لم يجد المهندس أحمد كامل (45 سنة) في العاصمة العراقية بغداد ضررًا في توظيف خبرته في تقنيات النت من أجل البحث في ثنايا الشبكة العنكبوتية عن أدوية وعلاجات لأصدقائه ومعارفه، لاسيما من كبار السنّ من دون استشارة طبيب.


في ظل تزايد استخدام الشبكة العنكبوتية، لا يجد الكثير من العراقيين حرجًا في الحصول على العلاجات لمرضهم عبر النت.

ويرى كامل أن تجربته قادته إلى الاستشارة عن طريق الانترنت، حيث يرى أن عمق المعلومة ودقتها تكون في الكثير من الأحيان أفضل بكثير من النصائح والوصفات التي يعطيها الكثير من الأطباء.

واعتاد كثيرون أيضًا اللجوء إلى النت للحصول على الاستشارات الطبية والنفسية عبر البحث في غوغل عن مواصفات وظروف مرض معين.

النت يغني عن الأطباء

تقول شميلة حميد، التي درست المبادئ الأولية للتطبيب في مدرسة تمريض، إن الشبكة العنكبوتية أغنتها عن الذهاب إلى الأطباء والعيادات، لاسيما أنها تمتلك مبادئ التطبيب والتمريض.

تتوقع حميد أن انتشار استخدام الشبكة العنكبوتية بالتزامن مع زيادة التعليم والوعي الصحي والاجتماعي سيتيح لكثيرين عدم التوجّه إلى الطبيب لأغراض الاستشارات العامة. وتتوقع حميد أن المستقبل كفيل بحصر واجبات الطبيب في إجراء العمليات الجراحية والحالات الخاصة في المستشفيات.

بحسب إحصائيات الانترنت الخاصة في الشرق الأوسط، شملت 14 دولة عام 2010، فإن العراق احتل المرتبة الخامسة في النمو لاستخدام الإنترنت في الشرق الأوسط. ويلمح المرء الكثير من المصطلحات الطبية المتداولة بين الناس، بسبب زيادة الإطلاع على الأمراض وأدويتها والعلوم الطبية عبر الانترنت.

وتتابع حميد: يزورني في اليوم ما لا يقلّ عن العشرة زبائن، وبوساطة البحث في الشبكة العنكبوتيةتتضح للمريض مواصفات مرضه والعلاجات اللازمة. وتتابع: الكثير من المرضى يبدون مسرورين للمعلومات، التي أقدمها إليهم، وهو ما لا يفعله الطبيب.

ويعترف الطبيب كاظم الشكرجي من النجف بأن الكثير من المرضى يأتون إليه وهم يعرفون الكثير عن مرضهم من خلال الانترنت. ويضيف: ثمة من يتناول أدوية عبر الإطلاع عليها عبر الانترنت، ومن ثم شرائها من الصيدليات بصورة مباشرة. لكن الشكرجي يرى أن هذا ينطوي على خطر داهم، بسبب الأعراض الجانبية والمضاعفات التي تسببها مثل هذه الطريقة.

ويتابع: البعض يتصور أن مجرد الخوض في المرض وتفاصيله عبر النت كفيل بالحصول على الدواء المناسب له من دون وصفة الطبيب.

وتتحدث المدرسة سلمى حسن (29 سنة) من بغداد أنها شعرت بحالة نفسية قلقة. ولعل ما يشجّع على ذلك، بحسب الاختصاصي في علم النفس لؤي حسين، هو كثرة المواقع الطبية على الانترنت، ووضع الكثير من الجرائد والمنتديات حقولاً للاستشارة الطبية.
ويتابع: بل إن أطباء معروفين يقدمون استشارات وحلولاً عبر النت، لاسيما المتعلق منها بالحالات النفسية وأعراض وجع الرأس والبطن، والمشكلات الجنسية والحالات النفسية.

تغلب رحيم الكلابي (محاسب، 30 سنة) على حالة القلق التي انتابته عبر الإطلاع على ما يعانيه عبر النت، واستطاع أن يشخِّص مرضه بنفسه، كما نجح في الحصول على الدواء اللازم.

ويخوض بعض العراقيين، ليسعملية البحث عن المعلومات العامة للأمراض فحسب، بل يلجأون إلى الاستشارات الطبية والنفسية الرقمية من قبل أطباء معروفين، لهم أسماؤهم الصريحة وعياداتهم الرقمية. ولا يفاجئك أحدهم اليوم حين يقول لك إنه وجد ضالته في طبيب النت. وبحسب الكلابي، فإن هذا المصطلح أصبح متداولاً بشكل واسع بين العراقيين.

ويتابع: بل إن البعض يستغل الجاهلين للتقنيات الرقمية، فيساعدهمعلى الحصول على تشخيص أمراضهم وعلاجاتها مقابل مبالغ. لكنغالبية الأطباء وخبراء الصحة يحذرون من المواقع الإلكترونية التي يعرض فيها كل شيء للبيع، على حساب صحة المواطن أيضًا.

في ما يتعلق بالمشاكل الجنسية، يرى حسين الخزرجي (طالب جامعي) أن البعض يفضّل طبيب النت، منعًا للحرج، الذي ينتابه فيما لو ذهب إلى الطبيب العادي. وراسل الخزرجي أكثر من طبيب رقمي لغرض علاج صديق له يعاني مشاكل صحية جنسية، ويتابع: الاستشارة أرخص كثيرًا مقارنة بتكاليف الطبيب العادي، إضافة إلى أنها في بعض الأحيان مجانية.

وفي الكثير من الدول العربية، فإن اللجوء إلى الاستشارات الطبية الرقمية في قضايا المثلية الجنسية أو الاغتصاب، أو المشاكل الجنسية تعتبر حلاً، بدأ البعض يتبعه للحفاظ على خصوصية مرضه.

لكن الطبيبة زينب عباس تحذر من انتشار ظاهرة التطبيب عبر النت، وتعدّها أخطر من انتشار الدواء بين بائعي (البسطات) في الشوارع.

وتتابع: إن الاختلاف بين مرض ومرض في بعض الأحيان أقل من سُمك (شعرة)، فكيف يمكن وصف ذلك عبر النت. وتتابع: المحتوى الصحي على شبكة الإنترنت، محاولة من قبل بعض المواقع التجارية والجرائد لكسب الزبائن والقراء. وتحذر زينب من توظيف المعلومات المستمدة من النت لتحضير علاجات.

وفيمعظم دول العالم، يسود جدل حول ظاهرة طبيب النت. ويتفهم الطبيب جعفر حسن مخاوف الناس من أمراض معينة، فتلجأ إلى النت، لمعرفة طبيعة معاناتها، لكنه يقترح على هؤلاء الإطلاع فقط. أما أخذ الدواء بناء على معطيات من النت، فهو أمر فادح، يرافقه الكثير من المخاطر.

ويتابع: الفحص البدني هو الأداة التشخيصية المهمة، ولن ينفع الوصف الرقمي في تشخيص المرض بصورة دقيقة، حتى وإن اقترب من بعض مواصفاته، كما إن الأطباء لا يعتمدون في تشخيصهم على الأعراض فحسب.