تظهر كل سنة 40 ألف إصابة جديدة في جميع أنواع السرطان بالجزائر، ويأتي في مقدمة هذه السرطانات، سرطان الثدي عند النساء وسرطان البروستات عند الرجال. وفي مقابل الهواجس الكثيرة التي يثيرها هذا الداء العضال، فإنّ كثيرا من الأمل يتألق في الجزائر ضدّ مرض ينتشر بحكم عوامل بيئية ووراثية، وتسرد quot;إيلافquot; على لسان أخصائيين تجارب تمهّد للانتصار على السرطان، ويؤكد هؤلاء أنّ التقدم الطبي الكبير يتيح فرصة تحجيم انتشار السرطان خصوصا إذا ما جرى التقيّد بالكشف المبكّر والوقاية وروعيت قواعد العلاج.
____________________________________________________________________________________

المركز الوطني لمكافحة السرطان في الجزائراستنادا إلى بيانات المعهد الجزائري للصحة العامة وسجلات الأورام السرطانية، فإنّ 50.3 بالمائة من مجموع السرطانات تظهر كل سنة عند النساء، و49.7 بالمائة لدى الرجال، ويقدّر معدل الإصابة بـ83.4 حالة لكل مائة ألف ساكن عند الرجال، و85.9 حالة لدى النساء.

ويأتي سرطان الثدي في مقدمة أنواع السرطان بالنسبة للمرأة بـ9541 إصابة (29%) ويودي بحياة 3561 إمرأة دوريا، متبوعا بسرطان عنق الرحم بـ1612 حالة (10.5%) كما تتعاظم مخاطر إصابة النساء اللواتي تجاوزن عتبة سن اليأس بسرطان الأمعاء بـ1482 حالة (7.1%) ثم الغدد الصماء بـ737 حالة (4.8 %).

أما الرجال، فيعتبر سرطان غدة البروستات الأكثر انتشارا، حيث يصيب سنويا عشرات آلاف الرجال بالجزائر، ويتسبب في وفاة أكثر من ثلاثة آلاف رجل سنويا وهو رقم كبير جدا مقارنة بدول الجوار. في حين، يأتي سرطان الرئة كثاني أنواع السرطان التي تصيب الرجال بـ1681 حالة (12.3 %)، ثمّ الأمعاء بـ1180 حالة (8.6 %)، والمثانة البولية بـ1169 (8.5 %)، الجلد بـ1005 حالة (7.3 %) والجهاز الهضمي بـ942 حالة (6.9 %).
وعلى ذكر سرطان الجهاز الهضمي، شهد العام الأخير تسجيل 8706 حالة في المرحلة الأولى لهذا المرض عند الجنسين و6093 في المرحلة الثانية للمرض ذاته (وهما مرحلتان تكون فيهما فرص الشفاء قوية)، بينما أحصيت 4202 حالة في المرحلة الثالثة، وهو شوط يكون الشفاء من سرطان الجهاز الهضمي ميؤوسا منه.

الدم في مقدمة السرطانات لدى الأطفال

عند الأطفال، يأتي سرطان الدم في المقدمة حيث يشكّل 5 بالمائة من مجموع أنواع السرطان متبوع بأورام الجهاز العصبي ، بهذا الشأن تحصى 1267 حالة سرطان دم لمرضى لا تزيد أعمارهم عن الـ15 عاما، بينها 748 إصابة عند الذكور (59%) و519 عند الإناث (41 %) أي بنسبة 23.4 حالة لكل مائة ألف ساكن بالنسبة للصبيان و16.9 حالة للصبايا.

في مقام خاص، ينتشر سرطان الغدد اللمفاوية لدى الأطفال، وتوضح نصيرة بوترفاس أنّ أسباب المرض عادة ما تكون جينية وفيروسية ويقتضي المصاب متابعة خاصة لأن المرض ينتشر بسرعة. وعليه، تدعو quot; مهدية سعيديquot; إلى ضرورة التشخيص المبكر للإصابة بهذا النوع من السرطان، ما يسهل علاج المريض وشفائه في كثير من الحالات لاسيما لدى فئة الأطفال إذا ما أتبعت الطرق السليمة للعلاج وتوفرت الأدوية الضرورية ولم يكن هناك انقطاع في التكفل بالحالة لسبب أو لآخر.

