حوار مع جهاد مفلح قائد (إنانا)....

أحمد خضر من دبي: استطاعت فرقة إنانا السورية في عروضها الموسيقية الراقصة أن تحول الواقع إلى أسطورة، والعذاب الإنساني إلى ملحمة، ذلك أن باليه أبناء الشمس قادرون على الإبداع، وذلك ن خلال صنع ملحمة أسطورية من واقع أبطال نهضوا من وسط العتمة، كالوان طيف تبحث عن أمها الشمس التي اختطفتها ملكة الظلام، فحرمت الأرض من ألق نورها ثم بدأت باحتلال الأرض، واستعباد ساكنيها، في رقصات هذه الفرقة المتميزة يتداخل الواقع بالرمز، والحقيقة بالأسطورة ليصبح ما يحدث على الأرض فضاء رمزياً يجسد صراع الحق والباطل، النور والظلمة، الخير والشر. وحين تكون القضية مهمة وكبيرة إلى هذا الحد، فإن جهد الفرقة الجسدي يكون متحفزاً لمقاربة المأساة والأمل، عبر الحركة والأداء الأكثر تطوراً من خلال الأجساد المصقولة، والتصميمات الحديثة التي تصل إلى قمة البعد الفكري للعمل،وإلى عمق الإحساس الموسيقي. مزيداً من التفاصيل مع جهاد مفلح مدير الفرقة:

* كيف بدأتم مشواركم الفني مع الفرقة؟
ـ بداية كان الرقص في سوريا يقتصر على وزارة الثقافة، ولم يكن هناك ثمة تعليم أكاديمي للرقص الأمر الذي اضطرني إلى السفر والبحث عن مدارس الرقص الحديث المختلفة والاحتكاك بها والتعلم منها، واختيار ما يناسب مجتمعنا، ومن خلال الاتصال بفرقة كركلا تزايد طموحي لتأسيس مسرح راقص يبتعد عن أساليب الاستعراض السائدة لينخرط في جوهر الدراما، وعندما عدت إلى سوريا وبدأت بتأسيس فرقة إنانا كان المقصود من ذلك الاتكاء على الموروث السوري والعربي واستغرقنا في التدريب فترة عشر سنوات لتقديم شيء جيد.

* لماذا اخترتم (إنانا) إسماً للفرقة؟
ـ إنانا اسم أسطوري يعني آلهة الأدب والفن والجمال، ومن أقرب الأسماء التي يمكن أن تكون اسماً للمسرح الراقص هو هذا الاسم، لأن المسرح الراقص مادة أدبية فيها جمال السيناريو الذي يتحول إلى حركات راقصة إضافة إلى علاقة الاسم بالمنطقة وموروثها.

* تكلمت عن فترة التدريب التي استغرقتها الفرقة وهي عشر سنوات لتقديم آولى أعمالها.. ألا ترى أنها مدة طويلة؟
ـ عندما أسسنا الفرقة لم يكن هناك في البداية انتظام كامل في التدريب، وذلك للجهد الكبير الذي يجب أن يبذل على مستوى الفريق وخصوصاً إذا علمنا أن معدل أعمار الراقصين في الفرقة لا يتجاوز العشرين عاماً، حتى أنا مدير الفرقة لا يتجاوز عمري الثلاثة وثلاثين عاماً، لذا كانت البداية فيها بعض الصعوبات، لكن مع الاستمرارية والاستفادة من الأخطاء حدثت الانطلاقة الحقيقية، فتفجر عمل (هواجس الشام) في سوريا وكتبت الصحف عن هذه التجربة في أقل من شهرين من عرضها أكثر من 120 مقالة في مختلف الصحف السورية.

