حوار مع الناقد السينمائي وائل حمدي:
السينما المصرية لا تعتمد فلسفة محددة
محمد عبد الرحمن من القاهرة: تمر السينما المصرية هذه الأيام بمرحلة انتقالية أصبحت حديث الجميع من نقاد وفنانين ومخرجين بعد تأكد قوة التيار الموازي لتيار أفلام الكوميديا والضحك الذي سيطر على السوق في السنوات السبع الأخيرة منذ انطلاق جيل محمد هنيدي ورفاقه، ورغم أن أفلام الكوميديا هي حتى الآن الأكثر تحقيقاً للإيرادات إلا أن عرض خمسة أفلام دفعة واحدة تنتمى لأشكال سينمائية أخرى وتوقع عرض أفلام أكثر من هذه النوعيات خلال العام الجاري أمر يفجر العديد من التساؤلات طرحتها إيلاف على الناقد وائل حمدي ndash;مدير تحرير مجلة سينما جود نيوز- التي تعد الوحيدة في مصر حالياً المتخصصة في شئون الفن السابع .
bull;بداية هل يمكن اعتبار عرض الأفلام الخمسة quot;ليلة سقوط بغداد، ويجا، ملك وكتابة، دم الغزال، فتح عينيكquot; بمثابة مؤشر واضح على اتجاه السينما المصرية نحو التغيير للأفضل؟
- بالتأكيد، هذه الأفلام وأعمال أخرى من المنتظر عرضها في صيف 2006 مثل quot;عمارة يعقوبيانquot; وquot;حليمquot;، تؤكد تغير الفكر الذي يحكم السينما المصرية منذ انطلاق أفلام الكوميديا التي ليست كلها سيئة بالطبع ولكن كان من المفترض ان يشاهد الناس كل الأنواع ولا تحتكر سينما الضحك للضحك الساحة بهذا الشكل، وربما هذا الاحتكار هو الذي أدى إلى تراجع معظم نجوم الكوميديا واتجاه عدد من نجوم الشباك إلى نوعيات مختلفة من الآداء بعدما تأكد للجميع أن الجمهور مستعد لتقبل نوعيات أخرى من الأفلام، ويمكن القول أن ارهاصات ما يحدث في مطلع 2006 بدأت منذ فترة ولكن بشكل متقطع مثل نجاح فيلم quot;مافياquot; على سبيل المثال عام 2002 وفيلم quot;سهر اللياليquot; في العام الذي يليه وفيلم quot;أنت عمريquot; العام الماضي مع الوضع في الاعتبار أن الإيرادات هنا يتم احتسابها بالنظر لتوقيت عرض الفيلم خلال شهور السنة، فالسينما المصرية تعاني بشدة من فكرة quot;المواسم quot; حيث لم يعتاد الجمهور على دخول السينما بكثافة سوى في الأعياد واجازة الصيف، وربما لو قرر الجمهور مشاهدة السينما طوال العام كما يحدث مع مباريات الكرة لانتهت الأزمة تماما وزاد الانتاج بشكل كبير وتنوعت المضامين أيضا بحيث لا تشكل مجموعة أفلام غير كوميدية ظاهرة في ذلك الوقت.
bull;وهل نقطة التحول التي نتحدث عنها تعني أن السينما في طريقها نحو الأفضل وتجعلنا ننتظر أفلام على مستوى عال، بعدما حققت سينما دول أخرى مثل إيران والصين جوائز عالمية رغم البدايات المبكرة للسينما المصرية؟
- بصراحة شديدة لا توجد ضمانات لاستمرار هذه الموجة، بمعنى أن السينما المصرية طوال عمرها لا تسير بخطة أو فلسفة محددة وفكر مستقر، فالذي يحدث أن المنتجين والموزعين عندما يتأكدون من تقبل الجمهور لنوعية معينة من الأفلام يتشجعون لها لكن دون مبادرة من أحد، وفي هوليود كل شركة انتاج تعرف ماذا ستفعل بعد 3 سنوات مثلاً، لكننا في القاهرة لم نصل بعد لهذا المستوى، وكل ما يمكن قوله أن استمرار اقبال الجمهور ولو بشكل متوسط على تلك الأفلام وزيادة عدد الشاشات وتنوع مواسم العرض قد يتيح للبعض تقديم سينما على مستوى عال دون التقيد بquot;غولquot; شباك التذاكر الذي يحيط بالجميع.