بدوره، يعدّ سرطان النسيج اللمفاوي في الجزائر مرضا غير معروف ويصعب الكشف عنه لكنه قابل للعلاج، ويشير أخصائيون في أمراض الدم إلى أنّه يمكن لأي شخص أن يصاب بهذا النوع من السرطان، وهو ليس مقصورا على فئة عمرية معيّنة.

ويوضح عامر سعداوي أنّ عدد المرضى المصابين بسرطان النسيج اللمفاوي في الجزائر يتضاعف من سنة إلى أخرى، وكما هو الشأن بالنسبة لمعظم أنواع السرطان، فإنّ المصدر الحقيقي لسرطان النسيج اللمفاوي غير معروف بدقة، سيما وأنّ الأعراض الكاشفة للمرض تبقى مشتركة نسبيا ولا يمكن التمييز بينها و بين أعراض الأمراض الأخرى الأقل خطورة كالزكام والحمى (خصوصا خلال الليل)، ظهور الغدد اللمفاوية (العنق والإبط والناحرة) والنقص غير المبرر في الوزن فضلا عن التعب، وهي أعراض يمكن أن تكون هينة لكن استمرارها يمكن أن يخفي مرضا خبيثا كسرطان النسيج اللمفاوي، ما يقتضي مراجعة أطباء الأذن والأنف والحنجرة.

تعددت الأسباب والحلّ في الوقاية

يرجع مختصون ارتفاع عدد الإصابات بأزيد من عشرة أنواع سرطانية خلال السنوات الأخيرة، إلى عوامل بيئية ووراثية، أبرزها: استهلاك أغذية كثيرة مشبعة بالدهون، عدم إتباع نظام بيولوجي متوازن واستبعاد تناول الكثير من الخضر والفواكه. ويدرج د. حميد أوكال عامل استنشاق الهواء الملوّث، والإفراط في التدخين السلبي، فضلا عن تعاطي المشروبات الكحولية، إضافة الى عامل التعرّض لأشعة الشمس لفترة طويلة دون حماية لا سيما بالنسبة للأطفال.

وتسجل دوجة حمودة الباحثة في علم الأورام أنّ الوقاية عن طريق التشخيص المبكر خاصة لسرطان الثدي والأمعاء عند الأشخاص الذين يبلغون الأربعين، تبقى أفضل علاج لحماية المجتمع من هذا المرض الثقيل والمكلف، والأمر نفسه ينسحب على سرطان النسيج اللمفاوي، حيث يشجّع الأطباء تشخيصا مبكرا يضمن علاجا متكيفا وناجعا للتمكن من علاج هذا المرض بنسبة 60 بالمئة.

وضمن مسعى التوعية بحتمية الوقاية من سرطان الثدي، شهدت الجزائر مؤخرا حملة تحسيسية استقطبت خمسة آلاف إمرأة، وجرى فيها حث المعنيات على الخضوع للكشف المبكر عن سرطان الثدي سواء عن طريق إجراء فحوصات وكشوفات طبية (ماموغرافيا) أو عن طريق اللمس أو الدلك وهي حركات تتم على مستوى الأماكن المعرضة للإصابة بالأورام.

وبحسب حميدة كتاب رئيسة جمعية quot;الأملquot; فإنّ النساء اللواتي استقطبتهن هذه الحملة التحسيسية يستفسرن عن طبيعة سرطان الثدي وأعراضه وتعقيداته وكذا السبل المتبعة للوقاية من سرطان عنق الرحم والثدي في الوقت ذاته.

واقع فج يرهن رحلة الشفاء

يرى متابعون أنّ مرضى السرطان في الجزائر يعيشون وضعا صعبا بسبب quot;النقائصquot; المسجلة على مستوى بعض مراكز المعالجة بالإشعاع، ويركّز مراجع محلية على العطل المزمن الذي ينتاب بعض أجهزة العلاج بالأشعة المتوقفة، ومحدودية عددها بالمقارنة مع العدد المتزايد لمرضى السرطان.
وتشير quot;سامية قاسميquot; رئيسة جمعية quot;نور الهدىquot; إلى أنّه عادة ما يضطر المصاب بالسرطان إلى التنقل من منطقة إلى أخرى لتلقي العلاج كما يضطر في غالب الأحيان إلى الانتظار لأشهر عديدة حتى تحين أدوارهم !.

