لم يُغضِب أحمد حسن (40 سنة) إصابته بالسرطان منذ ثلاث سنوات قدر الاكتشاف المتأخر له، فبحسب الأطباء فان التأخير جعل المرض ينتشر في جسمه، لتزداد صعوبة علاجه أضعافا. وما زال الاكتشاف المتأخر للمرض الخبيث في العراق يمثل مشكلة رئيسية تسبب فقدان الكثير من المصابين لفرص علاجهم في الوقت المناسب في وقت أحوج ما يكونون فيه الى هذه التقنيات بعدما ازدادت نسب الاصابة بالسرطانات المختلفة لأسباب شتى، ابرزها المخلفات الحربية والمواد الكيماوية التي شهدها العراق منذ ثمانينيات القرن الماضي.


بغداد: نجحت آمال الموسوي (50 سنة) من النجاة من المرض الخبيث في صدرها بعدما زارت الهند لحظة نمو الخلايا السرطانية لتتمكن من الشفاء بسبب الاكتشاف المبكر للمرض. وتضرب لعنة quot;المرض الخبيثquot; العراقيين الذين يلقون باللوم على الدولة لعدم توفيرها أدوات الكشف المبكر وكذلك التقنيات العلاجية التي تجعلهم يتطببون في بلدهم بدلاً من السفر الى الدول المجاورة والإقليمية مثل تركيا والأردن وإيران والهند.

وإذا كانت صحيفة (الغارديان) البريطانية، قالت في أيار (مايو) الماضي، ان معدل الإصابة بمرض السرطان في البصرة ( 545 كم جنوب بغداد) وصل الى نحو 48 بالمئة، أي ما يعادل نصف سكان المدينة البالغ عددهم نحو ثلاثة ملايين شخص، فان ذلك يوضح كم هي الحاجة الكبيرة الى مراكز العلاج المتخصصة. وعلى رغم هول الكارثة، فان الطبيب استبرق حسين يوضح ان البلاد تفتقر الى آليات تسجيل متكاملة للإصابات في أنحاء البلاد. ويصعب في هذا الوقت بحسب حسين تكوين إحصائية وطنية ورسم خط بياني بالظاهرة، مؤكدا ان ما تنشره وسائل الاعلام حتى الأجنبية منها لا يمكن اعتماده مصدرا موثوقا أو بديلا لإحصائية وطنية صادرة من وزارة الصحة.

ولهذا السبب يجزم حسين على ان هناك مبالغة في حجم الاصابات التي تخمنها بعض الجهات الصحية وتنشرها وسائل الاعلام. وبحسب حبيب الطرفي، عضو لجنة الصحة البرلمانية فان العراق لغاية الآن لم يتجاوز الحد الطبيعي لمعدلات الاصابة بالأمراض السرطانية المختلفة. وبسبب نقص القدرات العراقية في توفير علاجات السرطان المناسبة يسافرون العراقيون بالمئات الى دول الجوار لاسيما ايران وتركيا والهند لهذا الغرض.

وأرسلت وزارة الصحة هذا الاسبوع 400 مصاب بالأورام السرطانية من اصل اكثر من 2500 مريض ارسلوا للعلاج خارج البلاد منذ بداية العام 2003. وينتقد الباحث عبد الجليل حسن صاحب البحوث في مجال السرطان اللامبالاة التي لاقاها سعيه في خدمة ابناء بلده وهوالمتخصص في مجال علاجات السرطان وسبق ان تبرع بأجهزة متطورة في هذا الحقل منذ عام 2007، لكن الروتين والإجراءات الادارية المعقدة ونقص الخبرة حال دون استخدامها لتظل مركونة في المخازن.

لكن هناك بصيص أمل في بعض المحاولات الفردية او الجهوية في المشاركة في توفير العلاجات ومنذ ذلك ما تحدث به المعلم سمير الجشعمي، بعدما قررت وزارة التربية تأمين استمرار علاجه المصابين بالمرض.
ويسافر الجشعمي بين الحين والآخر الى الهند للعلاج في شكل جلسات دورية بين الحين والآخر. وكانت نقابة المعلمين العراقيين قررت تخصيص مبلغ 150 مليون دينار على شكل إعانات مالية الى مرضى السرطان والأمراض المستعصية التي يعاني منها معلمين ومدرسين وأساتذة جامعات في بغداد والمحافظات. وفي حديث مع عضو مجلس مرض السرطان في العراق الدكتور عمران سكر حبيب فان عدد الإصابات بالسرطان في جنوب العراق خلال الفترة من 2005 إلى 2011 بلغت حوالي 17 ألف حالة، وهذه هي الاصابات المسجلة فقط.

وبسبب نقص الوعي فان هناك الكثير من الحالات غير المسجّلة مما يجعل أي احصائية مهما كانت دقيقة، تتوفر فيها نسبة خطأ كبيرة. ويرجع الطبيب كاظم شاكر اسباب الاصابات السرطانية في العراق الى مخلفات الحروب لاسيما اليورانيوم المنضب و التدخين والمواد الكيماوية اضافة الى التلوث بالمواد الغذائية وعوامل وراثية ايضا. ويرى الدكتور احمد الحياني ان تأسيس المركز العراقي لبحوث السرطان والوراثة الطبية في حي القادسية في بغداد عند مستشفى اليرموك التعليمي منذ العام 1995، أسهم في بحوث قيمة حول السرطان في العراق، لكن هذا لا يكفي لان المواطن اليوم بحاجة الى تقنيات علاجية سريعة تغنيه عن السفر الى خارج العراق.

جدير ذكره ان المركز يتوفر على مختبرات لزراعة الأنسجة الطبيعية والسرطانية واستفاد الكثير من الباحثين والأطباء منه في رفدهم بالمعلومات اللازمة. وبحسب الدكتورة نداء جواد فان الاكتشاف المبكر للمرض يبقى العامل الحاسم في الشفاء، حيث ان الاكتشاف المتأخر للمرض يجعل من استجابة الجسم المصاب للعلاج واطئة جدا مما يتسبب هدرا كبيرا للوقت والأموال من دون نتيجة مؤكدة. ويمثل سرطان الثدي سببا رئيسيا لوفيات السرطان وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، ويتم تشخيص أكثر من 1.2 مليون إصابة بسرطان الثدي في جميع أنحاء العالم كل سنة، وفي العراق فان الاصابات بسرطان الثدي بين العراقيات بلغ 2726 إصابة وفق معلومات نشرها مجلس السرطان العراقي العام الماضي. وتقترح نداء تأسيس محطات انذار ورصد للسرطانات في كل مدن العراق وإجبار المواطنين على الفحص الطبي الدوري والعمل على نشر الوعي الصحي الذي يتيح إنجاح أي خطية وقائية أو علاجية يتم الشروع بها.