حاكم الظل السابق يعود إلى الأضواء
جميل السيّد ... قصة العقل الإستخباراتي الأول

هيثم الخوند من بيروت: صفات كثيرة أطلقت على المدير السابق للأمن العام في لبنان جميل السيد. بالنسبة إلى معارضيه ومنتقديه، وما اكثرهم، كان رمز الحكم السوري الأول في لبنان ومنفذ سياسة دمشق افي تهميش المعارضين وسجنهم وضربهم والتنكيل بهم. اما مؤيدوه فكانوا ولا يزالون يرون فيه العقل الاستخباراتي المميز، حتى اطلق عليه احدهم لقب quot;عبقري الامنquot;. غير أن المؤكد ان لجميل السيد دورا كبيرا اضطلع به ولا يزال في الحياة السياسية اللبنانية.

البدايات...

ولد جميل السيّد في قرية النبي ايلا، قضاء زحلة، في 15 تموز/ يوليو عام 1950، قبل ان ينتقل إلى بيروت للالتحاق بالمدرسة الحربية ويتخرج منها ضابطا في الجيش اللبناني عام 1970، أي قبل خمسة اعوام من اندلاع حرب لبنان وانقسام الجيش وتزعزع دوره عام 1975. خلال السنة الثانية من الحرب رفض الملازم جميل السيد الالتحاق بجيش الملازم أول احمد الخطيب ( quot;جيش لبنان العربيquot;) فأصدر الخطيب مذكرة باعتقاله مع آخرين. غادر السيّد على الأثر إلى البقاع والتحق بالنواة الاولى لـ quot;جيش الطلائعquot; الذي حافظ على التنوع الطائفي بقيادة العميد الطيار فهيم الحاج، وأصبح قائد سرية مدرعات في اللواء الاول بقيادة العميد إبراهيم شاهين.

بقي السيد في الظل حتى بعد تعيينه في مركز المخابرات في البقاع حيث تولى بين العامين 1982 و1990 مناصب أمنية عدة توجها بترؤس فرع المخابرات العسكرية في البقاع حيث توثقت علاقته بالمسؤولين الأمنيين السوريين خلالتلك الحقبة. يقال عن اللواء السيد انه تعرض إلى محاولة اغتيال من قبل عناصر quot;حزب اللهquot; في البقاع ، وإن هذه القضية همشت واختفت من التداول بعد وقت قصير على حدوثها.

في آب/اغسطس 1991 وفي ذروة الهيمنة السورية على لبنان، عين السيّد نائباً لمدير الاستخبارات في الجيش اللبناني، ليبدأ بفرض سيطرة قل نظيرها على المؤسسة العسكرية ونسج شبكة هائلة من العلاقات مع النظام في سورية حتى أصبح في ذلك الوقت، رجل النظام الاول في لبنان وليوسع دائرة استخباراته لتطال الخصم والصديق. عام 1994 سمع اللبنانيون جميعا باسم جميل السّيد بعدما عرف عنه بانه هو من دبر اعتقال قائد quot;القوات اللبنانيةquot; آنذاك سمير جعجع وحل حزبه بتهمة التورط في تفجير كنيسة سيدة النجاة في شهر شباط/فبراير من ذلك العام حيث نقل عنه مقولته الشهيرة لجعجع: quot;إذا انت قدها قدار وقّف عإجريكquot;، بما معناه أن التهمة جهزت وحيكت بشكل مدروس ومحكم.

غير أن النجم الحقيقي للسيّد بدأ يلمع مع وصول العماد اميل لحود إلى سدة الرئاسة الاولى عام 1998 حين تم تعيين تعيين السيد مديرا عاماً للأمن العام، وهو منصب شديد الأهمية كان العرف الذي تتوزع المواقع في السلطة اللبنانية يقضي بأن يكون من حصة الطائفة المارونية وانتقل ليصبح مع السيّد من حصة الطائفة الشيعية .