ليلة سقوط بغداد
bull;وماذا عن توقعاتك بالنسبة للأفلام الضخمة مثل عمارة يعقوبيان وحليم، هل من الممكن ان تحقق نجاحاً كبيراً، وكيف ترى الأرقام المنشورة عن ميزانيات الفيلمين والتي تفوق بمرات عديدة معظم انتاج السينما الآن؟
- أعتقد أن نجاح الفيلمين شبه مضمون، لأن بهما كل عوامل الجذب التجاري بعيداً عن مستواهما الفني، فالأول ملئ بالنجوم وعن رواية مثيرة للجدل، والثاني عن عبد الحليم حافظ وبطولة أحمد زكي ونال اهتمام غير مسبوق من الإعلام العربي نظراً لظروف التصوير، أما الميزانيات فلا أعتقد أيضاً أن بها مبالغة لأن تكاليف التصوير لهذين الفيلم عالية، كذلك أجور النجوم، فمثلاً فيلم عمارة يعقوبيان بطولة عادل إمام الذي يتردد أنها حصل على 7 ملايين جنيه لكن الأمر غير مؤكد بالطبع.
bull;تعاني الصحافة المصرية كثيرا من غياب الأرقام الحقيقية لميزانيات الصناعة وأجور النجوم، هل ترى في تلك السرية عائق أمام عمل الناقد السينمائي؟
- فيما يخص أجر النجم أو المخرج فربما لا يهتم به الناقد كثيرا اللهم إذا أردنا تقييمه في سوق السينما خصوصاً بعد نجاح أو فشل فيلم، لكن يهم الناقد معرفة ميزانية الفيلم لأن الأمر ينعكس على الصورة التي أمامه وللأسف بعض المنتجين يطلق تصريحات عن ميزانيات مرتفعة ثم لا يرى الناقد على الشاشة ما يؤكد ذلك.
bull;هناك حالة الآن في الصحافة السينمائية وربما لدى بعض الجماهير أيضا يمكن وصفها بالتعاطف مع الأفلام الغير الكوميدية بدعوى أنها مختلفة دون النظر لعيوب تلك الأفلام، ما تقييمك لهذه الحالة؟
- هي أمر واقع بالفعل، مع أنه خاطئ وغير مطلوب لكن لا يمكن عتاب من يكتب عن الأفلام لأنه لا يستطيع فصل نفسه عن المناخ الفني الذي يعمل فيه فعندما يشاهد الناقد عدة أفلام ضعيفة المستوى ومتشابهة وquot;تستغفلquot; الجمهور من الطبيعي أن ينحاز للفيلم المختلف عن السائد، لكن هذا التعاطف لم يعد مثل السنوات الماضية ويمكن تبرير ذلك بالقضية التي بدأنا بها الحوار وهي زيادة الأفلام الجادة، فمثلا كان هناك اهتمام كبير بفيلم quot;مافياquot; لأحمد السقا لكنه لم يتكرر بنفس الحجم مع quot;حرب ايطالياquot; وquot;فتح عينيكquot; رغم انتماء الثلاثة لشكل سينمائي واحد وهو الأكشن والغموض، فقد تراجعت حالة الانبهار وأصبح لدى الجمهور القدرة على مقارنة تلك الأفلام ببعضها البعض
bull;وهنا يمكن القول بانه لا توجد أزمة ورق في السينما المصرية وهي الشكوى المتكررة لكل من يبرر ابتعاده أو تقديمه لسينما ضعيفة المستوى؟
- بالفعل، والدليل ظهور أعمال جيدة بمستوى معقول أي أن هناك من يمتلك سيناريوهات تستحق الانتاج لكن لا أحد يدعوه للمشاركة بينما سيطر عدد محدود من المؤلفين على السينما في السنوات السبع الأخيرة وهنا لا نطالب باختفاء هؤلاء وما يقدمونه، بل بالسماح بوجود اسماء جديدة وعودة الأسماء المحترمة التي اختفت نتيجة الظروف الصعبة مثل ابراهيم الموجي وبشير الديك وغيرهم الكثير.
bull;لا يمكن التحاور مع ناقد مصري دون التطرق للجملة الخالدة quot;الجمهور عاوز كدةquot; وهو الشعار الذي تحملت تبعاته السينما المصرية طوال تاريخها، فحتى الآن لا نعرف هل الجمهور بالفعل يريد أفلام الضحك وفقط أم أنه يفتقد التنوع؟.