* ما مدى تأثركم بفرقة (كركلا) اللبنانية خاصة أنكم كنتم عضواً في هذه الفرقة؟
ـ شاركت مع فرقة كركلا أثناء فترة تواجدي فيها في عدة أعمال منها (اليسار) و(الأندلس والمجد الضائع) و (بليلة قمر) ونلت شهادة تقديم من عبدالحليم كركلا في الرقص المسرحي والتعبيري والمودرن، وعن تشابه فرقتنا مع كركلا أقول إنه شيء طبيعي أن يكون هناك تشابه خاصة بما تقدمه من تراث لأن كركلا فرقة عربية ونحن في إنانا كذلك، ولا ننسى أيضاً بأننا جميعاً من بلاد الشام بتاريخها وحضارتها المشتركة، ولكن مع مرور الزمن والسنوات والتجارب تصبح خصوصيتنا في العمل المسرحي أكثر حضوراً ووضوحا ً، خاصة أن هذا النوع من الفنون بحاجة إلى عدة سنوات ليكون هناك توافق حسي فكري.
في تجربتنا (هواجس الشام 880) كان لدينا تشابه واضح في العمل مع فرقة كركلا والسبب عائد إلى الأخذ من نفس المنبع الحضاري، أما في عرضنا (أبناء الشمس) فقد أدخلنا نوعاً من التغيير، وذلك بالدخول إلى القضايا التي يعاني منها الشارع العربي مثل القضية الفلسطينية، وكيفية الإحساس العربي بالألم الذي يعانيه أبناء هذه القضية، حيث أسقطنا الموروث الشعبي، والتاريخ على واقعنا المعاش، وتلمسنا الوجع العربي، وهذا ما ميزنا عن فرقة كركلا التي تقدم الموروث والتاريخ فقط، لقد صدرنا مشكلتنا العربية بمتعة وجمال من خلال العرض وكان هناك حضور مميز للجسد والإحساس.

* ما أهم الخبرات التي تستعين بها الفرقة، وكذلك كيفية التدريب للرقي بمستوىالرقص؟
ـ برنامج الفرقة في التدريب يومي ويمتد من 5 ـ 6 ساعات يومياً، لأن الفرقة محترفة، وإن حصل أي تأخير أو غياب عن التدريبات فإن ذلك يكون على الأغلب بسبب الالتزام بالدراسة، إذ أن معظم عضاء الفرقة طلبة في المعاهد والجامعات، كما أن نسبة أخرى منهم من أعضاء من خريجي المعهد العالي للرقص المسرحي، وعندما يصل الراقص إلى سن معينة نبعثه للتدريب في معهد للرقص والباليه، ليكون أحد الخبرات التي نستعين بها ومن ضمن الخبرات التي نعتمد عليها كذلك، ولها دور في نهوض الفرقة الكاتب محمد عمر المجاز في النقد والأدب المسرحي والحائز على جائزة الإبداع العربي في الشارقة عن مجموعته القصصية (فتى العشق) عام 1997، ومحمد هباش الذي يعمل في التأليف الموسيقي حيث عمل أكثر من ثلاثين عملاً درامياً للتلفزيون، وهو حائز على جائزة مهرجان القاهرة السينمائي عن موسيقى فيلم ـ 1 A ـ كما يوجد لدينا خبيرة روسية وهي البينابيلونيا مدرسة جاز وخريجة روسيا، وكذلك إيمان كيالي مدرسة أورنيتال خريجة كركلا. والواقع أن وجود هؤلاء المحترفين وإشرافهم على الفرقة وتدريبهم لها ساهم في تقدمها والرقي بمستوى إبداعها.

