حوار مع المخرج العراقي حامد المالكي

اعداد أسراء كاظم طعمة: الفن روح الحياة وهو من يعطيها اللون والاحساس، ومن يكون الفن صنعته عليه ان يقود تلك المسؤولية في موازنة حذرة بين جماليً الشكل والروح، الفنان والمخرج ( حامد المالكي) كان لنا معه حوار هادىء عن هموم تلك الصنعة وأشياء من اسرارها...

* فلمك التلفزيوني (انتهاك) فاز بجائزة عالمية، هل تصنف الفلم كروائي او وثائقي؟
- الفلم يتحدث عن جريمة اغتصاب خمس مريضات نفسيات في مستشفى المجانين وخارجها يوم سقوط بغداد، انتهاك صارخ للمدينة وللناس، والفلم كان تجربة
قاسية ومغامرة حسوبة، وقد فاز بجائزة الإبداع في الإخراج (الذهبية) في مهرجان القاهرة الحادي عشر 2005 للإذاعة والتلفزيون، أنا أول مخرج عراقي يفوز بهذه الجائزة وأنا فخور بها للغاية كوني كاتبا ومنتجا للفلم إضافة لإخراجه، كان هذا الفلم مزيجا من الروائية والوثائقية نستطيع أن نسميه (سمي دراما) قام بتمثيل الأدوار فيه مجموعة من مرضى مستشفى الأمراض العقلية(الرشاد) في بغداد كذلك قام الدكتور باهر بطي والأديب خضير ميري والباحثة هيفاء سلمان، كانت تجربة التعامل مع ممثل غير محترف تجربة مثيرة، والأكثر أثارة كانت تجربة العمل مع ممثل غائب عن الحضور، اقصد المرضى النفسيين والذين أدوا أدوارهم بإتقان وكانوا يأتون إلى موقع التصوير(حديقة المستشفى) قبل الآخرين وهم على أتم استعداد.

* خضت غمار التأليف، هل كانت تلك محاولة في توسيع نطاق الرؤية الفنية؟
-أنا طبعا كاتب قبل أن أكون مخرج، تجربتي الاخراجية تجربة واحدة تكللت بالذهب في القاهرة، اكتب المسرح والقصة والرواية كذلك المقال السياسي ولي محاولات نثرية لم تنشر حتى ألان لأني لازلت في مخاض مع تجربتي، أعتقد أن جميع أنواع الإبداع تصب في النهاية في مجرى واحد، لا أحب الفنان القابع وراء مشروع فني أو نوع واحد من أنواع الفنون لدينا تجارب خالدة، (شارلي شابلن ) كان يكتب ويخرج ويمثل أفلامه، وضع موسيقى فلم (انضواء المسرح) فكانت قطعة موسيقية خالدة لازلنا نسمعها في ليالي الكونسرت، اولسن ويلز كذلك كتب ومثل واخرج أفلامه، طاغور تعلم الرسم وعمره 73 سنة وأنتج معرضا فنيا رائعا، الفنون في النهاية من مصدر واحد هو الخيال الثر وتنتهي نهاية واحدة هي نهاية الإبداع.

*ما جديدك في مجال الكتابة للتلفزيون؟
-انتهيت بعد مسلسل( سارة خاتون ) من كتابة حياة ( الجواهري ) في ثلاثين حلقة وحياة( الرصافي ) في ثلاثين أيضا لحساب (قناة السومرية)، بعد أيام ستنطلق كاميرا أركان جهاد /المخرج العراقي المتميز لتصوير مسلسل الرصافي في سوريا، اعمل اليوم في مسلسل(الدهانة) يتحدث عن فترة تخلي عبد الكريم قاسم عن الشيوعيين عام1961 وتقلبات العراق السياسية والاجتماعية في تلك الفترة المهمة من تاريخ العراق.

* هل ترى أن الجوائز تشكل دافعاً ضرورياً للفنان؟
-بالتأكيد، أنها في النهاية التكريم الذي يقدمه المختص لعملك، هنالك تكريم الشارع والمتلقي العادي وهو مهم ونبيل للغاية إلا أن تقييم المختص ولجان التحكيم والنقاد يخدم تجربة المبدع أنا أتحدث عن جوائز العالمية مثل الأوسكار وكان، جوائزنا العربية لا زالت تخضع لموازين متأخرة بعض الشيء تدخل المجاملة والعلاقات السياسية بين الأقطار العربية فيها فتؤثر في النتائج، فمثلا يسود الحديث عن ان الأوسكار لا يمنح إلا لفلم يخدم الصهيونية، لكن قد يكون هذا الكلام صحيحا في خمسينيات القرن الماضي بعد الحرب العالمية الثانية وبدا الحرب الباردة واختباء الصهيونية تحت عباءة الأعلام الأمريكي، اليوم الوضع مختلف، لم أشاهد فلم حاصل على الأوسكار إلا وكان مستحقا للجائزة.

