حوار مع خوسيه دي لا روسا حول روايته quot;مفتاح أغريباquot;

محمدالمودن من مدريد: هناك شغف روائي كبير بالتاريخ في المشهد الروائي والأدبي الإسبانيين، لم تستطع التجارب الروائية الحديثة أن تقاوم إغوائاته. سلطته تحتل الزمان والمكان، وتعتقل التخييل والتفكير بين أسواره.في الأرض الإيبيرية (العالم الاسباني)، التاريخ لا يسمح بمكانه لغيره، ربما لأنه يريد أن يبيح بأسراره التي ترسبت بمرور الوقت وعبور الحضارات، الناس كلهم كذلك يسكنهم التاريخ بوجوهه وألوانه المتعددة.لذلك قد نلفي العديد منهم يقف بمحراب هذا التاريخ وعتباته يطلب مزيدا من أسراره وحكاياته. رواية quot;مفتاح أغريباquot;، للكاتب والشاعر الإسباني والإشبيلي خوصيه دي لا روصا، هو عمل روائي من بين العديد من الروايات الإسبانية المسكونة بالتاريخ، تشكلت على عتباته، وتكونت مفاصلها بين فصوله.رواية تسللت إلى مجاهل التاريخ لتنسج عالمها وهويتها أيضا. حطت بالقرن السابع الميلادي على عهد الملك كارلوس الخامس، وحولت كثيرا من شخوصه او أحداث المرحلة إلى كيانات تخييلية تتصارع فيما بينها دراميا، لتكون في النهاية رواية غرائبية لكنها في الوقت ذاته، وبنفس توثيقي،تكشف وجها خفيا من وجوه إشبيلية القرن السابع عشر.
حكاية هذه الرواية تنهض على البحث عن أصل كتاب مجهول وعن مصدره وملابساته، تقوم به الشخصية البطلة ريفيلكو لينو أغريبا في سبعة أيام فقط، سيزور فيها مكتبات روما وباريس ولندن والقدس ثم إشبيلية.
الرواية كما يقول مؤلفها الذي عمل صحفيا quot;بكادينا سيرquot; ومنشطا ثقافيا في مؤسسة للتشجيع على القراءة الأدبية، استغرق تأليفها ثلاث سنوات. عمله بمكتبة كولومبينا منحه الفرصة للاستفادة من مصادر ومخطوطات وكتب تاريخية قديمة،استرفد منها الفكرة النواة لروايته وحتى مادتها التوثيقية والتخييلية. وإمعانا في تقريب هذه التجربة الروائية الإسبانية الحديثةquot;مفتاح أغريباquot;إلى القارئ العربي، عمدت إيلاف إلى محاورة كاتبها خوصي دي لا روصا في مساء جميل من مساءات إشبيلية الصيفية، فكان الحديث كما يلي.

* هل يمكنلك في البدء أن تجمل لنا حبكة روايتك quot;مفتاح أغريباquot;؟
- quot;مفتاح أغريباquot; هي عملي الروائي الأول، حاولت من خلاله إنشاء مسير روائي ممتع ومسل باتجاه عالم يعد بالنسبة إلي عالما شغوفا، وهو quot;عالم الخمياءquot; (يقصد بها عالم علم تحول المعادن)، وعالم الخفايا والإخفائية. وكل ذلك يوجد مترجما في كتب كانت تنتقل من يد إلى أخرى منذ القرن 12إلى حدود القرن 16 او 17.وبشكل أكثر تحديدا يتمحور هذا العمل حول أكبر تشكيلة من كتب quot;الكيمياءquot; في مكتبة كولمبينا بإشبيلية. و انطلاقا من ذلك، فإن الحبكة الروائية ستقوم على ظهور كتاب في مكتبة كولومبينا مجهول المصدر، ما كان عليه أن يكون هناك. وسيتكلف باحث عن الكتب الضائعة، في مدة سبعة أيام فقط وهي المدة الممنوحة له، بالكشف عن مصدر الكتاب، من مؤلفه، وماهي الحكاية التي توجد وراء حمله إلى هذه المكتبة الإشبيلية. فهذه بإيجاز إذن حكاية quot;مفتاح أغريباquot;.

