتوافر الماء في أنحاء العالم.

لكن لدى الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي موارد مالية كافية لإدامة هذا الاعتماد المفرط على المدى القريب. وفي بلدان شمال أفريقية مثل مصر، تعتمد هي الأخرى اعتمادًا مفرطًا على الآخرين في أمنها الغذائي، ولكن لا تتوافر لديها الموارد المالية الكافية، فإن ارتفاع أسعار المواد الغذائية يشكل مصدر تهديد خطر لاستقرارها. والحق أن مصر شهدت في السنوات الخمس التي سبقت سقوط الرئيس حسني مبارك ثلاث جولات من ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وكان الغضب على تضخم أسعار الغذاء عاملاً رفد منابع النقمة متعددة الأشكال التي كانت وقود الانتفاضة.

ويعرف الجميع أن الماء سر الحياة بالمعنى الحرفي للكلمة. ولا حياة من دون ماء. وحين لا يكون الماء نظيفًا نصاب بالمرض. والماء يتكفل بإنتاج غذائنا ونمو أشجارنا التي تساعدنا على التنفس. ولكن الماء أكثر من غذاء يمنح الحياة، وأكثر من مصدر للإنتاج الزراعي والأوكسجين الذي نتنفسه في الهواء والغذاء الذي نأكله. فهو أيضًا وقود الاقتصاد العالمي. وكل مصادر الكهرباء والطاقة تحتاجإلىالماء في عملياتها التوليدية، بل إن مسؤولاً كبيرًا في شركة غربية كبرى للنفط والغاز قال مصيبًا إن كل شركات الطاقة هي في التحليل الأخير شركات ماء. ومع تنامي استهلاك الطاقة سيزداد الطلب على الماء.

ويُصنَّف الشرق الأوسط عمومًا في الدرجات quot;المرتفعةquot; أو quot;القصوىquot; على مقياس شحّ الماء. وحالة اليمن من حيث وضع الماء مثال صارخ على تفاقم الأزمات الإنسانية المتعددة التي يواجهها هذا البلد في شبه الجزيرة العربية. فهناك حاليًا 750 ألف طفل يمني يعانون نقصًا في التغذية، وهو ضعف عددهم في العام الماضي. وتبلغ حصة اليمن نحو خمس المتوسط المتعارف عليه لحاجة الفرد اليومية من الماء، ويستورد زهاء 90 في المئة من احتياجاته الغذائية. ويمكن أن ينضب ماء العاصمة صنعاء بالكامل في غضون عشر سنوات، ليطلق موجة من quot;لاجئي الماءquot; في أنحاء البلاد، وربما عبر الحدود.

وفي المغرب أصبحت مواسم الجفاف أكثر تواترًا، تحدث كل عامين، بعدما كانت تحدث كل خمسة أعوام. وفي الأردن فإن البحر الميت يموت بالمعنى الحرفي للكلمة، وينخفض منسوب الماء فيه بواقع ملياري غالون في العام، وينحسر الماء عن خط الشاطئ نحو 4 أقدام سنويًا. ويواجه البحر الميت خطر الاختفاء تمامًا بحلول عام 2050.

وتنادى خبراء الماء من أنحاء العالم في مدينة مارسيليا الفرنسية في الأسبوع الماضي لعقد مؤتمر كبير برعاية الأمم المتحدة. وقدمت الأمم المتحدة بمناسبة المؤتمر تقريرها عن تنمية الموارد المائية في العالم الذي تنشره كل ثلاث سنوات. وكانت النتائج تفتح العيون وتشحذ الأذهان. إذ يلاحظ التقرير quot;أن النمو غير المسبوق في الطلب على الماء يهدد كل أهداف التنمية الرئيسةquot;. كما يحذر التقرير من أن ارتفاع الطلب على الغذاء والتمدن المتسارع والتغير المناخي تشدد الضغط بدرجة كبيرة على إمدادات الماء في العالم.

وسلط التقرير الضوء على أربعة أسباب رئيسة للقلق في العالم العربي، هي شح الماء والاعتماد على مصادر مائية مشتركة والتغير المناخي والأمن الغذائي.

ولفت التقرير إلى أن بلدانًا عديدة تستنزف مصادر المياه الجوفية مهددة العديد من منظومات الخزن الوطنية والمشتركة في باطن الأرض. وفي هذه الأثناء يمكن أن تحدث توترات بين الدول، وخاصة المتشاطئة على حوض النيل، بشأن حقوق الماء. وفي ما يتعلق بالتغير المناخي يلاحظ التقرير أن تغيرات طفيفة في الأنماط المناخية يمكن أن تسفر عن آثار بالغة على الأرض، مشيرًا إلى مواسم الجفاف الكثيرة في المغرب كمثال.

ولكن الأمن الغذائي قد يكون القضية الأشد إلحاحًا. فالزراعة تشكل 70 في المئة من الطلب على الماء في المنطقة. ورغم ذلك تعاني غالبية البلدان العربية من تبعية غذائية شديدة. ولاحظ التقرير أن الإنتاجية الزراعية المحدودة واستمرار تدهور الأرض وشحّ الماء جعلت أهداف تحقيق الاكتفاء الذاتي في الغذاء أهدافًا تعجيزية على المستويين الوطني أو الإقليمي.

وآن الأوان لكي يقوم قادة المنطقة بعمل مشترك. واتخذت الإمارات العربية خطوة أولى مفيدة بالدعوة إلى قمة مائية دولية، تستضيفها أبوظبي في العام المقبل. ولكن مؤتمرات القمة ليست كافية، والمطلوب تحرك آني. ويتعين استحداث هيئة عربية إقليمية للأمن المائي على الفور. ويجب أن تكون الهيئة رشيقة ذات مصداقية ومدعومة على أعلى المستويات الرسمية. وستقوم الهيئة بدور مركز للمعرفة وجهاز إنذار ينبه إلى المخاطر وعاملاً مساعدًا لتخصيص الموارد وصوتًا محليًا في المحافل الدولية بشأن هذه القضية الحيوية.

إن إيجاد حلول لأزمات الماء المتعددة في الشرق الأوسط ممكن بالعمل الجماعي الفعال، وإن استحداث هيئة مدعومة على أعلى المستويات يمكن أن يشكل الحافز الذي يسهم في التوصل إلى حلول مستدامة مطلوبة على وجه السرعة. فالوقت ينفد، والماء أيضًا آيل إلى نفاد.