دريسدن: فيما مضى كان يُعرف النوع الثاني من مرض السكري بـ quot;مرض السكري المرتبط بالتقدم في العمرquot;، لأنه عادة ما يصيب الأشخاص الذين يتخطون حاجز الـ 40 عاماً. غير أن هذا الأمر اختلف تماماً في الآونة الأخيرة، حيث يشير البروفيسور بيتر شفارتس الأستاذ بجامعة العلوم والتكنولوجيا بمدينة دريسدن شرقي ألمانيا، إلى أن هناك في الوقت الحالي أطفال يبلغ عمرهم خمس سنوات يعانون من النوع الثاني من مرض السكري. كما أن أعداد الشباب المرضى بالنوع الثاني من السكري والذين غالباً ما يصابون به في مرحلة المراهقة ارتفعت في الآونة الأخيرة بصورة مخيفة. وتنذر كل التكهنات بعواقب وخيمة لتفشي السكري من النوع الثاني بين فئة الأطفال والشباب.

ويرجع السبب في انتشار مرض السكري بين الأطفال والشباب إلى إتباعهم لأسلوب حياة غير صحي يتمثل في قلة ممارسة الرياضة وتناول الأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية والتي تفتقر إلى الألياف الغذائية. ويقول البروفيسور الألماني توماس دانه مدير مركز علاج السكري لدى الأطفال التابع لمستشفى الأطفال بمدينة هانوفر :quot;السِمنة المفرطة هي أكثر الأمراض المزمنة انتشاراً في سن الطفولة والشبابquot;.

ففي ألمانيا مثلاً يصاب في الوقت الحالي ما يقرب من 200 شاب سنوياً بمرض السكري من النوع الثاني، أي خمس أضعاف ما كان عليه الحال قبل عشر سنوات. ويرى البروفيسور شفارتس أن السبب في ازدياد أعداد الشباب المصابين بالسِمنة المفرطة، هو تناولهم لمواد غذائية ترتفع بها نسبة الدهون. ويلفت دانه الذي أصبح أول أستاذ للوقاية ورعاية مرضى السكري في أوروبا منذ نيسان/أبريل الماضي، إلى أن العشرين عاماً الماضية شهدت زيادة ملحوظة في نوعية الأطعمة التي ترتفع بها نسبة الدهون. غير أنه يعود ويؤكد على أن شركات الأغذية لا تتحمل وحدها المسؤولية حيال ذلك؛ فهي تنتج ما يروق للعملاء شرائه، فضلاً عن أن الأطعمة التي ترتفع بها نسبة الدهون يكون مذاقها أفضل بكثير.

وبالنسبة لمرض السكري من النوع الثاني يكون البنكرياس قادراً على إفراز الأنسولين، غير أن الهرمون لا يكون فعالاً بقدر كاف. وعن خطورة ذلك يقول بيتر آخنباخ الباحث بمعهد أبحاث السكري التابع لمركز هيلمهولتس بمدينة ميونيخ جنوبي ألمانيا :quot;إن هذا الأمر قد يتسبب في عدم وصول السكر في الدم إلى الخلايا بشكل كافquot;. وفي المراحل المبكرة للنوع الثاني من مرض السكري يمكن في كثير من الأحيان تحقيق نتائج إيجابية للغاية من خلال ممارسة الرياضة وإتباع نظام غذائي سليم وإنقاص الوزن بالإضافة إلى بعض الأدوية الضرورية.

أما إذا لم يتم اكتشاف المرض، فمن الممكن أن يترتب على ذلك عواقب وخيمة، منها على سبيل المثال انسداد الأوعية الدموية واضطرابات بتدفق الدم، حيث أشار شفارتس إلى أن غالبية مرضى السكري يموتون جراء الإصابة بأزمة قلبية أو سكتة دماغية.

ويختلف النوع الأول عن النوع الثاني من مرض السكري بأن أعراضه أكثر وضوحاً، حيث يشعر المرضى بعطش شديد ويفقدون وزنهم بسرعة كبيرة في غضون أسابيع قليلة. لذا فإنهم يخضعون للفحص الطبي على وجه السرعة، فالفترة ما بين ظهور أولى الأعراض والتشخيص لا تتعدى غالباً بضعة أسابيع.

وتجدر الإشارة إلى أن النوع الأول من السكري الذي تبدأ الإصابة به في مرحلة الطفولة وفترة المراهقة يعتبر مرضاً ذاتي المناعة، وذلك بخلاف النوع الثاني الذي ينشأ بسبب قلة الحركة وإتباع نظام غذائي غير صحي، وفي حال النوع الأول تتدمر الخلايا المنتجة للأنسولين تدريجياً. وبالمثل يزداد عدد مرضى النوع الأول بسرعة وبدرجة مخيفة، ويتوقع البروفيسور دانه أن يرتفع عدد المرضى المصابين بالنوع الأول من السكرى في أوروبا حتى عام 2020 بنسبة 70%.

وعن أسباب الإصابة بالنوع الأول من السكري يقول الباحث آخنباخ :quot;بالطبع هناك أسباب وراثيةquot;، غير أنه يعود ويؤكد على أنه لا يمكن إرجاع الزيادة الكبيرة في أعداد المصابين بهذا النوع إلى الچينات الوراثية فقط. ففي الوقت الحالي تجري جامعة العلوم والتكنولوجيا بالتعاون مع معهد أبحاث السكري التابع لمركز هيلمهولتس بمدينة ميونيخ جنوبي ألمانيا، دراسة حول إمكانية أن تتسبب الأمراض الفيروسية أو أنواع الحساسية المختلفة مثلاً في الإصابة بالنوع الأول من السكري.

ومن المعروف أنه لا يوجد حتى الآن علاج يشفي من مرض السكري، حيث يظل المرضى المصابون به معتمدين على العلاج بالأنسولين طيلة حياتهم، وكإمكانية بديلة يمكن إمداد الجسم بخلايا منتجة للأنسولين مأخوذة من بعض أعضاء الجسم، غير أن هذه الإمكانية البديلة تُعد من الناحية العملية أمراً صعباً للغاية ونادرة الحدوث. ويرى آخنباخ أن السبب في ذلك يرجع إلى ندرة الأعضاء بالجسم التي يمكن أخذ خلايا منها منتجة للأنسولين، لذا تنشغل حالياً عدة أبحاث بإيجاد مصادر بديلة لهذه الخلايا، على سبيل المثال الخلايا الجذعية.