كريم بقرادوني: في خضم تصاعد الحملات الإنتخابية، تصورت للحظة أن الإنتخابات النيابية ستشكل مفصلاً في حياتنا السياسية، وأنها ستنقل لبنان من حال إلى حال. لكن النتائج جاءت لتكرس الواقع الذي كان قائماً قبل اجرائها: فلا المعارضة استطاعت ان تقلب المعادلة لتصبح هي الغالبية، ولا الموالاة استطاعت ان توسع رقعتها لتضم معظم مكونات الوطن، وبقي كل طرف يحمل دفتر شروط خاصاً به، ولكن لا يقدر ان يفرضه او يبيعه للطرف الآخر.

مع نهاية الانتخابت بدأ رئيس الجمهورية ميشال سليمان يتحضر للإضطلاع بالدور المنوط به دستورياً فدعا الافرقاء الى quot;التبصرquot;، في حين كان رئيس مجلس النواب نبيه بري يذكر اللبنانيين بأنهم quot;محكومون بالوحدةquot;، اي بحكومة وحدة وطنية. ثمة قائل ان الديموقراطية تفترض وجود غالبية تحكم واقلية تعارض، على ما دعا اليه البطريرك صفير. وهذا امر صحيح في معظم انحاء العالم، باستثناء لبنان حيث يفترض التوازن الوطني اشراك المعارضة في السلطة تطبيقاً لمفهوم الديموقراطية التوافقية التي تضمن حقوق الأقليات ، وتحفظ دور المسيحيين في المستقبل، لأن القبول بمنطق الغالبية والأقلية يعني التخلي عن الديمقراطية التوافقية لمصلحة الديمقراطية العددية التي لا تضمن للمسيحيين بقاءَهم طويلاً في الحكم.

وقد تمت صياغة الدستور اللبناني بمنطق الديمقراطية التوافقية من دون تسميتها. اشترطت المادة 65 من الدستور توافر ليس الاكثرية المطلقة، بل اكثرية الثلثين لاعتبار النصاب القانوني قائماً. كما عددت المادة نفسها لائحة طويلة quot;بالمواضيع الاساسيةquot; التي يفترض اقرارها اكثرية ثلثي مجلس الوزراء، ولو تفحصنا في هذه المواضيع لرأينا انها تشمل كل ما يخص عمل الدولة الاساسي من تعديل الدستور وإعلان حالة الطوارىء الى الاتفاقات الدولية والموازنة العامة انتهاء بتعيين موظفي الفئة الاولى وقانون الانتخابات وقوانين الاحوال الشخصية.

وما دام لبنان محكوم ميثاقياً ودستورياً بالتوافق ، وما دامت الإنتخابات النيابية أعادت سياسياً انتاج الستاتيكو القائم، فإن التغيير المتوقع سيتناول الأشخاص والوجوه أكثر من المعادلات والتوازنات. ومن معالم التغيير من داخل الستاتيكو اختيار سعد الحريري لرئاسة الحكومة بدلاً من فؤاد السنيورة. وقد يكون من محاسن اختيار سعد الحريري انه يعطي دفعاً جديداً ويفتح آفاقاً باتت مسدودة في وجه سلفه . وقد يكون في مقدور الحريري ان يشكل اذا شاء حكومة مصغرة من الأقطاب ، كما في مقدوره ان يشكل حكومة موسعة من ممثلي مختلف التكتلات النيابية بما يتلاءم والأوضاع الداخلية المشدودة والمتغيرات الاقليمية الآتية.

وبمعزل عن هوية رئيس الحكومة او تشكيلة الحكومة ، فمن البديهي الإنكباب على أولويتين: التوافق على التعيينات الإدارية، وتحديد سلم الإصلاحات الضرورية. ولرئيس الجمهورية في الأمرين رأي راجح. كما يفرض الإستقرار السياسي تقارباً بين القوة المسيحية الاكبر الممثلة بميشال عون والشرعية اللبنانية الممثلة بالرئيس ميشال سليمان. وفي حال استحال هذا التقارب الذي تقتضيه خصوصية الحالة المسيحية ، فإن لبنان يدخل في خضم مجموعة من العواصف الداخلية والخارجية، ويصبح ورقة في مهب الريح.
باختصار يبدو لي ان الستاتيكو هو سمة المرحلة القادمة، وان التوافق بين الافرقاء من ضمن هذا الستاتيكو هو الشرط الضروري لضمان الاستقرار الذي يحتاجه لبنان بعدما اقرّ الجميع بأن لا احد قادرا على ان يلغي احداً، وان لا فريق قادرا على ان يستأثر بالسلطة دون الآخر.

وفي انتظار انتهاء ولاية مجلس النواب الحالي في 20 حزيران/يونيو الجاري، وفي ضوء التوافق على اعادة انتخاب نبيه بري رئيساً لمجلس النواب، فإن الاستحقاق الحكومي سيكون شغل السياسيين الشاغل. ولرئيس الجمهورية في هذا المجال دور مركزي لنقل لبنان من الحالة الانتقالية التي أوجدها اتفاق الدوحة الى الحالة الوفاقية التي نظمها اتفاق الطائف. نحن بحاجة إلى روح الطائف المتمثلة بالتوافق الوطني الذي هو الممر الإلزامي لكل التسويات والصعوبات مهما صغرت ومهما كبرت.

وزير سابق ورئيس سابق لحزب الكتائب اللبنانية.