وترأس السيداللجنة العسكرية اللبنانية في مفاوضات الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000 التي اشرفت عليها الامم المتحدة وأدى دور ضابط الارتباط بين الدولة وquot;حزب اللهquot; وقوة الطوارئ الدولية وشارك في مفاوضات تحرير الاسرى المعتقلين في السجون الإسرائيلية. كان عضواً شبه دائم في الوفود الرسمية اللبنانية إلى القمم العربية وفي زيارات الرئيس لحود إلى الدول العربية والاجنبية مما اثار شكوكا حقيقية لدى اللبنانيين حول quot;من هو الحاكم الحقيقي للبنانquot;.

الصراع المستتر مع الحريري...

ومن يوم تسلمه موقعه الى منصبه، باشر السيد ورشة عمل كبيرة في الأمن العام. فاعترف له خصومه قبل اصدقائه بانه جعل هذا الجهاز الافضل في الادارة اللبنانية بعدما نأى به عن التدخلات السياسية وادخل تحسينات كبيرة على نظام عمله. لكن هذا الانجاز ترافق مع شكاوى من الجانب laquo;غير التقنيraquo; في عمل الجهاز. وتحدث كثيرون من السياسيين عن تدخلات للأمن العام في الانتخابات وضغوط على سياسيين واعلاميين، حتى وصفه بعضهم بـlaquo;سي. اي. ايهraquo; لبنان.

واكتسب السيد خلال عمله الطويل في الاستخبارات ثم الأمن العام، الكثير من الاعداء والخصوم، ابرزهم الرئيس الراحل رفيق الحريري الذي رفض في التسعينيات توقيع مرسوم بترقية عدد من الضباط إلى رتبة عميد لأن السيد كان من بينهم. ونقل عنه حينها قوله laquo;لن اوقع ترقية ضابط يتنصت على مكالماتي الهاتفيةraquo;. وكانت هذه الحادثة اولى الازمات في علاقة الحريري ولحود الذي كان قائدا للجيش وتحدى قرار وزير الدفاع (المسؤول المباشر عنه) ورئيس الحكومة، فاصدر مذكرة داخلية تسمح للضباط المرفعين بتعليق رتبهم الجديدة من دون موافقة رئيس الحكومة، قبل الوصول الى صيغة laquo;حل وسطraquo; قضت بتأخير ترفيع السيد لبعض الوقت.

السيّد وقضية إغتيال الحريري

في 14 شباط /فبرابر 2005 اغتيل الرئيس رفيق الحريري في وسط بيروت، ويروى ان السيد وقف وقتها بين حلقة ضيقة من المقربين ليؤكد أن quot;حالة الحزن والغضب لن تستمر لاكثر من ثلاثة ايام وننتهيquot;. غير ان الرياح سارت بالعكس ، انطلقت التظاهرات المنددة بالجريمة والمطالبة بانسحاب الجيش السوري، وكان يوم 14 آذار/ مارس. وقد لحق باللواء السيد كم هائل من الاتهامات حول تورطه في الجريمة ما دفعه في الخامس من آب /اغسطس في ذلك العام إلى تقديم استقالته من منصبه قبل أن يوقف مع زملائه قادة الاجهزة الامنية، وهم علي الحاج مدير قوى الأمن الداخلي والعميد ريمون عازار مدير مخابرات الجيش والعميد مصطفى حمدان قائد الحرس الجمهوري سابقا، وذلك بناء على توصية من المحقق الألماني رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس. ولكن مع طول مدة إعتقال الضباط الأربعة من دون مسوغ قانوني طالبت قوى المعارضة بقيادة quot;حزب اللهquot; وحلفائه بالافراج عنهم ، الأمر الذي تحقق بقرار تخلية سبيل صدر عن المحكمة الدولية في 29 نيسان/ ابريل الماضي.

بعد الحرية

وفور خروجه من السجن، تقلد اللواء السيد راية الهجوم المركز على القضاء اللبناني مطالبا اياه بتحمل مسؤولياته في قضية اعتقاله، معتبرا أن quot;من الطبيعي تماما أن تقلب الأدوار الآنquot;، ووصف احتجازه ورفاقه بـquot;أسوأ مؤامرة في تاريخ لبنان فلم يسبق أن سُجن ضباط لأربع سنوات دون دليل أو تهمةquot;. وتبرزمؤشرات تشير إلى احتمال توزير جميل السيد في حكومة ما بعد الانتخابات في حال فوز المعارضة بالاستحقاق النيابي في 7 حزيران / يونيو المقبل.