رغم المحاولات لطمس الحرف العربي في تركيا، يشعر زائر إسطنبول بأن تركيا لم تتمكن من الخروج من سحر الحرف العربي بعد. ولعلها ستعود إلى استخدام ذلك الحرف الجميل لكتابة اللغة التركية في وقت ما.


تنكرت تركيا لتاريخها وحضارتها المكتوبة بعد إلغاء الحرف العربي وإحلال الحرف اللاتيني مكانه عام 1929. كما تم حذف صوت الخاء من النظام الصوتي الجديد للغة التركية رغبة عن الخلافة والخليفة وجميع مشتقاتها. وتم إشباعها بكلمات غربية ثقيلة ومكسورة بدلا من الكلمات العربية والفارسية السلسة. ولعل هذه أول محاولة متعمدة لإلغاء صوت من أي لغة. وبالتالي أصبح (خان) هان وخالد هالد وخانم هانم وخليفة هليفة... وألغيت الفروق بين الحروف العربية حتى لم يعد فرقا بين العين والألف والحاء والهاء... و... و.... ويلخص أحد الإخوة الأتراك ذلك الوضع في جملة واحدة قائلا: quot; في ليلة واحدة من عام 1929 أصبح الشعب التركي أُميا كلياquot;. وبعد ذلك أصبح الأذان والقرآن أيضا بالتركية لمدة 30 عاما. وكل ذلك أدى إلى محو كل ما له علاقة باللغة العربية. وبيعت المكتبات بثمن بخس. وهكذا تم إخلاء الساحة للغة التركية المشوهة.

هناك تباشير تشير إلىعودة الحرف العربي الى ثقافة الشارع التركي تراها من خلالبعض شركات الموضة في إسطنبول بالحرف العربي. كما أفاد البعض بأن تغيرات هامة بدأت تطرأ على نمط الكتابة التركية واستهلت محاولات لكتابة بعض الأسماء وفق الصوت العربي ولو كان بالحرف اللاتيني. وأول ما جذب انتباهي من هذه الناحية، هي شهود القبور حول جامع أبي أيوب الأنصاري في منطقة (سلطان أيوب)، إذ أن هناك مقابر واسعة حول ذلك الجامع. وشهودها كلها باللغة التركية لكن بالحرف العربي وبخط الثلث أو النستعليق اللطيف. ومعظم تلك المقابر يعود إلى العهد العثماني. كما أن تلك الشهود ليست لوحات فقط، بل الكثير منها على شكل أسطوانات تعلوها طرابيش أو عمائم؛ إلا أن شهود مقابر النساء تختلف عن مقابر الرجال. ولو جمعت تلك الشهود في مكان واحد لأصبح متحفا لروائع الخط العربي، بل يمكن القول أن تلك المقابر بنفسها متاحف يمكن زيارتها حول الجوامع الكبرى القديمة في إسطنبول؛ لكن الغريب في هذا الأمر هو أن معظم أحفاد أصحاب تلك القبور لا يستطيعون قراءة تلك الشهود. وبناء عليه تم وضع لوحات بالحرف اللاتيني أيضا على بعض الأضرحة.

وبعد هذا الحديث الطويل عن الخط العربي الجميل في المقابر والأضرحة، حدث عن الخط العربي في المساجد ولا حرج. ومن المعروف أن طراز المساجد في تركيا واحد. فالمسجد صغيرا كان أو كبيرا فهو وفق خريطة (معمار سنان) أشهر المهندسين في العهد العثماني وضريحه خارج مسجد السليمانية في منطقة فاتح بإسطنبول. وهذا الطراز معروف بقبابه ومآذنه الشاهقة. كما أن نقش الآيات القرآنية وحفرها في الحجر فوق البوابات والمحاريب أمر مطرد في كل مكان، في حين يتم تزيين القباب من الداخل بالآيات والأحاديث المنقوشة بخط الثلث. وفي بداية الأمر كنت أرى أن ذلك أيضا أثر من آثار الدولة العثمانية؛ لكن فوجئت بكتابات رائعة في بعض المساجد التي تم إنشاؤها بعد التسعينيات من القرن المنصرم أيضا أو التي تم بناؤها قبل بضع سنوات. كما أفاد مصدر بأن الخط العربي جزء من المناهج الدراسية وهناك أقسام خاصة في بعض الجامعات لتعليم الخط العربي.

وبعد ما يشاهد أحد تلك اللوحات الفنية الجميلة الرائعة في الجوامع يكاد ينبهر أمام ازدهار الخط العربي في تركيا رغم العراقيل الكثيرة التي وضعت في طريق اللغة العربية ويكاد يصدق هذا القول بأن quot; القرآن نزل في الحجاز وقرئ في مصر وكتب في تركياquot; كما يقول بعض الأتراك.

الحلقة الأولى
http://www.elaph.com/Web/LifeStyle/2013/7/823856.html?entry=travel