* كيف هو العمل وسط الظرف الصعب للعراق وهل حصل أختلاف ما في نمط المسلسل العراقي بعد الاحتلال؟
-يحتاج تصوير الفلم في العراق إلى بعض الترف الأمني، والوضع معروف لكن من أن يتم التصوير في مكان الحدث أو في ستوديو متقدم يحاكي مكان الحدث وكلا الأمرين في غاية الصعوبة في العراق اليوم، ربما لهذا السبب هاجرنا البلاد مكرهين، اما بالنسبة لنمط المسلسلات، فبالتأكيد ولعدة أسباب هنالك اختلاف، اذ جاءت لنا جرعة زائدة (أوفر دوز) من الديمقراطية لم نعرف كيف نستغلها جيدا فصنعنا مسلسلات بشعة تحاول أن تحاكي الواقع الإرهابي في العراق ولم تنجح والسبب أن صانعي هذه الأعمال مالوا إلى المحاكاة لا إلى محاولة الفهم وسبر غور الشكل المرعب في العراق، لم تكن أعمال وثائقية كي تؤرخ لبلد منتهك ولم تكن أعمالا روائية قائمة على محاولة فهم الحدث والشخصية العراقية القلقة، كانت أعمالا تقلد الواقع وتبالغ به فلم تنجح، خذي مثلا(ثمنطعش) الذي قدمته قناة (الشرقية ) للمخرج المبدع عدنان ابراهيم، هذا المسلسل يجعلني اشعر بالغثيان عندما أراه مع احترامي لجهود القائمين عليه، كان قاسيا بشك مبالغ به، ليس هذا العراق وليسوا هولاء أهله.

* تقيمك للحركة الفنية العراقية والدراما العربية؟
- الفن شأنه شان الوضع العام في العراق، الحركة الفنية اليوم تعطلت وهاجرت إلى شتات المنافي وما بقي لا يستطيع اللحاق بحركة الوضع السياسي والأمني والتغيرات الاجتماعية المثيرة التي تحصل اليوم في العراق (الحرب الطائفية) وكذلك سيطرة الأحزاب الدينية قد تدخل في تحجيم الفن لان الفن في النهاية محرم في مفهوم هذه الحركات السيادينية!!، اما الدراما العربية، بعض المنتجين والمخرجين يحاول البحث عن جديد، مكننا الستلايت من رؤية أعمال الأخر المتميزة، رحنا نقلدهم، أنا أؤمن بالتقليد وصولا إلى التجديد، السينما العربية قلدت السينما العالمية في الخمسينات والستينات فكانت هناك بعض الأعمال المهمة، لذا جاء دور تقليد المسلسلات العالمية، لنتعلم منهم، مشكلتنا أننا أمة تقلد وعلينا أن نستسلم لهذه المشكلة.

*ما مدى تأثير الفن في صحوة الضمير لدى المتلقي؟
-هذا سؤال مهم وربما يحتاج إلى حوار كامل لوحده، منذ أن بدا الفن كان الإنسان يبحث من خلاله عن حالة التطهير(كاثارسس) فعندما يشاهد المتلقي مصير سيء للبطل الخاطئ فانه يشعر بنوع من الارتياح المعنوي والعكس صحيح، الفن يداعب حلم يقظة المتلقي، هذا سر الأفلام الهندية التي تداعب حلم يقظة،المتلقي الهندي الفقير عبر البطل الوسيم الذي يعشق فاتنة ترقص وتغني له، الفقراء يحبون مشاهدة الأفلام الهندية، نحن قد ننتقدها لكنها لغيرنا مهمة، الأفلام الضاحكة تنجح في المجتمعات الحزينة، لذلك أقول نحن اليوم في العراق بحاجة إلى المسلسلات الكوميدية ولهذا السبب كتبت للبغدادية ثلاثية(عائلة في زمن العولمة) وكانت عملا كوميديا لاقى أعجاب الكثير ممن راسلوني ولتصلوا بي، الفن صديق المتلقي، أما أن يكون صديق وفي يفهم مشكلة صديقه أو أن يكون صديق غبي يدوس على جراح صاحبه وينكأها، الفن قادر على تغير امة كاملة، علينا أن نؤمن بان الفن قادر على الشرح والتوضيح والمتعة ثم التغير وكم نحن بحاجة إلى التغير.