* طيب قبل أن نمضي في استقصاء التفاصيل السردية والجمالية لعملك الروائي هذا، نود لوتطلعنا بإيجاز على مكتبة quot;كلومبيناquot;، فقد يكون هناك الكثير ممن يعنيهم أمر معرفتها والبحث فيها؟
- في روايتي لا أتحدث فقط عن مكتبة كولومبينا فقط، بل يظهر فيها كذلك سلسلة أخرى من دعائم الأثار الأساسية لفهم الحضارة والثقافة الغربيتين، وهذه السلسلة توجد في إشبيلية. أما بخصوص مكتبة كولومبينا فهي توجد داخل كتدرائية إشبيلية، بجناح لاغراطو ويوجد بها تجمع كبير من الكتب، جمعها هيرناندو كولون الإبن غير الشرعي لكريستوبال كولون، وهي كتب جمعها خلال حياته كلها. وكان والده قد رباه في قصر الملكة إليزابيت الكاتوليكية، وكان شخصا متنورا، وخصص كل ممتلكاته وما كان يتسلمه من مساعدات من الملك كارلوس الخامس الذي أبعده عنه بسبب إلحاحه على منحه معونات، كل ذلك سخره لشراء الكتب، وكان بعض تلك الكتب مخطوطة وأخرى مطبوعة. غير أنه ربما ما كان أكثر أهمية بالنسبة إلى هيرنانيث دي كولون، هو أنه أرسى دعائم ما يطلق عليه اليوم عالم المكتبات، أي نظم ترتيب الكتب وتصنيفها.

*دعنا نقترب من إحدى أبرز شخصيات روايتك وهو ريفيل كولينا، وهو باحث ومن سيتكلف بالبحث عن مصدر الكتاب وحكايته ومن حمله إلى كولومبينا، فهو شبيه بالمحققين السريين المعاصرين، لكن جهده يكون في عالم الكتب. هل كان ذلك بقصد منح مزيد من الغرائبية على الشخصية، ولمنح عملية البحث كذلك لمسة تخيلية أكبر؟
- بكل بساطة، يجب علينا أن نضع في الحسبان، ما كمية الكتب والمصادر والمراجع والمخطوطات التي توجد في المكتبات الشهيرة مثل بابلونيا ومكتبة الإسكندرية على سبيل المثال لا الحصر. ودعني أعود هنا إلى مكتبة كولومبينا فهيرنانديث كولون توصل في حياته إلى جمع حوالي 15 ألف مجلد، ونحن نتحدث هنا عن حقبة يكون أقصى ما لدى عالم هو 500 مجلد فقط،إذ بذلك سيتسنى لنا أخذ فكرة عما كانت تمثله هذه المكتبة التي أسسها هيرنانيث كولون. ولم يصلنا منها بطبيعة الحال سوى 3000 مجلد وهذا يدل على حجم الكتب التي ضاعت ولم تصلنا، لا نعرف عما كانت تتحدث تلك الكتب، ولا أين ذهبت. إذن كل هذه الملابسات كانت تفرض جعل شخصية ريفيل كولينا، بتلك الإمكانات التخيليية حتى يستطيع التعامل مع هذا العالم الكبير والمتعدد.

* هناك من يقول إن كل رواية توجد إحدى شخصياتها مقربة من المؤلف على نحو ما، فهل هناك تقارب بينك وبين شخصية ريفيل كولينا على اعتبار أنك أيضا تعمل بمكتبة كولومبينا، واشتغلت على كتبها، أو على الأقل أنك تريد أن تكون مثل كولينا، ليس في البحث في هذا الفضاء وحسب بل في السفر إلى عوالم متعددة؟
- أعتقد نعم، حقيقة أحب أن أكون ريفيل كولينا، تصور السفر... التنقل.. إلخ. مثلا في هذه الرواية في سبعة أيام فقط على ريفيل أن يتنقل إلى خمس مدن عالمية مهمة في عالم المكتبات القديمة الكبرى. فإذن تخيل هذه الرحلات الشيقة والشغوفة. واعتقد أن أي فرد من العالم سيعشق السفر ولاسيما إذا كانت باتجاه مكتبات تحبل بكتب قديمة.على الأقل أنا أحب السفر كثيرا.

