لا شك أن أكثراللبنانيين تنزهوا ومارسوا رياضة الصباحوجلسوا لساعات طويلة على كورنيش المنارة.

بيروت: ظل كورنيش بيروت البحري في كل ظروف المدينة الصعبة والجميلة جاذباً لرواده وعاشقيه، اللبنانيين منهم والعرب والاجانب. يضع بعضهم نفسه في خانة quot; الضيف الدائم يلي ما بيستحيquot;، وهؤلاء كثر، يحرص جميعهم على المجيء الى الكورنيش بحثاً عن ساعات من الراحة ومناشدة الطمأنينة والهدوء النفسي. يختلف رواد عين المريسة عن المنارة والروشة والرملة البيضاء.

فلكل واحدة من تلك المناطق زوارها المتميزون عن بعضهم البعض من خلال هدفهم في قصد المكان. يمكن اعتبار كورنيش عين مريسة اكثرها جذباً للزوار، فهو شكل بعد تجميله واضافت اللمسات العصرية والحديثة عليه، من جهة المقاعد الخشبية وتكتيكات الانارة والحاجز الحديدي الفاصل عن الشط، شكل نقطة الجذب الاولى. ويعتبر رواد عين المريسة كورنيشهم quot; الاكثر تعبيراً عن الحياة اللبنانية، فهو يختصر المجتمع اللبناني والبيروتي تحديداً بتنوعه الطائفي والحزبي وما الى هنالك من تصنيفات اعتادوا عليها، وعلى الرغم من ذلك فإن اي مظاهر حزبية تغيب عن الكورنيش في العلن إلا حين استراق بعض السمع من تجمعات شبابية منتشرة على طوله تذكرك بين الحين والآخر بما يدور خارج حدود المتنزه البحري.

يسترسل احد باعة القهوة المتجولين في الحديث عن ماضيه وهو ينظر الى البحر فتبدو في عيونه الكثير من الكلام. فهو يحرص على اجراء فاصل قصير يعرض فيه خدماته بعبارة quot; قهوة quot; بنغمة خاصة به إلا انه لا يكترث كثيراً للمارة عندما يفيض في الحديث عن تجربته عندما عمل اكثر من اربعة عشرة عاماً على متن احدى سفن الشحن التجارية. يفتخر بماضيه وتحديداً عندما يرى بعض المارة سواء اً كانوا فردين او مجموعات يتحدثون بلغات اجنبية وخاصة الانكليزية. فهو quot; بلبل انكليزيquot; سرعان ما يطلق العنان لشريحته في اختبار اللغة وينجح في معظمها امام طلاب نزلوا من درج الجامعة الاميركية للترويح عن نفسهم لبعض الوقت على الكورنيش.

يحدثك quot; بائع القهوةquot; صاحب الخمسة والستين عاماً عن جولاته على اكثر من سبعين بلداً على متن الباخرة، يعرف القارة الافريقية، اوروبا، دول جنوب شرق اسيا، دول الخليج العربي ووصل حتى نيويورك في الولايات المتحدة الامريكية، البرازيل، الارجنتي والتشيلي. لا يتوقف عن الكلام إلا حينما تبادره بسؤال عن حالته اليوم. يحمل صاحبنا قناعة لا توصف في هذا المجال، وحتى مع ضيق الاحوال، فهو فضّل الزواج والانجاب والاستقرار في بلده quot; شو انا سمكة حتى ابقى عايش في البحرquot;. وليس بعيداً عن مقدار الخبرة التي اكتسبها بالعمل بما وراء البحار فهو بات لديه نظرة خاصة في الجنس اللطيف، وهو يعترف بجمال البنت اللبنانية، لكنها لا تضاهي الجمال الماليزي، الاندونيسي والتشيلي على ما يقول.

بعيداً عن السياسة، تطبق مجموعات اخرى من الشباب هوايات استماع الموسيقى ذات الصوت العالي وذلك من دون تعرضهم لاي مضايقات او مطالب بأخفاض صوت مسجلهم الهادر بأغاني الدبكة اللبنانية واميرها بحسب الشباب quot; نعيم الشيخquot; الذي يمكن اعتباره المطرب الاكثر شعبية على الكورنيش البحري. يطرب quot; الشيخquot; بأغانيه الشباب الذين لا يجدون اي حرج في قطر الدبكة وهو ما يجعلهم نقطة توقف لكل مار بجانبهم، وما يحصده quot;نعيم الشيخquot; من شعبية لا يقلل من حصة سلطان الطرب quot; جورج وسوفquot; فهذا الاخير quot;ببحة quot; صوته المعروفة ضيف ثابت في الكورنيش وحتى ساعات الصباح الاولى.

وفي عين المريسة تحديداً، تتشابك صنارات الصيادين مع اجساد شباب لا يتخطى معظمهم عمر السابعة او الثامنة عشرة. يفضل هؤلاء السباحة الليلية رغم البرد هذه الأيام تحت انظار المشجعين والمشجعات، وهذا ما يعطيهم دافعاً لتكرار رمياتهم من اعلى الكورنيش الى مياه البحر من وقت لآخر جذباً للعدد الاكبر من المشجعات quot; ولهن الاولويةquot;. ولطالما يصطدم الصيادون مع السباحين الهواة حول افتراضية من له الاولوية في ممارسة هوايته، ويصل الطرفان في نهاية المطاف الى ما يشبه الاتفاقية الثابتة quot; مراعاة لمشاعر الاسماك، لا بد من الحفاظ على الهدوء النسبي تمهيداً لوقوعها ضحية احدى الصناراتquot;، وغالباً ما يطالب السباحون باقتسام الغلة ثمناً لهدوئهم.