واقع مرير عاشوه، ولازالوا، بعض من هؤلاء المواطنين الغواتيماليين الذين قادهم حظهم العثر إلى الخضوع لتجربة أميركية مثيرة للجدل في أربعينات القرن الماضي حول مرض الزهري. وقد تحدث قليلون ممن لازالوا على قيد الحياة من هؤلاء الأشخاص عن تلك التجربة القاسية التي تسببت في تدمير حياتهم. وتعود أحداث تلك الواقعة إلى العام 1946، حين وقع الاختيار على مجموعة من الأيتام في مدينة غواتيمالا، جنباً إلى جنب مع سجناء ومجندين في الجيش وبغايا، كي يخضعوا لتلك التجربة الطبية.

وأوردت صحيفة quot;الغارديانquot; البريطانية عن إحدى الناجيات من تلك التجربة، وتدعى مارتا أوريلانا، وتبلغ من العمر الآن 74 عاماً، قولها :quot; قادوني حين كنت ألعب رفقة مجموعة من أصدقائي في دار الأيتام، وأنا في سن التاسعة، إلى إحدى المستشفيات، وكان بانتظاري هناك عدد من الأطباء الذين لم يسبق لي أن رأيتهم من قبل، وكانوا يتحدثون الإنكليزية على ما أعتقد، وكان معهم طبيب غواتيمالي، وبحوزتهم محاقن وزجاجات صغيرة. وبعد أن ضربوني، أُجبِرت على الاستلقاء على ظهري وفتح قدماي. ولم يخبروني ماذا يفعلون، ولم يعطوني فرصة لأعترض. وقد عشت حياتي كلها تقريباً دون أن أعرف الحقيقة. لعل الله يغفر لهمquot;.

وقالت الصحيفة من جهتها إن الولايات المتحدة، التي كانت تشعر بالقلق من عودة الغواتيماليين إلى ديارهم بأمراض جنسية، أصابت نحو 1500 غواتيمالي بالزهري والسيلان والقريح لاختبار مضاد حيوي كان في بداياته وقتها هو البنسلين. وقد اعترفت الحكومة الأميركية بالتجربة في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، حين أصدرت وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، ووزيرة الصحة، كاثلين سيبيليوس، بياناً مشتركاً للاعتذار فيه عن مثل هذا البحث الذي يستحق التوبيخ وتم تحت ستار الصحة العامة. كما اتصل باراك أوباما بنظيره الغواتيمالي، ألفارو كولوم، للاعتذار له أيضاً.

وقد أماطت سوزان ريفيربي، الأستاذ في كلية ويلسلي في الولايات المتحدة الأميركية، النقاب عن تلك التجربة، أثناء إجرائها بحوثاً حول quot; دراسة توسكيجي لمرض الزهريquot;، التي تُرِك فيها مئات من المهاجرين الأفارقة دون علاج لمدة 40 عاماً بدءً من ثلاثينات القرن الماضي. وتبين كذلك أن الباحثين في تلك الدراسة تعمدوا إصابة الأشخاص. وهو ما لم يمثل خرقاً فحسب للقسم الطبي، وإنما كرر كذلك الجرائم النازية التي تم الكشف عنها في نفس الوقت تقريباً في محاكمات نورمبرغ.

ورغم أن هويات الضحايا ظلت غير معروفة إلى حد بعيد، إلا أن quot;الغارديانquot; نجحت في إجراء مقابلات مع أسر الناجين الثلاثة الذين تمكنت السلطات في غواتيمالا من التعرف عليهم حتى الآن. وأشارت إلى أنهم جميعاً تحدثوا عن الحياة التي مزقها المرض والإهمال والتساؤلات التي لم يرد عليها. ونقلت في هذا الشأن عن بنيامين راموس، 57 عاماً، وهو ابن الجندي السابق فردريكو، 87 عاماً، قوله :quot; لم يكن يعرف أبي القراءة وعاملوه على أنه حيوان. وكانت تلك التجربة تجربة الشيطانquot;.

وقال ماتيو غوديل، 57 عاماً، إن والده، مانويل، 87 عاماً، وهو مجند سابق بالجيش، أصيب بأمراض مرتبطة بالزهري وكذلك الخرف والصداع. وأضاف quot;أصبت أنا وأخوتي وأطفالنا ببعض من تلك الأمراضquot;. ونقلت الصحيفة كذلك عن كارلوس ميجيا، عضو لجنة التحقيق الرسمية التي شكلتها غواتيمالا في هذا الشأن ورئيس كلية الأطباء الغواتيمالية، قوله :quot; أكثر ما أثَّر في هو عدم منح تلك الأرواح البشرية أي قيمة تذكر، وأنه كان يُنظر إليهم على أنهم مجرد أشياء تخضع للاختبارquot;.

ونوهت الصحيفة إلى أن العلماء الأميركيين نجحوا في معالجة 87 % ممن أصيبوا بالزهري، وفقدوا أثر الـ 13 % الآخرين. وقالت إن المرض عاود مهاجمة عُشر الأشخاص الذين تمت معالجتهم. وأعرب بابلو ويرنر، المحامي المتخصص في قضايا حقوق الإنسان والذي يحقق في القضية، عن تشككه في تقبل غواتيمالا تحمل المسؤولية في تلك الواقعة، ناهيك عن دفع تعويضات بسبب تواطئها في التجربة. وأضاف quot; نظامنا القضائي لا يشتهر بالسرعة أو الإنصاف. وحتى إن كان الأطباء الغواتيماليون الذين شاركوا في تلك الواقعة قد توفوا، فلا تزال لأسرهم ثمة اتصالات وعلاقاتquot;.