للمرة الاولى تنشر احدى المجلات الطبية الالمانية لمحة عن الطب العربي في العصور الخالية وتذكر فضله على تطور الطب والعلاجات الطبية في أوروبا في الوقت الذي كانت تتخبط فيه بالجهل والمشاكل الصحية الخطيرة.
برلين: يقول تقرير ألماني في زمن الاحتلال الاسلامي لاسبانيا كانت قرطبة مركزا علميا وطبيا حقيقيا، وكان يعيش في المدينة مليون نسمة، واقيمت فيها الى جانب العديد من المساجد مستشفيات وصيدليات لاقت ازدهارا كبيرا، فقصدها آلاف الطلاب من كل انحاء اوروبا من اجل نهل العلم والمعرفة الطبية من ينابيعها.
ويشير التقرير الى ان خلافة قرطبة ( 755-1031) قد مكنت الحضارة العربية بلوغ القمة حيث برزت وجوه علماء كبار مثل ابي الوليد محمد بن رشد وموسى ابن ميمون وابن جور وهو من أسرة أطباء بارعين، فكان أكبر جراح عربي.
ومن غرناطة جاء ابن الخطيب الذي استنبط نظرياته الشهيرة عن الامراض السارية والمعدية، في الوقت الذي اجتاح فيه الوباء الاسود( الطاعون) اوروبا، فوصف العدوى بانها ظاهرة واضحة لعيني الطبيب الذي يعكف على مراقبة انتقال المرض بالتماس بين المريض والسليم.
والواقع ان الدور الذي لعبته الاندلس كان الاشعاع الفكري والعلمي، وبالاخص علم الطب العربي في اوروبا. فلقد عمل الاسكتلندي ميخائيل سكوت وغيره في طليطلة، وجاء غيرهم الى قرطاجة للدراسة في المراكز الطبية في اسبانيا التي كانت تحت سيطرة المسلمين. وترجم الكثير منهم المؤلفات الطبية العربية الضخمة فاتحين بذلك آفاقا واسعة امام المعارف الطبية التي نمت في اوروبا وازدهرت بعد ذلك.
ومن علماء النبات والصيدلة لم يكن هناك افضل من عبدلله ابن احمد بن البيطور الذي ولد مالاقا وقام برحلة عبر أفريقيا بحثا عن الأعشاب والنباتات الطبية، ومن مصر عبر الى سوريا وحتى حدود الهند. ولقد جمع معلوماته كلها في احد مؤلفاته المسمى quot; الجامع في الادوية المفردةquot; فاكمل هذا المؤلف ما كتب في هذا الموضوع طوال القرون الوسطى، حيث انه قدم فيه حوالي 1400 موضوع من بين هذه المواضيع 300 جديد على الطب، كلها كانت نتيجة أبحاثه الخاصة وتصنيفه الشخصي.
والطب العربي لم يكن فقط تطويرا لعلم الطب عند الاغريق والرومان، بل انه جمع الى ذلك تجارب الفرس والهنود، وهكذا قدر لهذا علم ان يكون اكمل ما عرفته تلك العصور من علوم.
وكان اول فريق من هؤلاء العلماء ابن عباس والرازي وابن سينا، وقد ساعدهم في مهمتهم العلمية تقدم الكيمياء، حيث اتيح إجراء عدد كبير من التجارب الكيمائية، كما سهل لهم كل ذلك اختراع عدد من العقاقير المبنية على مبادئ كيمائية صحيحة ودقيقة.
و تطورت النظرية الطبية ما سمح بتحويل المدارس الملحقة بالجوامع الى جامعات أسبانية او مراكز علمية سرعان ما ذاع صيتها عبر جبال البيرنيه الى اوروبا. وظل العالم كلود غاليان الذي ولد سنة 131 قبل الميلاد، خلال قرون عديدة المرجع الوحيد لعمل التشريح، غيران عالما طبيعيا وطبيبا من العراق يدعى عبد اللطيف استطاع ان يقوم بفحص عدد من الهياكل العظمية قبل الدفن أثناء زيارته الى مصر فلاحظ ان الأوصاف التي جاء بها غاليان لبعض الأعضاء التشريحية خاطئة. مثال ذلك ان كل فك من الفكين يتألف من قطعتين الا ان الطبيب العراقي اثبت عكس ذلك وكان صحيحا وتعتمد دراسة الطب حاليا في كل انحاء العالم على نظريته. كما انه اجرى تصحيحات كثيرة من هذا القبيل على نظريات غاليان. واغني علي عباس المجوسي علم التشريح الاغريقي بنظريات جديدة في كتابه quot; الكتاب الملكيquot; الذي ضم فصلا اضافيا عن علم التشريح حتى اصبح الكتاب المعتمد في مدرسة ساليرن وظل كذلك حتى القرن الثاني عشر.
وكان تحليل البول عنصرا تشخيصيا هاما في الطب العربي انتهجه الأطباء في أوروبا، اذ ان العرب اهتموا اهتماما كثيرا بكمية البول وببعض اوصافه الفيزيائية، كما ضم علم الطب العربي بعض مبادئ الأمراض التناسلية فوصف البوكاز وابن سينا وعلى عباس الاضطرابات الجنسية وصفا دقيقا وربطوا بعضها بالشذوذ. وخلاصة القول ان الطب العربي قد جمع وصنف وطور علوم الطب الاغريقية والرومانية والبنزطية والفارسية والهندية، وأضاف عليها كثيرا من اكتشافاته كما يبدو ذلك جلي في مصنفات الرازي وابن سينا وابن رشد واخرين لم يعرفوا كثيرا، لكنهم قدموا للعلم خدمات ضخمة خلال فترة ازدهار العلوم العربية والطب العملي فاغنوا العلم والحضارة الانسانية.
التعليقات