أسنانهم بيضاء ناصعة ويقرأون الصحف من دون نظارات ولا يحتاجون لسماعات وأغلبهم تخطى المائة عام من العمر ويتمتعون بصحة جيدة ، انه ليس مشهدا في فيلم بل سكان قرية فيلكابمبا الواقعة جنوب الاكوادور .

والوصول الى فيلكابميا ليس سهلا، لانها تقع في وادي عميق بين قمم جبال الانديز وعند مدخل القرية يافطة كبيرة تحمل اسمها مكتوب باللون الأحمر، وغالبا ما يرى الزائر احد سكانها يجر بقرته الى المرعى، وهذا ما يفعله يوميا خوسيه البالغ من العمر 103 سنوات، فهو ينظر الى الغريب بابتسامة لطيفة وقد يدعوه لزيارته في بيته البسيط ليروي له تاريخ هذه القرية.

خوسيه لا يخفي قلقه من المرض، كما يتباهى بعمره بارزا هويته أمام كل زائر. وعندما السؤال عن سر المعمرين في قريته يقول انه العيش البسيط، " نحن نملك الخبرة الكافية لكي نعيش بصحة جيدة، أما الغرباء فيملكون المال لكن حياتهم قصيرة".
والطريق الوحيدة المؤدية الى الساحة حيث كنيسة القرية اسمها" طريق الشباب الابدي"، هناك تجلس النساء المعمرات، إما منشغلات بأعمال التطريز او قراءة كتاب يتجاوز عمره الخمسين عاما او يتسامرن، ويعترف بعض السكان بانهم يتفادون المرور بالقرب من المستشفى الصغير الذي يعودالفضل في تواجده الى طبيب ياباني والمقبرة، فهذا يذكرهم بالموت والمرض. 

وعلى راس المعمرين في هذا القرية جاراميوا ( 100 سنة ) صديق ميغيل كاربيو الاسطوري( 110سنوات )، جاراميو يعيش لوحده في سقيفة تطل على شارع اغوا دي هيرو" اي شارع مياه الحديد وهو دائم الابتسامة عند التحدث مع الغريب مبيّنا أسنانه البيضاء. ويبرر طول عمر سكان القرية بالقول" مياهنا صحية جدا وكوب في الصباح والمساء يبقى المرء بصحة جيدة وبانتعاش دائم". 

ثم يضيف" أعمل كي أتمكن من العيش"، بعدها يسحب قبة سترته وفيها الكثير من الثقوب لتصل الى أذنيه ويسير باتجاه الساحة للالتقاء بالأصدقاء فهذا أجمل ما يفعل كل يوم. في بعض الأحيان يتناول وجبة طعام اذا ما توفر لديه دولار او اثنين او يدعوه أحد زوار القرية لتناول وجبة لدى مطعم روزيتا في الساحة.

لا نريد الحضارة
وكانت مجلة ريدرز دايجاست قد كتبت عن القرية واصفة إياها بانها خالية من مرضى القلب والسرطان وضعف العظام وخالية من الأوبئة التي حملتها الحضارة الى الانسان لذا يمكن وصفها بانها جزيرة المناعة"، لكن السيدة فيرا( 99 سنة) تقول " سرنا في مياه النهرين يامبورارا وشامبا ، فهي تحتوي على المعادن المهمة للصحة وإطالة العمر. في الماضي لم يكن في القرية سوى الحمير وسيلة للتنقل لكن اليوم بدأت تظهر بعض السيارات وهذا ينذر بعواقب سيئة، نحن لا نريد هذه الحضارات".

غذاء صحي خالي من المواد الكيميائية
وفي براري وحقول فيلكامامبا التي تعلو 1500 متر تنبت الأوركيديا وتزرع القهوة حيث الحرارة فيها ما بين الـ 18 و24 درجة مئوية، فالنهار دافئ والليل منعش، وفي ستينات القرن الماضي اسس عالم النباتات الأميركي جوني لفيفينسدوم معهد بحوث النباتات الدولي، فتحولت القرية الى جنة تنبت فيها فاكهة وخضروات مختلفة مثل الموز وقصب السكر والفاصوليا والمانجو والقمح، ومن هذه المحاصيل يتغذى السكان الذين لا يستعملون اي مبيدات او مواد حافظة الى جانب تناول القليل من اللحوم.