وتعدّد quot; مهدية سعيديquot; المشاكل المواجهة في الميدان، مثل صعوبات التشخيص والعلاج الكيميائي وكذا ندرة بعض الأدوية على الرغم من ثمنها غير المرتفع، ما يقتضي توسيع مراكز العلاج وتزويدها بالتجهيزات الضرورية. ويتطرق عاملون في الميدان إلى نقص التنظيم بين مختلف المصالح وحتى داخل المؤسسة الواحدة في التكفل بمرضى السرطان مما يعيق الجهود المبذولة ويزيد من تدهور صحة المرضى.

كما تؤكد quot;آسيا بن سالمquot; وquot;عائشة جمعةquot;، إلى أنّ فئة المصابين بالسرطان تعاني من عدة صعوبات أبرزها التأخر الكبير في مواعيد العلاج الكيميائي للمرض بسبب الضغط الكبير على خمسة مراكز فقط منتشرة عبر الوطن ما يزيد من معاناتهم. ويكشف quot;محمد عفيانquot; أنّه من بين 40 ألف حالة سرطان جديدة تسجل كل سنة، 28 ألف منها تتطلب العلاج بالأشعة في حين لا يمكن في الوقت الحالي التكفل إلاّ بثمانية آلاف حالة فقط، ما يدفع بالمصابين الذين لديهم الإمكانيات للتوجه إلى بلدان أخرى.

وللتكفل بجميع الحالات التي تتطلب العلاج بالأشعة، يقول quot;رشيد بوعلقةquot; أنّ هناك حاجة إلى ستين وحدة جديدة، أما quot;بوجمعة منصوريquot; فيركّز على العلاج الجديد بالأشعة وخلق مراكز جديدة في هذا الاختصاص للتكفل بمرضى السرطان، مع ضرورة التكوين في هذا المجال تماشيا مع التكنولوجيات الحديثة.

ولا يعدّ علاج سرطان الأطفال أفضل حالا، في ظلّ انعدام مؤسسة متخصصة، ما يؤدي إلى وفاة العديد منهم، بهذا الصدد، يلاحظ quot;كمال بوزيدquot; أنّ وحدة التكفل بسرطان الأطفال على مستوى المركز الوحيد بالجزائر العاصمة، لا تتسع إلاّ لـ1500 مريض سنويا.
وتبقى نسبة كبيرة من إصابات السرطان لدى الأطفال قابلة للشفاء، إذا تم التكفل بها في وقتها وأجري الكشف المبكر، وهي ملحوظة تنطبق كذلك على
سرطان الدم.

الكشف المبكّر لإيقاف النزيف

يشدّد جمهور الأخصائيين على حساسية اعتماد دعامة الكشف المبكّر، كاستيراتجية بوسعها إيقاف الانتشار المقلق لداء السرطان، طالما أنّ الأخير إذا ما تمّ الكشف عنه بسرعة يمكن الشفاء منه بنسبة تتراوح ما بين 80 و90 بالمائة، يليه الذين هم في مرحلة متوسطة بنسبة 75 بالمائة، بينما تنحصر حظوظ الشفاء في المرحلة ذات الخطورة العالية بين 50 إلى 60 بالمائة فحسب.

ويتقاطع الأساتذة quot;حميد أوكالquot;، quot;خالد بن ديبquot; quot;الحبيب دواغيquot; وquot;جمال عمرانquot;، في أهمية التسويق لثقافة الكشف المبكّر، خصوصا مع إحصاء 85 بالمائة من حالات السرطان الميؤوس منها، تبعا لارتضاء الكثيرين الذهاب إلى المستشفيات بعد دخول الداء مرحلته الأخيرة.

بدوره، يشير quot;كمال بوزيدquot; إلى كون مخاطر الإصابة بالسرطانات تتضاعف مع تقدم السن، ما يدفع الأطباء إلى طلب الكشف المبكر بعد بلوغ سن الخمسين، وحتى قبل ذلك إذا كان هنالك إصابات عائلية بهذا المرض، ويثمّن بوزيد الكشف المبكر، لكونه يمنح فرصا أفضل للعلاج من السرطان.
ويبدي د/بن ديب أسفا لكون بلاده لا تزال متأخرة كثيرا في مجال الكشف المبكّر عن السرطان بأنواعه، مع أنّ هذا الكشف يعدّ quot;خطوة استباقية حاسمةquot; على صعيد محاصرة الداء، لا سيما سرطانات الدم، الثدي، القولون، المثانة والبروستات، الأمعاء، وعنق الرحم. كما يؤكد الدكتور quot;الحبيب دواغيquot; أنّ اكتشاف داء السرطان مبكرا في مرحلتيه الأولى والثانية، من شأنه رفع الأمل في الحياة عند الأشخاص الذين يبلغون سن الأربعين، وذلك أحسن علاج لحماية المجتمع من مرض ثقيل يكلّف الخزانة العامة عشرات المليارات.

