زائر دمشق يلمس بنفسه مدى الانزعاج السوري مما وصلت اليه الأمور في لبنان حيث يسمع كلاماً مفاده أن المصلحة الشخصية والحسابات الضيقة تأتي على حساب مصلحة الوطن في وقت يسعى فيه كل فريق إلى الحصول على ما أمكن من مكتسبات تعزز وجوده وتقوّي نفوذه امام الفريق الآخر الذي يجهد بدوره كي يفوز بسباق الامساك بمفاتيح الدولة .
دمشق: يبدي أكثر من مسؤول سوري استياءه من عدم توصل اللبنانيين الى تشكيل حكومة وحدة وطنية رغم مرور أكثر من اربعة اشهر على اختيار زعيم الاكثرية رئيس quot; تيار المستقبل quot; النائب سعد الحريري لهذه المهمة . وهناك في العاصمة السورية من يستغرب quot; غرق quot; القيادات اللبنانية في بحر النزاع على الحصص والحقائب والاسماء ، متسائلاً أما من حل لعقدة هذه الوزارة او تلك ؟ وهل بات من الصعوبة بمكان ان يتم توزيع الحقائب بشكل عادل ومقبول ؟ وهل أضحى مصير تأليف الحكومة متوقفاً على وزارة بعينها ؟
ويرى مسؤول سوري متابع للموضوع اللبناني أن علّة العلل في لبنان تكمن في الطائفية المتحكمة في النفوس والتي لا يمكن للنصوص مهما برع الحكماء في ديباجتها وصياغتها ان تمحيها من الوجود . من هنا فان كل حركة او خطوة يقدم عليها القيمون على شؤون الوطن زعيماً كان ام مسؤولاً انما يتوخى من خلالها إرضاء طائفته وأبناء ملته وتأمين ما امكن لهم من منفعة بغض النظر اذا ما كان عمله هذا خدمة للوطن او ضرراً به . من هنا لا غرابة ان يكون لجوء المواطن عند الحاجة او في الملمات الى زعيم طائفته , لا الى الدولة ومؤسساتها ، كي يحتمي بظله ويتدبر أمره . ويلفت هذا المسؤول الى ان جميع النزاعات والحروب التي شهدها لبنان منبعها طائفي ومذهبي وهذا ما يجعله سريع العطب طالما ان اللغة الطائفية هي السائدة والتي لا يمكن مع استمرارها ان يستقيم الوطن .
وفيما ينوه المسؤول السوري بحالة الاستقرار التي تعيشها سوريا والتي يعد نبذ الطائفية وعدم العمل بها احدى ركائزها ، يشير الى ان العراق بلد غير طائفي ايضاً وقد اكتسب مناعة ضد الطائفية وثبت ذلك مع فشل جميع المحاولات والمؤامرات لجره الى أتون الصراع الطائفي ، رغم سقوط آلاف الضحايا من ابناء الطائفة السنية والشيعية والمسيحية . وفي هذا الاطار تذكر مديرة دائرة الاعلام في وزارة الخارجية السورية بشرى كنفاني انها أمضت سنوات في العراق حين كان والدها يعمل هناك في أواخر الستينات وقد عرفت طارق عزيز نائب الرئيس العراقي الراحل صدام حسين من خلال مشاركتها في اجتماعات حزب البعث في بغداد ، لكنها لم تعلم ورفاقها في الحزب على مدى اشهر الى اي طائفة ينتمي طارق عزيز حتى غاب عن حضور اجتماع تزامن موعده مع الاحتفال بعيد الميلاد فادرك الجميع يومها انه مسيحي .
وبالعودة الى موضوع تشكيل الحكومة في لبنان يروي المسؤول السوري واقعة علقت في ذاكرته نجمها الزعيم الراحل كمال جنبلاط الذي نشرت له صحيفة quot; النهار quot; حديثاً في السبعينات ارادت من خلاله التعرف إلى موقفه من ازمة سياسية كانت تعصف بلبنان وتحول دون تشكيل حكومة . في ذلك الحديث راح كمال جنبلاط يرد على اسئلة quot; النهار quot; السياسية بتعداد فوائد رياضة اليوغا وتناول الأعشاب ، وكلما حاول سائله العودة به الى الشأن السياسي كان جنبلاط يرد بسرد المزيد عن خصائص هذه العشبة أو تلك .وعندما طرح عليه السؤال الأخير عن سبب امتناعه عن الغوص في السياسة اجاب بأسلوبه المحبب : quot; يا عمي كل ما قلته لكم سابقاً عن اليوغا والأعشاب يؤدي الى المثل الشائع وهو ان quot; العقل السليم في الجسم السليم quot; ومسألة تشكيل الحكومة تحتاج الى ذلك quot; .
التعليقات