أي انهم يأكلون ما يزرعون حسب قول الدكتور خوسيه مانويل كاستيلو الذي يزور القرية ثلاث مرات اسبوعيا ويضيف بانه من النادر ما يشهد خلافا او شجارا بين السكان، فهم يعيشون من دون توتر، ويمارس الكثيرون الرياضة الروحية ومراقبة النجوم والاجرام وحركة القمر من شبابيك بيوتهم او الشرفات، حتى ان بعضهم يشكك بهبوط الأميركين على القمر. ويضيف اوغستين خاراميلو: "لا أفهم لماذا يريد الانسان الهبوط على القمر". ويؤكد بان قريته خالية من الكولا كولا والهواتف النقالة والانترنت والفراريج.

العمل مقابل دولار يوميا
وتجلس لوسيا فيكتوريا غويريرو من مواليد 1906 أمام باب منزلها واضعة قبعة من القش على رأسها تتأمل في الشمس، لكنها لا تستطيع الحركة كما قبل عامين، فخلال النزهة الصباحية زلة قدمها وكسرتها وتستعين حاليا بالعصا، وحسب قولها كانت تمشي يوميا حوالي 10 كلم وبعد هذه الحادثة اللعينة عليها الاكتفاء بالمشي حتى ساحة القرية. وعملت لوسيا سنوات طويلة لدى صاحب الأرض بأجر دولار يوميا. ويمر امام منزلها كل يوم يجر بقرته النحيلة تيموتيو ( 95 سنة) وفيكتور(92سنة) الذي مازال يتسلق الجبال ، ويؤكد بانه وشقيقه لا يأكلان سوى ما يزرعانه، فالمواد الكيماوية تلحق الضرر بالجسم. و تيموتيو يدخن من التبغ الذي يعده بنفسه إضافة الى الماريغوانا، ويوم الأحد يذهب الى القداس، وسوف يظل يشتغل الى ان يقول الله تعالى كفى ذلك، "فالعمل لا يقتل أحد" حسب قوله. 

ويقول ادلبرغ غاونا عمدة القرية (89 سنة) استنادا الى لوائح تسجيل الكنيسة فان بعض السكان وصل عمرهم الى 140 سنة، فما بين عام 1940 و1963 توفي رجلان وامراة عن عمر يناهز الـ 140 سنة. وقد يكون معه حق، ففي كل زاواية من القرية او في الساحة هناك شخص تجاوز الـ 90 من العمر، وصور المعمرين أصبحت جزء لا يتجزأ من القرية. لكن باعتراف الكثير من السكان فان فينسنت بيلكو هو الأكبر سنا،(109 سنة) وتاخذه ابنته لوس ماريا(80 سنة) كل يوم سبت الى بيتها، فهو فقد السمع، عائلته كبيرة فله 15 حفيدا وخمسة أبناء أحفاد وثلاثة أبناء أبناء أحفاد، لكن معظمهم كما الكثير من شباب القرية غادرها بحثا عن عمل.

نشاط جنسي 
والملفت ان الرجل المعمر الذي تتوفى زوجته يحاول دائما الزواج من شابة فالنشاط الجنسي لدى رجال القرية كبير ويروى طبيب القرية ان عالمة انتروبولوجيا أميركية أتت الى القرية لاصدار كتاب عن الحالة الجنسية لدى رجالها بعنوان " الجنس في سن المائة" واغرتهم بدفع مائة دولار لكل رجل يضاجعها، لكنها اضطرت في النهاية لمغادرة القرية بعد ان نفذ مالها. والأمر الآخر الملفت ايضا ان سكان القرية لا يعانون طويلا قبل وفاتهم لكنهم يغيبون بسرعة دون أمراض او أوجاع.

وقد تختفي هذه الظاهرة بعد سنوات لأن الكثير من أغنياء العالم الذين سمعوا بالقرية قرروا الهجرة اليها بالأخص من الولايات المتحدة وأوروبا لذا يقول عمدة القرية بعد افتتاح مكتب صغير للعقارات تزايد عدد المالكين الأجانب، فهكتار الارض يصل الى 50 الف دولار.