يعمل 68% من الألمان على الهاتف الذكي وهم في السرير، ثم يتركونه بجانب الوسادة وينامون. لكن عليهم أن يحذروا الآن، لأن ضوء الهاتف الذكي الأزرق يسلب صاحبه النوم.


تقدر منظمة الصحة العالمية أن 20 إلى30% من سكان العالم الصناعي يعانون من اضطراب النوم بأشكال ودرجات مختلفة، وتنعكس هذه الحالة على 15% منهم بشكل إرهاق ظاهر أثناء العمل في النهار. وإذ يحتفظ كل سكان الدول الصناعية تقريبًا بهاتف ذكي أو اثنين، لا يفارقانهم في العمل والسينما والفراش، فمن المتوقع أن تتفاقم حالة اضطراب النوم بفعل الضوء الأزرق المنبعث من هذه الأجهزة.

طول الأزرق

تشي دراسة حديثة من جامعة بازل السويسرية بأن أطوال أشعة اللون الأزرق تنعكس سلبًا على ساعة الدماغ البيولوجية في المساء، وتتسبب بالأرق في معظم الحالات. قد ينطلق هذا الضوء من حهاز الكومبيوتر المحمول أو الهاتف الجوال أو العاتف الذكي...إلخ، لكن النتيجة واحدة وهي عدّ الخرفان لعدة ساعات في محاولة لطرد الأرق من العينين.
ويصبح تأثير الضوء الأزرق على الدماغ أسوأ وأطول حين يستخدم في القراءة والبحث على صفحات الانترنت من دون نور الغرفة الاعتيادي. وهذا يعني أن اللون الأزرق، الذي يعامل على اعتباره لون السلام والطمأنينية والراحة في الطب، يتحول بفعل طول موجاته إلى طارد للنعاس من العيون.

كتأثير القهوة

يشبه الباحث كريستيان كايوخن، من جامعة بازل الطبية السويسرية، تأثير الضوء الأزرق على الدماغ بتأثير الكافايين الموجود في القهوة. فلون الضوء الأزرق الصادر عن الصمامات الضوئية الثنائية، المستخدمة في الأجهزة الإلكترونية، يؤثر في الساعة الداخلية للإنسان، لأنه يؤثر في هرمون ميلاتونين الذي يزداد فرزه في الظلام، ويقل في النهار. وهكذا، يتحول ضوء الهاتف الذكي إلى حمام أزرق بارد يصحينا من النوم، بحسب كايوخن.

أجرى كايوخن تجاربه على 13 شاب من الجنسين، ومن المتمتعين بصحة جيدة، من أعمار تراوح بين 15 و17 سنة. وجعل الباحث المتطوعين، في مختبر النوم، يعملون مساء على أجهزة صغيرة تستخدم الضوء الأزرق.

استخدم بعض الشباب نظارات خاصة مزودة بمرشح للون الأزرق، بينما استخدم الآخرون نظارات فيها زجاج عادي. وبعد ساعات على الأجهزة مساء، قاس الطبيب نسبة ملاتونين في دمائهم، فكانت نسبة هذه الهرمون لدى مستخدمي النظارات المفلترة اربعة أمثال نسبته بين مستخدمي النظارات العادية.

يراه الضرير


فضلًا عن ذلك، ذكرت مجموعة النظارات المفلترة انهم عانوا من اضطراب النوم ومن تعب وضعف تركيز في الصباح الذي أعقب التجربة. وذكر كايوخن أن اللون الأزرق بطول 480 ميكروميتر معروف بتأثيره على الساعة البيولوجية للإنسان. فمستقبلات الضوء في شبكية العين حساسة جدًا للون الأزرق، ما يدفع بهذه المستقبلات إلى زيادة فرز هرمون ميلانوبسين من الدماغ، وهو ما يقلل فرز ميلاتونين.
القضية سهلة بالنسبة إلى الباحث السويسري، لأن تجاربه مع المكفوفين تكشف أن 80% منهم يحسون بوجود موجات الضوء الأزرق من هذا الطول عند تسليطه على عيونهم، في حين انهم لا يكشفون عن أي رد فعل عند تعريضهم للنور الطبيعي أو للضوء الأزرق من أطوال مغايرة.

زيادة اضطراب النوم

يثبت تأثر النوم بضوء الأجهزة الأزرق ارتفاع نسبة اضطراب النوم بين الشباب، لأن هذه الحالة معروفة عند الإنسان بعد الأربعين قبل 20 عامًا. لكن المعادلة انقلبت اليوم، وصارت نسبة المعانين من اضطراب النوم بين الشباب 12%، تزيد بنسبة 33% عنها بين المسنين من عمر يزيد عن 63 سنة.