* حدثنا عن تجربتكم في عرض (هواجس الشام 880)؟
ـ هذا العمل تميز بأنه أول عمل في سوريا يقدم بهذه الطريقة من المسرح الراقص، حيث قدمنا التراث بموسيقاه ولوحاته المختلفة، وقدمنا بأسلوب رمزي الآم ومظالم ذلك الزمان، رغباته وأحلامه، ونزوع ناسه إلى الحرية والعدالة الاجتماعية، إنه صراع بين جسد تلك المرحلة وروحها، قدمنا شخصية مهمة عاشت في سوريا هو أبو خليل القباني، وكيف أن هذا الرجل صاحب الفكر المتنور لم يستوعبه احد في عصره، فهرب من الشام وأسس أول مسرح راقص في مصر. كذلك قدمنا في لوحات هذا العرض جوانب من مجتمع الدراويش، والطرق الصوفية، إضافة إلى بعض ما يخص المجتمع في تلك الفترة، إن عمل (هواجس الشام) مطلوب للعرض الآن في الكندي سنتر بواشنطن، وفي 4 مهرجانات بإيطاليا.

* بعد تجربتكم الموفقة في باليه (هواجس الشام 880) خضتم تجربة عمل (أبناء الشمس) التي أخذت منكم أكثر من سنتين للتحضير، كيف كانت تجربتكم في باليه أبناء الشمس؟
ـ (أبناء الشمس) أخذ وقتاً كبيراً للتحضير وهو يختلف عن تجربة (هواجس الشام) فهناك حضور واضح للجسد العربي على الصعيدين الفني والتكتيكي، كما وسعنا في هذا العمل دائرة اهتماماتنا العربية، فركزنا على القضية الأهم وهي قضية الشعب الفلسطيني والقهر والظلم الذي يتعرض له، فعمل (أبناء الشمس) أسطورة أبطال نهضوا وسط العتمة كألوان طيف يبحثون عن أمهم الشمس التي اختطفتها ملكة الظلام وأتباعها، فحرمت الأرض من ألق النور، وبدأت باحتلال الأرض وساكنيها، هذا ما يرويه الشيخ أديب الكفيف ليحرض أبناء بلدته على مقاومة الاحتلال وأعوانه، فيبدأ التداخل بين الواقع والرمز، بين ما يحصل على أرض البلدة، وبين ما يحصل في فضاء الرواية الرمزية في تجسيد صراع الحق والباطل، النور والظلمة، الخير والشر. ومن الجدير ذكره أنه في أثناء العرض الواحد تبدل الفرقة أكثر من 350 ثوباً في مدة زمنية لا تتجاوز الساعة والنصف، وهذا العمل بحاجة إلى جهد كبير ولياقة بدنية عالية.

* كيف تعملون على بناء الراقص كذات إنسانية إضافة إلى التوافق النفسي مع الجسدي؟
ـ من الأسباب الرئيسة في وعي أعضاء الفرقة هو أننا ننشئهم كبناء إنساني راقص، فعندما يأتينا الراقصون للتدريب في الفرقة نعمل على بنائهم شيئاً فشيئاً على الصعيدين الإنساني والجسدي، وذلك ليحس الراقص بقضايا شعبه وأمته ويلتزم بفرقته، وبعد بنائه كإنسان راقص نعمل على تهيئته على الصعيد الفني من خلال ترجمة المادة الأدبية والتوفيق بين الفكر والعضل للظهور بإحساس عال أمام الجمهور، وليكون هذا التوافق موجوداً لدى الراقص على كل المستويات فهو بحاجة إلى فترة تدريب لا تقل عن عشر سنوات.

* كانت لكم مشاركات عربية عبر راقصيكم في الفرقة.. حدثنا عن تجاربكم هذه؟
ـ هناك الكثير في الوطن العربي من يطلبون راقصين من الفرقة للمشاركة في العروض والأعمال المختلفة، ونحن في الحقيقة لا نبخل على أحد كما أننا نستفيد من هذه المشاركات عبر صقل المواهب وتعميق التجارب لدى راقصينا. ومن الأعمال التي قمنا بتقديمها (هواجس الشام...2) في مركز سلطان بن علي العويس في دبي وقد لاقى العمل إقبالاً كبيراً من قبل المبدعين والجمهور على حد سواء مما اضطرنا لإعادته في اليوم التالي ليتمكن أكبر عدد من الناس من مشاهدته.