تُسمى الشركات التكنولوجية العملاقة مثل غوغل ومايكروسوفت وفايسبوك في المانيا "وحوش الانترنت الكبيرة" التي أصبحت تتحكم بحياتنا عن طريق الشبكة. وتوظَّف الاسطورة في تراث شمال أوروبا لتشبيه هذه الشركات بالاخطبوط الهائل الذي كان يُغرق السفن ويقتل البحارة.


أخطبوط&اليوم الاسطوري لا يلاحق البحارة بل تمتد أذرعه في أنحاء العالم جامعاً المعلومات عن حياتنا الخاصة على نطاق أثار قلقاً واسعاً في أوروبا بصفة خاصة منذ تسريبات ادورد سنودن عن البرامج التجسسية التي تمارسها وكالة الأمن القومي الأميركية.

ومن مظاهر القلق الأوروبي قرار مفوض الاتحاد الاوروبي لشؤون المنافسة يواكين ألمونيا إعادة فتح التحقيق الذي بدأه منذ خمس سنوات في تصنيف غوغل لنتائج البحث بالترتيب الذي يخدم مصالحها. وستواصل ملاحقة غوغل وزيرة المالية الدنماركية مارغريت فيستاغر عندما تخلف ألمونيا في المفوضية الاوروبية لشؤون المنافسة. ودعا زميلها مفوض الاقتصاد الرقمي الجديد غونتر اوتنغر الى الحد من سطوة غوغل السوقية مؤكدا انه سيعمل على التأكد من التزام محرك البحث العملاق بالحيادية والموضوعية.

وفي فرنسا قاد الحملة ضد غوغل ارنو مونتبورغ وزير الاقتصاد الفرنسي حتى التعديل الوزاري الذي اجراه الرئيس فرانسوا اولاند في آب(أغسطس) الماضي. إذ أعلن مونتبورغ "نحن لا نريد ان نصبح مستعمرة رقمية لشركات الانترنت العالمية العملاقة. فان سيادتنا نفسها مهددة".

نبحث على غوغل فتبحث عنا

وترى دول أخرى في أوروبا ان غوغل أداة بيد الاستعمار الأميركي. وفي هذا الشأن نقلت صحيفة الغارديان عن وزير الاقتصاد الالماني زيغمار غابريل قوله "نحن كلما نبحث عن شيء على غوغل تبحث غوغل عنا وتجمع معلومات عن أنفسنا لا يمكن بيعها لشركات الاعلان التي تستهدف زبائن بعينهم فحسب بل تكون من حيث الأساس متاحة لمصرفنا وشركة تأميننا الصحي وشركة تأميننا على السيارة وشركة تأميننا على الحياة أو إذا دعت الحاجة تكون متاحة لجهاز المخابرات ايضا". ويرى وزير الاقتصاد الفرنسي السابق مونتبورغ ان شركات مثل فايسبوك وامزون تبني قواعد بيانية يمكن ان تُستغل للربح دون أي ضرائب أو يستخدمها خبراء استخباراتيون في واشنطن.

وقال ايان مود الخبير المختص بالاعلام الجديد في شركة ايندرز اناليسيس لأبحاث الانترنت ان رسالة الاتحاد الاوروبي لا تقبل اللبس في إعلانها بأن "غوغل هي مايكروسوفت الجديدة وانها ذئب شرس كبير بقدر تعلق الأمر بأجهزة الرقابة الاوروبية".

وكان مود يشير الى تحقيقات الاتحاد الاوروبي في أنشطة مايكروسوفت خلال الفترة الممتدة من 1993 الى 2013 وفرض المفوضية الأوروبية غرامات على شركة البرمجيات العملاقة بلغت أكثر من ملياري يورو. وكانت مايكروسوفت لا تنتدب مدراءها لمحاولة التفاهم مع المفوضية الأوروبية وتهدئتها بل كانت ترسل جيوشاً من المحامين لمحاربة كل إجراء تتخذه المفوضية.
سهام المفوضية الأوروبية نحو غوغل

اليوم انقلبت الأدوار وأخذت المفوضية الاوروبية توجه سهامها نحو غوغل بعد ان أصبحت تهمين على كومبيوتراتنا الشخصية والمحمولة واللوحية وهواتفنا الذكية على غرار هيمنة مايكروسوفت قبل عشرة اعوام. فان موقع غوغل موقع لا يُبارى ولا تنازعه فيه شركة أخرى حين يتعلق الأمر بعمليات البحث. وتبين الاحصاءات الرسمية للاتحاد الأوروبي ان 90 في المئة من عمليات البحث تمر عبر غوغل في أوروبا.
&
ومن المدَّعين على سطوة غوغل لدى الاتحاد الاوروبي شركة مايكروسوفت نفسها التي تتلهف على استخدام السلطات الرقابية للمفوضية الاوروبية ضد منافستها.

وأرسلت غوغل رئيس مجلس ادارتها اريك شمدت في مهمة دبلوماسية الى بروكسل للتوصل الى تسوية. ويدور النزاع حول طريقة غوغل في تقديم نتائج البحث على محركها. فهي بدلا من الاستجابة لما يبحث عنه المستخدم بعرض سلسلة من الروابط التي تساعده على إيجاد ما يبحث عنه بدأت ترد على اسئلته بنفسها. فمن يسأل عن الأكلات الفرنسية في مدينته تقدم له غوغل خريطة تنتشر عليها دبابيس تعيِّن موقع كل مطعم مع قائمة بالمطاعم وعناوينها ودرجة تصنيفها بعدد النجوم.

وتقول الشركات المنافسة ان هذا يبعد المستخدم عن المواقع المتخصصة بالمواضيع التي تهمه. وبعث شمدت برسالة الى فايننشيال تايمز قال فيها ان غوغل تهدف الى عرض "نتائج تجيب عن استفسارات المستخدم مباشرة ولم يعترض جهاز رقابي على إعطاء المستخدمين اجابات مباشرة عن اسئلتهم لسبب بسيط هو ان هذا أفضل للمستخدمين".

ولكن هذا لم يقنع الاوروبيين بل ان المفوضية الاوروبية الى جانب التحقيق في تصنيف نتائج البحث بالطريقة التي تخدم مصالح غوغل تعتزم فتح تحقيق آخر في منصة اندرويد للهواتف الخلوية واشتراط غوغل على شركات تصنيع هذه الهواتف ان تضيف اليها مسبقا متصفح كروم وخدمات أخرى من غوغل.