ينطلق الضوء الأزرق أيضًا من بعض شاشات التلفزيونات، لكن بعض الناس لا ينامون إلا قبالة التلفزيون مساء، فما هو الفرق؟ يرى كايوخن وجود عاملين، الأول هو اختلاف طول موجات الأزرق، والثاني هو البعد النسبي للتلفزيون عن العيون. فأغلب الناس يعملون عن بعد سنتمترات من شاشة الهاتف الذكي الصغيرة في الفراش بعد أن يطفئوا نور الغرفة.

والمشكلة تتفاقم مع تلاميذ وطلاب المدارس والمعاهد، لأن عليهم الاستيقاظ صباحًا بعد نوم مريح. لكن أي شاب يرغب بالذهاب إلى الفراش اليوم مبكرًا من دون جهازه؟ وأي طفل اليوم لا يطفيء النور في الغرفة لخداع والديه، ويلجأ للقراءة والبحث في الانترنت تحت اللحاف في ضوء الجهاز؟ هذا يعني، كما تثبت العديد من الدراسات، أن كفاءاتهم وقابلياتهم على التعلم والحفظ قد تتأثر أيضًا.

دراسات أخرى

توصلت الباحثة ماريانا فيغيرو، من معهد الأبحاث الضوئية في نيويورك، إلى نتائج مماثلة وهي تبحث عن علاقة الضوء الأزرق المنطلق عن الأجهزة باضطراب النوم. واستخدمت فيغورو 13 شابًا في مختبرها كان عليهم العمل فترة ساعتين بشكل مكثف أمام شاشات تطلق الضوء الأزرق، ووجدت أن تركيز هرمون ميلاتونين انخفض في أجسادهم بنسبة 23%.
وفي مختبرات النوم في عيادة شاريتيه برلين، أستفسر الباحث انغو فيتزه من الشباب عن عاداتهم قبل النوم، وما إذا كانوا يقرأون كتابًا أو ما شابه أو يستخدمون الهاتف الذكي في الفراش.
كانت الردود واضحة: مستخدمو الأجهزة في الفراش يعانون من اضطراب النوم أكثر ومن حالة ارهاق صباحي أكبر.
وتوصل أستطلاع للرأي أجرته جامعة بروكسل بين 1600 شاب من عمر 13-17 سنة إلى النتائج نفسها، إذ كان مستخدمو الأجهزة في الفراش يعانون من اضطراب النوم والارهاق أكثر من غيرهم بـ5 مرات.

على الفئران أيضًا

لا تستخدم الفئران الهاتف الذكي في اسرتها، لكن تعريضها مساء للضوء الأزرق في المختبر أصابها بالاكتئاب. وتوصل إلى هذه النتائج باحثون من جامعة أوهايو الأميركية بعد تعريض أربع مجموعات من الفئران إلى أضاءات من ألوان مختلفة.

وسبب اختيار العلماء للفئران دون غيرها هو انها كائنات تنشط في الليل وتنام في النهار. وقسم فريق العمل الفئران إلى أربع مجموعات، أبقوا المجموعة الأولى في مكان مظلم خلال الليل، وعرَّضوا المجموعة الثانية لضوء أزرق، والمجموعة الثالثة لضوء أبيض، والرابعة لضوء أحمر.
اتضح بعد أربعة أسابيع أن المجموعة التي تعرضت للضوء الأزرق كانت تعاني من أكتئاب ظاهر، قياسًا بالمجموعة التي عاشت في الظلام. وكانت هذه الفئران تتناول طعامًا أكثر وصارت أكثر سمنة من غيرها بتأثير الاكتئاب.

أبعدوها عنكم

كانت متلقيات الضوء في شبكيات عيون الفئران هي المسؤولة عن فرز هرمون ميلاتونين في أجسادها، لأنها تقوم بتتبع الضوء وترسل إشارات إلى مركز التحكم في الساعة البيولوجية بالجسم والمسؤولة عن دورة النوم والاستيقاظ.

تعليقًا على هذه الدراسات، ذكر البروفيسور ديتر كونتس من عيادة هيدويج النفسية ببرلين أن اضطراب النوم مثل الاكتئاب من الأمراض التي تؤثر في حياة الإنسان الاجتماعية والعملية، وهذا يتطلب التعامل معها بكل جدية. وطالب باختصار بابعاد الأجهزة عن السرير قدر الامكان بعد التاسعة مساء، ومواصلة هذا الإجراء إلى أن تتوصل التقنيات الحديثة إلى إضاءة غير ضارة بالساعة البيولوجية للإنسان.