حوار مع وزير الثقافة المغربي محمد الأشعري

أجرى الحوار أحمد نجيم: محمد الأشعري شاعر وقيادي في حزب quot;الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبيةquot;، أسندت له قبل سنوات حقيبة الثقافة في الحكومة المغربية. تعرض لانتقادات شديدة في الآونة الأخيرة من صحافيين وكتاب ومبدعين مسرحيين مغاربة. في هذا الحوار مع quot;إيلافquot; يرد على هذه الانتقادات، ويتحدث عن رؤيته لتدبير المدن بمشاريع ثقافية مدمجة. كما يتطرق إلى دعوته لتحرير ثقافة الجسد. ويتحدث عن تهديد حرية الإبداع في المغرب من قبل الأصوليين، ويؤكد أن على الجميع أن ينخرط في الدفاع عن هذه الحرية المهددة. ويؤكد الشاعر الوزير أن تجربته على رأس وزارة الثقافة ستفيده في كتابة تأملاته بعد مغادرته للحكومة.

* قلتم في افتتاح مهرجان الصويرة الأخير أن هناك طريقتين لتدبير المدن المغربية طريقة تعتمد الأقفال والأسوار والخوف وثانية تعتمد على المشاركة والإبداع والحرية، كيف يمكن أن تعمم تجارب مثل الصويرة وأصيلة وفاس في مدن مغربية أخرى كي يصبح تدبيرها معتمدا على الطريقة الثانية؟
- في البداية أريد أن أوضح أن ظاهرة اتساع المدن وتحولها إلى أنسجة جد معقدة هي ظاهرة كونية، فالمدينة التي كان لها حدود اختفت، وضمن هذا النموذج المدن المغربية التي كانت محصنة بأسوار. مع هذا الاتساع وتعقد النسيج الحضري، يجب أن يدبر بطريقة أخرى غير تلك التي كانت تعتمد على إغلاق الأبواب عند مجيء الليل. وليست المراقبة التي تعتمد ضبط تحركات المواطنين وسلوكاتهم هي الحل، كما لم تعد القيم المشتركة في المدن هي المنظمة للمواطنين، الآن أضحت مقاربة تدبير المدن مختلفة، فلم يعد أحد يعرف مستقبل هذه المدينة ومآلها على مستوى الحجم وعلى مستوى أنسجتها الجديدة. في المغرب وقبل عشرين سنة كنا أزيد من 60 في المائة من السكان القرويين، أما اليوم فلم نعد سوى 52 في المائة من السكان القرويين، وخلال العشرين سنة الأخيرة تطورت أزيد من 20 مدينة مغربية، كانت تعتبر مجرد مدن صغيرة.

* هذا التطور الذي أثرتموه لم يرافقه مشروع ثقافي، فكيف تحاولون اليوم إقحام هذا المشروع في توسع هذه المدن؟
- لذا أشدد على ضرورة اعتماد مقاربات جديدة، فلا يكفي أن نوفر للمدينة مجموعة من الحاجيات كالماء والضوء والصرف الصحي والطرق من بنيات تحية...هذا تدبير شكلي تدبير للحاجيات المعلنة، إن المدينة تحتاج إلى أمور أخرى غير المستشفيات الأسواق والمدارس، بل يجب توفر حد أدنى من وسائل إدماج المواطنين في فكرة المدينة، فسكان حي درب الطاليان أو سباتة في الدار البيضاء، على سبيل المثال، يجب أن يحسوا أنهم مندمجون في فضاء كبير اسمه الدار البيضاء، آنذاك تعوض الفكرة والقيم الحدود حضرية. كما أنه لا يجب أن نتصور أن سياسة ثقافية يمكن لوحدها أن تفي بتدبير المدن.
يجب الانتباه أن المدن قد تصبح غولا يفترس أبناءها إذا ما تركناها دون مرجعيات روحية، لهذا أقول أن المدن لا يجب أن تتوفر على رؤية تنموية فقط، بل يجب أن تتوفر على مشروع ثقافي مدمج، وذلك لتحقيق تصالح السكان مع محيطهم وأجسادهم.

* هناك عينات من المنتخبين تدبر المدن وترفض هذا المشروع الثقافي المدمج، وأخص بالذكر الأصوليين، فهم يحاربون مجموعة من المهرجانات والأنشطة التي تدخل في سياق ما ذكرتم، كيف يمكن بلوغ هذا المشروع الثقافي المدمج بوجود هذه العينة؟
- أعتقد أن التضايق الواضح والبين للتيارات الدينية من التنشيط الثقافي في المدن يرجع أساسا إلى عدم توفرهم على مشروع لتدبير المجتمع. حتى من يملك رؤية جنينية لتدبير المجتمع لا يمكن أن لا يفكر في التنشيط الثقافي والغناء والموسيقى والرقص. وأقول لمن يريد أن يجعل ممن المهرجانات دواء مستعجلا لمحاربة التطرف أن هذه الطريقة غير سليمة، إننا لا ننظم المهرجانات لأسباب سياسوية دينية، بل للدفاع عن تراثنا وربط مجتمعنا بموروثه الثقافي والفني ولفتح مجتمعنا على الإبداعات العالمية. إننا لا نجعل من الثقافة وسيلة من وسائل الحرب السياسية، كما أننا لا نبني طرق السيار والمشاريع الكبرى لمحاربة بؤر الفقر، فهذه المشاريع تدخل في بناء الإنسان المغربي الحديث.