* على ذكر السفر، هناك سفر سرديفي روايتك، ونقصد به سفر نحو حقبة تاريخية ماضية لاسترفاد أجزاء العالم المتخيل للرواية وشخصياتها وأحداثها كذلك،لماذا هذا اللجوء إلى التاريخ ؟ هل اتصالك بعالم المكتبات القديمة هو الذي جعلك رهين التاريخ؟
- هذا من ناحية صحيح لكن من ناحية أخرى، مثلا يقال في كتاب مثل quot;الأوديساquot;، أو مثل كتاب quot;ألف ليلية وليلةquot; قد كتبت كل القصص والحكايات الممكنة. وسواء كنا متفقين مع مثل هذا التأكيد أم لا، فإننا أمام التاريخ نلفي أنفسنا أمام إطار يتيح لنا إمكانية الحلم والتخييل. هنا كأسس صلبة يستقيم عليها التاريخ، ويمنح كقدرة على ممارسة التخييل لكنه تخييل موثق. اللجوء إلى التاريخ يجعلك تتعامل مع الأحداث بموسوعية، عليك أن تعرف من كتب ذلك الكتاب، أو من قال ذلك القول. في السياق ذاته هناك اتصال بالحضارات المختلفة، وتعرف إلى مفاهيم وتصورات عدة، فضلا عن ذلك كله فإن ذلك سيسمح لنا بممارسة التخييل. ولذلك اعتقد أن التاريخ هو أداة جيدة لبناء التخييلات السردية، بدليل أن الروايات التاريخية هي الأكثر تداولا بين القراء على الأقل هنا في إسبانيا.

* لكن هذا التعامل مع التاريخ هو تعامل نقدي، هو تبني له بالمطلق،أم مجرد مواد للبحث عن نسبة عالية من المبيعات؟
- أعتقد أنه في الروايات التاريخية التي اطلعت عليها هنا، هناك الأمران معا. عناك كتاب روائيون من كتاب الرواية التاريخية من يعمدون إلى مراجعة التاريخ، حاملين معطيات جديدة، ومقدمين رؤى غير مسبوقة لأحداث ووقائع جرت. وهناك آخرون من يستنجدون بالتاريخ لتستظل بظلها حكاية ما يود إيصالها إلى القارئ.
في روايتي لم يمكن الحديث عن العودة إلى الماضي أو مودا السرد التاريخي. ويجب الأخذ بالاعتبار أنه دائما كانت هناك رواية تاريخية. ومن ثم فإن الاستناد إلى التاريخ هو مكون من مكونات الثقافة الأدبية الغربية، وأظن أنه ربما يكون كذلك بالنسبة إلى الثقافة الأدبية العربية. واعتقد أنه لايجب أن يقال إن هناك مواد من السرد التاريخي الآن وإن كانت مبيعات الرواية هنا في إسبانيا قد تقول لنا نعم.

* إذا شئنا الاقتراب أكثر من شخصيةquot; أغريبا quot;، وهي شخصية جعلتها مفتاح روايتك وعنوانها، فكيف تقول؟
- لقد كانت معرفتيquot; بأغريباquot;، واسمه الكامل كورنيليو أغريبا، عن طريق المصادفة، مصادفة خالصة جدا. وقد كان غرضي كتابة رواية عن كتب quot;الكمياquot; عموما. لقد كان لدينا بإشبيلية التي أقيم بها، سلسلة من بين السلسلتين الكبيرتين من الكتب الهرميسية الموجودة في العالم، إلى جانب المكتبة الخميائية. وكان لدي مصدر رائع، وكنت أبحث قليلا عما يوجد في عمق مكتبة quot;كولومبيناquot;، فعثرت على واحد من تلك الكتب وهو الوحيد الذي كتبه كورنيليو أغريبا، وفجأة كذلك صادف تشخصا يدعى الاسم ذاته كورنيلو أغريبا، الذي كان ساحرا في زمانه، أو خميائيا، وكان يقال عنه أنه كان يمضي مصاحبا بكلب أسود يجسد الشيطان، وكان يدفع بتحايل لأصحاب الإقامات التي كان المسافرون في تلك الفترة يقيمون بها قطعا صغيرة من الجلد ثم يقوم بألعابه السحرية فيخيل إليهم انها قطع نقدية ذهبية. والعجيب في ذلك كذلك، أنه كان يقال عنه إنه المستشار المقرب من الملك كارلوس الخامس عشر. وما أثار انتباهي هو كونه مقرب من الملك كارلوس الخامس وكذلك التوازي الذي يوجد بينه وبين شخص هيرناندو كولون. وكلاهما كانا متجايلين ولدا بفارق سنتين عن بعضهما، وتوفيا بفارق سنة عن بعضهما، وظهرا معا في قصر الملك كارلوس الخامس. كلاهما اهتما كذلك بالكتب الهيرميسية، كلاهما لديهما مكتبتين كبيرتين، هذا حقيقة ما كان يهمني،وخاصة عندما قررت كتابة هذه الرواية.الكتاب الذي عثرت عليه، بالضرورة كان يتناول شخصية أغريبا و كان يوفر معلومات عنه،وأثناء البحث كذلك عثرت على كتاب لأحد أتباع أغريبا يدعى جون غير ايس، ويقول إنه سيخصص ربع أعماله الأساسية لما يسمى quot;بالفلسفة الخفيةquot;، لأنه كان يقول بأن كورنيليو قد أخفى مفتاحا من مفاتيح الفهم داخل هذا العمل السحري، وهو عمل مفتاح اسمه يوحي بالإخفائية :quot; الفلسفة الخفيةquot;. وبالبحث في هذا التأكيد توصلت إلى معرفة رسائل كورنيليو، وكورنيليو نفسه يقول إنه بالتأكيد قد كتب quot;الفلسفة الخفية quot; بمفتاح سري.

