التيار الوطني الحر هو المستفيد الوحيد من فوز المعارضة
إنتخابات لبنان .. ما بين الخيارات الصارخة والإختيارات المعقدة
quot;إيلافquot;: أعدت صحيفة النيويورك تايمز الأميركية تقريرا ً مطولا ً سلَّطت خلاله الضوء على المشهد السياسي الراهن في لبنان، بينما يتحضر الناخبُون للذهاب يوم غدٍ الأحد إلى صناديق الاقتراع من أجل الإدلاء بأصواتهم في واحدة من أقوى العمليات الانتخابية وأكثرها أهمية ودلالة. وتحت عنوان ( الانتخابات اللبنانية .. ما بين الخيارات الصارخة والاختيارات المعقدة ) تُشير الصحيفة إلى أنّ الاختبارات في تلك الانتخابات النيابية تبدو صارخة من الوهلة الأولى، ففي جانب من جوانب واحد من أكثر السباقات البرلمانية تنافسية في لبنان على مر عقود، هناك تنظيم حزب الله الشيعي وحلفاؤه، وعلى الجانب الآخر، يُوجد ائتلاف سياسي علماني مؤيد للولايات المتحدة. وفي هذا المضمون، تنقل الصحيفة عن سامي الجميل، المرشح المسيحي المعارض لحزب الله، قوله quot; إنَّه اختيارك بين الحرب والسلام. والاختيار هنا ما بين غزة وبين دولة لبنانية متقدمة ومتحضرة quot;.
ومع هذا، تؤكد الصحيفة على أنّ الوقائع السياسية لتلك الدولة الصغيرة المطلة على البحر المتوسط والتي تعيش في حالة من الانقسام المزمن ستكون أقل ضراوة وأكثر تعقيدا ً. فحزب الله ndash; الذي تنظُر إليه الولايات المتحدة على أنه تنظيم إرهابي، هو جزء بالفعل من البرلمان ومجلس الوزراء. ومن شبه المؤكد أن يفوز بنفس العدد من المقاعد في البرلمان ndash; 11 من أصل 128 ndash; كما هو الحال الآن. فيما تشير الصحيفة إلى أنّه في حالة تمكن حزب الله وحلفائه من الفوز بأغلبية للمرة الأولى، في ظل التقارب الشديدة في فرص الفوز لكل فريق، فإن حالة من القلق ستتولد لدى كل من واشنطن وتل أبيب، غير أنّ الحكومة اللبنانية لن تسقط في أيدي الإسلاميين المسلحين.
وفي محور آخر، تعرض الصحيفة للقول بأنّ انتخابات هذا العام سوف تدور حول أصوات مسيحيي لبنان، المنقسمين بين معسكرين سياسيين كبيرين. فيما تؤكد الصحيفة على أن المستفيد الحقيقي من فوز المعارضة لن يكون حزب الله، وإنما سيكون شريكه الانتخابي، التيار الوطني الحر، الذي يقوده الجنرال الماروني ميشيل عون. فكتلته البرلمانية تمثل ما يزيد عن ضعف الكتلة الخاصة بحزب الله، وتحقيقه لفوز انتخابي واضح أمر سيدفع به إلى وضعية مهيمنة. وتقول الصحيفة أيضاً أنّ منتقدي الجنرال عون يعتبرونه واحداً من الانتهازيين السياسيين وأحد الخونة الذي عمل ائتلافه مع تنظيم حزب الله في عام 2006 على التهديد بجر لبنان إلى نطاق سوريا وإيران، وتعريضها كذلك لخطر خوض حروب أكثر دماراً مع إسرائيل.
أما بالنسبة لمؤيديه، فإن الجنرال عون يعد من رجال الإصلاح الذين يمتلكون الرغبة والعزيمة على تغيير ثقافة الفساد ، والمحسوبية ، والتقسيم الطائفي المترسخة في لبنان. ويرى الأنصار أنّ التحالف مع حزب الله هو السبيل الوحيد لنزع سلاحه في نهاية المطاف، ولنسيان تاريخ التوترات المرير بين المسلمين والمسيحيين الذي كان سببا ً في وقوع الكثير من الصراعات المميتة في البلاد. ويؤكد أنصار عون أيضاً على أن سياسة الدخول في مواجهة مع حزب الله ndash; أكثر الأحزاب الشيعية جماهيرية - ستكون بمثابة الطريق المختصرة لإشعال نيران الحرب الأهلية من جديد. وتنقل الصحيفة عن زياد عبس، 38 عام، وهو أحد أعضاء المكتب السياسي للجنرال عون قوله :quot; نحن نولد في مستشفيات أميركية، ونرتدي ملابس أميركية، ونذهب للمدارس الأميركية، لكنهم لا يطلبون مننا أن نُقدم على الانتحارquot;.
ثم انتقلت الصحيفة لتركز في سياق تحليلها على أنّ الأوضاع في المنطقة خلال هذه الأثناء لم تعد كما كانت في عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش. فالآن، وفي ظل الإدارة الأميركية الجديدة التي تحاول التقارب من سوريا وإيران، بدا من الواضح أن الأغلبية المؤيدة للولايات المتحدة في لبنان لا يمكنها أن تنتظر تلقي الدعم الغربي العسكري في مسعاها لنزع سلاح حزب الله. وهي الجزئية التي أثارت النشاط في حركة الجنرال عون، حث يقول قادتها أن علاقتهم الوطيدة بحزب الله هي أفضل الأسس لمزيد من التحرك نحو السلام المدني. ولم تخفي الصحيفة أيضاً حقيقة مشاعر الاهتمام والترقب التي تهيمن على الأوساط السياسية والدبلوماسية بداخل بيروت وخارجها بشأن التداعيات المحتملة للفوز الذي قد يحققه الجنرال عون وحزب الله. وهو ما جعل كبار مسؤولي الإدارة الأميركية الحالية يعربون عن تخوفهم من فوز المعارضة بالانتخابات، وألمحوا إلى أن مستقبل المعونة الأميركية العسكرية للبنان قد يعاني في حالة حدوث ذلك.
ولن تقتصر الأمور عند هذا الحد، بل ستكون هناك تداعيات مالية أيضاً وقد تصبح أكثر أهمية دون غيرها من النتائج التي ستترتب على فوز المعارضة. فالمملكة العربية السعودية، التي تدعم الأغلبية الحكومية الحالية، قد وفرت دعماً هائلاً للبنان، من بينها 2 مليار دولار على الأقل للبنك المركزي اللبناني منذ عام 2006. وبرغم أن الأمور لن تصل لحسب الأموال بصورة تلحق أضرارا ً باقتصاد لبنان، إلا أن سعد الحريري وغيره من مسؤولي الأغلبية الحالية حذروا من أن فوز المعارضة قد يثير الذعر في نفوس المستثمرين.
وتشير الصحيفة في محور آخر إلى أنّ النائب وليد جنبلاط، زعيم الدروز، قد بدأ في توجيه انتقاداته لزملائه في الأغلبية الحالية المؤيدة للغرب. وهنا يقول بعض المحللين أنه يشتم رائحة الهزيمة الانتخابية لفريقه، وأنه يمهد الطريق لعملية تقارب سوف يجريها بعد الانتخابات مع حزب الله وحلفاؤه السوريين. وفي النهاية، تؤكد الصحيفة على أنّ تلك الانتخابات هي أفضل انتخابات أجريت في لبنان من حيث مستوى الحرية والتنافسية على مر عقود طويلة، بالإضافة لمشاركة عدد قياسي من المرشحين.
ترجمة: أشرف أبو جلالة من القاهرة
التعليقات