* هل لا تشعرون بالتخوف من إمكانية وصول الأصوليين إلى الحكومة ويقضون على هذه المهرجانات المنتشرة في مدن مغربية؟
- كما قلت في برنامج تلفزيوني قبل أيام، فاختيار الانفتاح والنمو الاقتصادي المراهنة على المجال الثقافي، إنها اختيارات وطنية كبرى لا يمكن أن يهددها أيا كان، فالدستور يضمن أن جلالة الملك هو ضامن لحماية الدستور وهذا الأخير ينظم الحياة السياسية والاختيارات التي نعمل في سياقها، فلا أحد يستطيع أن يهددها ومن يفعل فإنه يحارب الدستور ويحارب الاختيارات الوطنية للبلاد. هذه نقطة واضحة وهي ليست مبعث تخوف بالنسبة لي.

* ممن تتخوفون؟
- تخوفي نابع من حرية الإبداع في المغرب مازالت مهددة، من قبل كانت الوسائل القصرية للدولة هي من يهدد حرية الإبداع، أما اليوم فهناك حركات داخل المجتمع تناهض الإبداع السينمائي والمهرجانات وحق الكتاب في كتابة ما يشاؤون والمسرح الجريء والتلفزيون والغناء، هذه الحركات هي أكبر تهديد لحرية الإبداع، لهذا اليوم يجب أن نعتبر حرية الإبداع اختيار وطني لا رجعة فيه، ويجب أن تكون هناك مواجهة بين من يعتبر حرية الإبداع اختيار جوهري وما بين دعاة كبح تلك الحرية.

* ألا تعتقدون أن هناك جبنا من قبل المثقفين المغاربة، فخلال نقاشات حول حرية الإبداع اختار كثير منهم الصمت؟
- أنا لا أسميه جبنا، أرفض الاعتقاد أن المثقفين المغاربة وصلوا إلى هذه الدرجة وننعتهم بالجبناء عن الجهر بالحق. أعتقد أن هناك نوعا من الثقة ترسبت عند المثقفين من أن بلادنا في مأمن من أي اعتداء عن الحرية، وأن من قالها بفمه لا يمكن أن يستعمل يديه للتضييق على الحرية. أعتبر أن هذه الثقة عمياء وواهمة، يجب أن نعتبر أننا لا يمكن أن نتلكم عن مكتسبات نهائية، يجب أن نكون يقظين ومنتبهين لكل تهديد.
كما لا يجب أن نعتقد أن الدولة هي الوحيدة المكلفة بحماية الحرية، فيجب أن ينخرط المثقفون في الدفاع عن هذه الحرية.

* دعوتم معالي الوزير، إلى تحرير ثقافة الجسد؟
- ما ركزت عليه هو أن أجسادنا ليست مجرد آلات للإنتاج، بل تحمل معتقدات وإيمان وثقافة، ولا يجب أن نربطها بالغواية، فهذه الأخيرة متواجدة في كل الأماكن، بما فيها الأماكن الدينية.
فتدارك الانزلاقات يمر عبر وسائل حديثة للتربية. إن الخلط بين الأشياء يدخلنا إلى عصر محاكم التفتيش، فنعت جميع الحاضرين إلى مهرجان بالفساد يقحمنا في تلكم المحاكم.

* تعرضتم في الآونة الأخيرة لانتقادات شديدة من قبل صحافيين وكتاب ومسرحيين، هل هذه ضريبة المسؤول الحكومي، وكيف تردون على تلك الانتقادات؟
- أنا لا أرد على الشتائم الشخصية، وهذه ضريبة تحمل المسؤولية الحكومية، وأعتقد أنه أمر وارد أن أتعرض لهذه العدوانية. فلن أرد على ما هو شخصي ولن أوقف شخصا أمام المحكمة من أجل تلك الشتائم. إن من ينتقد السياسة الثقافية يمكن أن أرد عليه، رغم أن له الحق في إبداء رأيه والاختلاف مع هذه السياسة، إنني أستفيد من هذا النقد.

* هل تكتبون الشعر في الاجتماعات كما يفعل بعض الشعراء المسؤولين؟
- الشعر أكثر جدية من كتابته في الاجتماعات الرسمية، إنني أكتبه في أوقات معينة.

* هل هناك مشروع ديوان تؤرخ فيها لتجربتك على رأس وزارة الثقافة؟
- هناك مشاريع دواوين قيد الإنجاز. حتى الآن ليست لي فكرة عن كتابة هذه التجربة، ربما قد تفيدني لكتابة تأملات فيما بعد.
[email protected]