أشرف أبوجلالة من القاهرة:ما زالت أزمة نقص اللقاحات التي تستخدم في معالجة مرض H1N1، المعروف بإنفلونزا المكسيك، تطفو على سطح الأحداث في الولايات المتحدة، ومع استمرار انتشار مشاعر الذعر والهلع لدى قطاعات عريضة من السكان في جميع أنحاء البلاد، من شرقها الى غربها، وشمالها الى جنوبها، لا يبدو أن الإجراءات العلاجية تسير على النحو المأمول، بعد أن أماطت تقارير صحافية النقاب عن أن أمهات الأطفال الصغار والسيدات الحوامل بدأن ينصرفن بعيدًا عن عيادات التطعيم ضد المرض الوبائي الجديد، بعضهن يذرفن الدموع، وكثيرات منهن يشعرن بالإحباط الشديد، نتيجة للنقص الحاصل في اللقاحات.

وعلى الرغم من ذلك كله، تؤكد صحيفة التلغراف البريطانية أن الأمور قد تسوء أكثر من ذلك، فالسلالة المرضية الجديدة قد تصبح أكثر خبثًا، وقد تتحول لتصبح كإنفلونزا الطيور، التي يمكنها أن تعيش فسادًا بسبب الطريقة التي تنتج من خلالها الولايات المتحدة اللقاح المستخدم في معالجة الإنفلونزا. وبالتزامن مع تلك المشاكل الحادثة الآن، تذكر الصحيفة بالتنبيهات التي سبق وأن شدد عليها مسؤولو قطاع الصحة في الولايات المتحدة قبل أشهر عدة، والتي كانت تتمحور حول أولوية الأطفال، وبخاصة المصابون منهم بظروف صحية مثل الربو، وكذلك الحوامل، في تلقي التطعيمات لأنهم الأكثر عرضة للإصابة.

لكن، وبعد أن تم تداول اللقاح في وقت باكر من الشهر الماضي، واجهت السلطات مشكلة، تمثلت في عدم توافره بقدر كاف. وهنا، تنقل الصحيفة عن دكتور ستيفن سالزبيرغ، مدير مركز المعلوماتية الحيوية وعلم الأحياء الحسابي في جامعة ميريلاند، قوله: quot;لقد أبلت معاهد الصحة الوطنية ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بلاءً حسنًا بتأكيدها على أهمية الحصول على اللقاح. لكن المشكلة تمثلت بعد ذلك في عدم توافره. ولقد اضطرت زوجتي وبناتي الصغار إلى المغادرة من أمام إحدى عيادات التطعيم في ضاحية روكفايل في واشنطن، بعدما وجدوا أمامهم صفًا طويلاً من الأشخاص ( حيث وصلت المسافة التي يصطف بها الأشخاص إلى نحو كيلو متر قبل أن يتم فتح العيادة) فقد كان هناك المئات من الأشخاص، وكان تتوافد المزيد من الأعداد الإضافيةquot;.

في غضون ذلك، تؤكد الصحيفة على أن موارد البلاد من اللقاحات بدأت في النضوب. وتضرب الصحيفة المثل هنا في مقاطعة مونتغومري التي لم يكن يتبقى لديها حتى يوم الجمعة الماضي سوى 250 جرعة من اللقاح الذي يُمْنح للمرضى عن طريق الحقن، ولم يتم تطعيم سوى 8800 شخص من إجمالي سكان المقاطعة البالغ عددهم مليون فرد. الأمر الذي استدعى الصحيفة لطرح تساؤلاً مفاده: ماذا لو وصل هذا المرض إلى درجة الوباء الذي سبق وأن تسبب في قتل عشرات الملايين من الأشخاص حول العالم عام 1918 ؟ - وهنا يتابع سالزبيرغ قوله :quot; إن كان لدينا اليوم سلالة إنفلونزا معدية شديدة الخبث، فإنها قد تكون بالسوء ذاته وباء عام 1918 بكل سهولة. وقد تكون أكثر سوءًا لأننا نختلط بشكل أكبر، ونسافر على نحو أكثر سرعةquot;.

أما ديفيد بشاي، الأستاذ المشارك في كلية جون هوبكنز بلومبرغ للصحة العامة، فقال إن التقدم في مجال الرعاية الصحية والتغذية يعني أن تكرار وباء عام 1918 ليس بالأمر المحتمل. وتابع قائلاً: quot;لقد وقع وباء عام 1918 الذي تسبب في قتل الكثير من الأشخاص في عالم مختلف. فقد كانت التغذية ضعيفة للغاية، وكانت مستشفياتنا عديمة الفائدة تمامًا، ولم يكن بإمكانك أن تحصل على مهواة في وحدة العناية المركزةquot;. وفي شأن ذو صلة، تلفت الصحيفة إلى أن معظم منتجي لقاحات الإنفلونزا المُصدَّق عليها يقومون بـ quot;إنماءquot; اللقاح في البيض، تلك الطريقة التي وصفها توماس فريدين، رئيس مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، بأنها طريقة عفا عليها الزمن.

وهو الرأي ذاته الذي أيده سالزبيرغ، بعد أن قال إنها طريقة قديمة بالفعل، وأكمل قائلا :quot; عندما تكون بحاجة فعلية للقاح بشكل سريع، لا يمكننا أن نقوم بتصنيعه، وهو ما يبدو واضحًا الآن. فقد توافر هنا في الولايات المتحدة 23 مليون حقنة بعد ستة أشهر من تفشي المرض. فإن كنا نعتمد في إنتاجنا للقاحات على تقنية الإنتاج المرتكز على الخلايا، لكان بحوزتنا 200 مليون جرعة حتى الآنquot;. وشدد سالزبيرغ في غضون ذلك على أن إقدام الولايات المتحدة على تغيير الطريقة التي تنتهجها في إنتاج اللقاحات المعالجة للإنفلونزا سيكون أمرًا مكلفًا للغاية بالنسبة إلى الشركات الدوائية، لافتًا إلى أن قرارًا مثل هذا لابد وأن يتخذ من جانب أرفع المستويات السياسية. وختم بالقول: quot;إن لم تأخذ الحكومة الأميركية إجراءات قبل نشوب وباء الإنفلونزا المقبل، الذي قد لا يكون له مثيل منذ عقود، فإننا سنقوم بإنماء لقاح الإنفلونزا في البيض مرة أخرى، ومن ثم نواجه نقصًا في اللقاحات المُعالِجةquot;.