* أنت أيضا حاولت استثمار أرقام وعبارات بشكل تناصي مقصود، وجعلتها مفتاحا للإمساك بأسرار عوالمك الروائية في هذا العمل، فهل يمكن أن ينطبق ذلك على رقم سبعة مثلا الذي جعلتها المدة التي يجب أن يجد فيها ريفيل مصدر الكتاب وصاحبه؟
- مع الرقم سبعة بالتحديد لا يوجد قصد لاستثماره كعدد مفتاح، صحيح أن رقم سبعة هم رقم له مدلوله في كثير من الثقافات ربما حتى في ثقافتكم العربية. ويقال كذل كفي بعض الروايات العالم وجد في سبعة أيام... ثم كذلك هناك من يقول الرقم سبعة هو رقم جيد.. الخ.... ولكن الرقم الذي كان مفتاحا في هذه الرواية هو الرقم أربعة، وهو عدد المبشرين. ثم إن رواية quot;مفتاح أغريبا quot; هي رواية تتمحور حول العدد أربعة أحيانا بشكل ضمني وأحيانا بطريق واضح.

* أثناء بحثك المرتبط بكتابة هذه الرواية وخاصة في فضاء مثل إشبيلية المعروف بتعدده الثقافي والتاريخي والحضاري كذلك، هل صادفت شيئا مما هو مرتبط بالحضارة العربية؟
- أولا أقول لك quot;الكمياquot; هي كلمة عربية ذات اشتقاق صعب، ولذلك فإن أول ما كنت قد قمت به هو البحث عن أصل هذه الكلمة ومصدرها. وأود أن أضيف قائلا كذلك، أن ثمة نقاطا ثلاثة هي بمثابة مفاتيح نستطيع أن نفهمها داخل كلمة quot;الكمياءquot;، الأولى : هي الاتصال بالمسلمين من خلال مضيق جبل طارق، وهي نقطة مهمة قادت إلى حدث القيام بترجمة كمية كبيرة من النصوص من الأسكندرية في قرطبة. والنقطة الثانية مهمة أيضا وهي عندما قامت الحملات الصليبية على الشرق الأوسط،حيث استقدم المسيحيون إلى أروبا في هذه الحالة إلى فرنسا، كمية أخرى كبيرة من المخطوطات التي جرى ترجمتها وكانت كذلك مصدرا آخر من المصادر التي تغذى منها العالم الهرمسي والكميائي.
والنقطة الثالثة، وقد تكون أساسية، و المتعلقة بنقل المعرفة الهرمسية إلى أروبا، هي سقوط القسطنطينية، وانطلاقا من وجهة النظر هذه، فإن دخول المعارف الكميائية إلى أوروبا، قد جرى دائما عبر العالم العربي. وكان الخميائيون في أوروبا حتى إلى تاريخ ما،كانوا متابعين دائما في أوروبا الغربية، في حين كان في العالم العربي يوجد الكثير.