- الثقافة الفنية لدى معظم الجماهير غائبة إلى حد كبير ومشكلتنا دائما أننا نحكم على الأفلام من منظورنا الخاص كمثقفين ومشاهدين للسينما العالمية، لكن المشاهد العادي لا تهمه تلك الأمور، وفي كل الصناعات وليس السينما فقط دائما ما يوجد المنتج القادر على معرفة أذواق الجمهور كل فترة، وعندما يحقق فيلم مثل quot;بوحةquot; 26 مليون جنيه رغم كل ما به من ثغرات فهذا يعني أن صناعه عرفوا ما يريد الجمهور وعلى من يريد تحقيق نجاح مماثل أن يصل إلى نفس السر مع الوضع في الاعتبار أن لا توجد علاقة عكسية بين الفيلم الجيد والإيرادات ولكن هنا من يظن أن الفيلم الذي يحمل قضية جادة لا يعجب الفئة الكثيرة من الجمهور.
bull;هذا يعني أنك لست ضد فيلم quot;بوحةquot; الذي هاجمه كل النقاد تقريباً؟
- لا لست ضده بل وجود تلك الأفلام ضروري، فقط نريد التنوع، ولكن ما يؤخذ على quot;بوحةquot; أنه كان من الممكن أن يكون أفضل لو اهتم بطل لفيلم محمد سعد ومخرجه رامي إمام بعدة أمور، و مع ذلك لا يمكننا أيضا توجيه اللوم لهم على تغاضيهم عن تلك الأمور، لأن الفيلم نجح بما قدموه للناس ولم تؤثر الثغرات عليه، فمسألة إجادة الصنعة الفنية ترجع لرغبة صناع الفيلم ذاته وليس النقاد والجمهور، فكل فريق عمل مسئول عن ما يقدمه ولا يمكن محاسبة أحد لأنه تجاهل أشياء تحسن مستوى العمل فقط على الناقد أن ينبه لها لا أن يصدر احكم العقاب ضد الفنانين، مع التذكير بان دخول الناس للفيلم بهذه الكثافة يؤكد أنهم لا يهتمون كثيرا بتلك الثغرات.
bull;هذا يقودنا للأزمة المستمرة بين النقاد والفنانين والتي تصل أحيانا إلى حد الاتهام بالإضطهاد والتآمر؟
- مشكلة النقاد في مصر الآن أنهم يشاهدون الأفلام من خلال وجهة نظرهم هم دون التفاعل مع اتجاه الجمهور نحو الفيلم، فالقاعدة تقول أن الناقد هو حلقة الوصل بين الناس والفنان، أى هو الذي يقول للمشاهد لماذا عليه أن يذهب لهذا الفيلم وينقل للفنان ردود فعل الناس مع وجهة نظره الشخصية بالطبع، لكن الناقد الآن يوجه كلامه دائما لصناع الفيلم، ونسى تماماً الطرف الثالث وهو الجمهور، فكأنه حوار بين طرفين كل طرف يريد إثبات وجهة نظره، فبات النقاد يهاجمون بضراوة بعدما تأكدوا من عدم استماع الفنانين لهم، بينما يتعامل كل فنان مع الناقد بمبدأ الشك وأن الهجوم قد يكون ورائه أسباباً أخرى، وما نحاوله كجيل جديد من النقاد أن نتحدث عن الفيلم كعمل مستقل بنفسه دون النظر لأسماء النجوم وظروف صناعته وما إلى ذلك، حتى نضمن أكبر قدر من الحياد، مع ضرورة الاهتمام بأي فيلم نزل لدور العرض حتى لو لم يشاهده أحد.
bull;ولكن بعضكم يكتب منذ خمس سنوات تقريباً وأصدرتم أكثر من مطبوعة لكن الانتشار لم يتحقق لكم بعد، بعكس الجيل القديم الذي لازال مسيطراً على الساحة لأكثر من 40 سنة؟
- هذا صحيح إلى حد كبير لكن وراءه أسباب، أولها أن جيلنا يكتب في المجلات المتخصصة، بينما الأجيال السابقة تنتشر في أشهر الصحف اليومية والأسبوعية وبمرور الوقت سنكتسب مصداقية خصوصا إذا تطور انتاج السينما المصرية وأصبح هناك مبدعين ينتظرون رأي الناقد الحقيقي ويتحاورون معه، كما أن معظم نقاد الجيل السابق لم يعودوا نقاد فقط بالمعني المتعارف عليه، فهناك من يظهر للحديث عن تاريخ نجم، أو لتقييم مسلسلات ومسرحيات، وهذا يؤدي إلى نوع من أنواع الشهرة التي تقوي مكانة الناقد لكنها غير معتمدة على تخصصه الأساسي في النقد السينمائي.
bull;شهدت السينما المصرية أيضاً في الفترة السابقة جدلاً حول سينما الديجيتال بعدما تحمس لها بعض المخرجين مثل محمد خان ويسري نصر الله ولكن لم تتكرر المحاولات مرة أخرى؟
- هذا لا يعني أن تلك السينما لن تدخل مصر بل نحتاج لبعض الوقت حتى تتطور دور العرض عندنا ونجد من يتحمس لتجهيز قاعة العرض لهذا النوع من الوسيط السينمائي، لكن وجود هذه السينما ضرورة لأن هناك أفكاراً سينمائية لا تصلح إلا بكاميرا الديجيتال.
التعليقات