بدائل واعدة

أهمية الاكتشاف المبكر لسرطان الثدي برغم فجاجة واقع السرطان في الجزائر ومآسيه، إلاّ أنّ هناك عديد النجاحات والبدائل الواعدة أنتجها التقدم الكبير المحقق في مجال التكفل الطبي بالسرطانات، ما ينبئ بقطع خطوات معتبرة جدا في قادم السنوات. بهذا الشأن، يبرز quot;كمال بوزيدquot; رئيس الجمعية الجزائرية لطب الأورام السرطانية، أنّ استعمال الهرمونات بديل واعد لا غنى عنه يرفع الأمل في البقاء على قيد الحياة إلى خمس سنوات في نصف الحالات المصابة.
ويشرح بوزيد أنّه لعلاج الأورام الخبيثة لسرطان البروستات، ينصح جديا باستعمال الهرمونات التي تلعب دورا حاسما في نمو أنواع الأورام السرطانية، وبمنظور الأخصائي ذاته، عندما يتعلق الأمر بأنواع السرطان المعروفة باسم quot;هرمونو تابعةquot; أو حساسة، فإنّ مضاعفة بعض أنواع الخلايا السرطانية يجد تحفيزا له من طرف الهرمونات الطبيعية.

كما يوضح أطباء أنّ المواد المنشطة المذكورة التي تنتجها الخصية، تصبح قادرة على لعب دور ما، وتتمثل المعالجة بالهرمونات عند إذن في quot;منعquot; الهرمونات الطبيعية من لعب دورها في تحفيز الخلايا السرطانية وذلك باللجوء لاستئصال الخصيتين أو عن طريق الأدوية وهو ما يسمح بتوفير فرصا عديدة للعلاج .

من جهتهم، يجمع مختصون في طب الأورام السرطانية على الخيارات الطبية المتاحة في ميدان سرطان الكلية quot;ميتاستاتيكquot; على اعتبار أن التكفل بهذا النوع من الأورام حقق quot; تقدما كبيراquot; منذ التجارب المستهدفة التي أجريت سنة 2004. وهكذا تم الانتقال من quot; تحقيقات أليمةquot; ممثلة خاصة في عدم فعالية اللجوء للعلاج عبر استعمال الأشعة والتطبيق الحصاني الذي كانت درجة تسميميته عالية للغاية، إلى مرحلة جديدة quot;للشكوك السعيدة quot; والمتمثلة في حلول علاجات مستهدفة تفتح المجال واسعا على المديين المتوسط والطويل مما يمنح آمالا جديدة للشفاء، ورفع درجة البقاء على قيد الحياة بالنسبة لكثير من المرضى.

ويعمل العلاج المستهدف لسرطان الكلية على تثبيت المرض على المدى المتوسط و حتى على المدى الطويل كما أفاد المختصون الذين طمأنوا بأن العيش مع السرطان أصبح اليوم ممكنا في ظل ظروف مقبولة. ويؤكد المختص الفرنسي الشهير في طب السرطان quot;آلان لوغايوناش جربوليquot; الذي زار الجزائر قبل أسابيع، أنّ أن الأمل في البقاء على قيد الحياة بالنسبة لمرضى السرطان آخذ في التحسن بمرور الأيام عبر العالم.

ويستطيع هؤلاء العيش لأطول مدة، ما بين 10 إلى 15 بالمائة في ظرف 20 سنة، مثل المصابين بسرطان البروستاتا الذين يمكن معالجتهم بالأشعة، من خلال علاج الأعضاء التناسلية للرجال، والزرع الدائم للأعضاء، وهو ما يمكن تطبيقه بحسب الأخصائي الفرنسي، على الأعضاء المصابة مع استبعاد أي تداعيات متجددة.